دبلوماسية الموجة الرابعة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دبلوماسية الموجة الرابعة

نشر فى : الثلاثاء 11 أغسطس 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 11 أغسطس 2015 - 9:05 ص

تمثل الدبلوماسية سياقا ثقافيا حاسما فى عصرنا الراهن، سواء كانت فى أتون عصر التفاؤل، أو التشاؤم السطحى؛ لأنها تبقى واحدة من الأدوات المُهمة لحركة الفواعل الرئيسة فى النظام العالمى فى لحظة التعاون الدولى الوثيق على سبيل نمطية مارشل، أو قِمة الانحباس الفكرى والصراع.

قبل سنوات كثيرة كتب Alvin Toffler كتابيه «صدمة المُستقبَل»، و«حضارة الموجة الثالثة»، وقد توقع فى الأخير أنَ البشر يتحرَكون نحو عالم لا تنضب فيه المعرفة بعد أن كانت الموجة الأولى عبر التطوُر الزراعى، والموجة الثانية عبر الصناعة، والموجة الثالثة عبر المعلومات والاندماج المُعولم. على ما يبدو أنَ تشكل الموجة الرابعة حين يُصبح الإنسان جزءا من الآلة، وتُصبح الآلة جزءا منه وانعكس هذا على العلوم السياسية بشكل عام، وأدبيات العلاقات الدولية بشكل خاص، وشكَل فيها منطقة فراغ ما زالت بحاجة إلى بحث وتحليل، فإنَ هذه المنطقة بشكل عام تنسحب على المجال الدبلوماسى، ولاسيَما عندما تقترن بتحدِيات العولمة Globalization، فإنها سوف تختلف بشكل أو آخر عن دبلوماسية عصر اللاقطبية؛ ومن ثم يدفع لظهور أنماط، وأساليب تُقدم تصوُرات تنسجم مع حالة تلاقح الأفكار فى بوتقة الحضارات المفتوحة، إذ تُشكِل انعكاسا على الثقافة الدبلوماسية سواء أكان علما، أم تاريخا، أم مُؤسَسة، أم مهنة، أم قانونا.

***

إذا كان المُتخصِصون فى دائرة العلاقات الدولية أخذوا بالتحدُث عن الدبلوماسية التقليدية، والدبلوماسية الحديثة، وبين السرية والعلنية، فإنَ الدبلوماسية اليوم تأخذ أنماطا يصحُ القول عنها بأنها مجنونة، وخارج سياق التوقُع الذى عهدَه التاريخ الدبلوماسى، بل غريبة على البوصلة الدبلوماسية بكلِ اتجاهاتها، وأراها بأربعة أنماط، هى:

دبلوماسية المُنظمات الإرهابية
إذا كان التفاوض عصب العمل الدبلوماسى فكيف لنا أن نتصوَر الفريق التفاوضى للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهل ثمة دبلوماسية خاصة تمارسها الجماعات الإرهابية، وماذا يعنى افتتاح مكتب دبلوماسى لجماعة طالبان فى قطر، والإعلان الرسمى أنَ هدف المكتب تحسين التفاهم، والعلاقات مع باقى بلدان العالم، وإجراء مُفاوَضات مع الولايات المُتحِدة الأمريكية، ومُنظمات دولية، وإقليمية؟ وماذا يعنى التفاوض مع تنظيم الدولة الإسلامية (ISIS)، وهل هذا يعنى أنَ لديه فريقا تفاوضيا، ودبلوماسيِين وسطاء، كما يحصل اليوم فى الوساطة التركية، أو القطرية؛ لإخراج الرهائن فى لبنان، وسابقا فى موضوع الرهائن فى القنصلية التركية بالموصل، ومن ثم بث موقع «أيدنلك ديلى» تصريحات لمسئول العلاقات الخارجية بتنظيم «داعش» يُدعى أبو عمر التونسى قال فيها: إنَ داعش تعتزم افتتاح أول بعثة دبلوماسية فى دولة صديقة ومُسلِمة.

فهل «داعش» أصبحت اليوم مُنظمة ذات جهاز دبلوماسى تجيد الجلوس على طاولة التفاوض، ولديها أوراق تفاوضية، واستراتيجيات تفاوض، ورُبما طاقم من السفراء فى بعض الدول فى إطار الوهم الدبلوماسى الهجين، ولا ينقصها إلا وضع الراية السوداء فوق الكهوف خُصُوصا مع دَعَوات أمريكية للتفاوض أطلقها بعض الكتاب، فماذا سيكون من مُستقبَل لهذا الجنين المُشوَه وهو يُولد خارج الرحم الدبلوماسيِ الطبيعى، وهل سيُفرَش لها السجاد الأحمر لاحقا؟

الدبلوماسية الرقمية
يقول هنرى كيسنجر: «إنَ الإعلام الصاخب دائم الحُضُور يُحوِل السياسة الخارجية إلى فرع من فروع التسلية العامة، فالتنافس الحاد على التصنيف يُنتِج هَوَسا بالأزمة الآنية، ويُقدِمها بشكل عام كأزمة أخلاقية بين الخير والشر»، فكيف سيكون الحديث عن هذا الموضوع ونحن نعيش عصر Digital War.

فى خِضَمِ عالمنا المُسطح ــ كما سماه توماس فريدمان ــ أصبح لوسائل التواصل الاجتماعيِ دور كبير ومُؤثر فى صناعة القبول السياسى سواء كان منها تويتر Twitter، أم فيس بوك Facebook؛ للبحث عن شبه ترسيخ علاقات، وتواصل مُتبادَل، وبناء شبكة دبلوماسية افتراضية حتى إن أحد الدبلوماسيِين البريطانيِين قال: إن الدبلوماسى الأكثر فاعلية فى هذا العصر هو مَن يحمل بيده الآى باد بدلا من أوراق اعتماده.

وبحسب دراسة أصدرها أحد المراكز البحثية فإنَ أكثر من 83% من دول العالم لها حُضُور على تويتر، ولدى ثلثى رؤساء الدول والحكومات 68% حسابات شخصية فيه، وحرصت وزارات الخارجية على إنشاء منصات رقمية كبيرة على شبكة تويتر، إذ يُوجَد أكثر من 3100 حساب للسفارات والسفراء للعديد من الدول؛ ومن ثم أصبح الموضوع لا يبتعد من سياق دبلوماسيٍ لإيصال رسائل مُتبادَلة غير مُباشِرة فى مُجتمَعات الإنترنت أكثر مما هو العمل فى إطار إعلاميٍ، ودعاية خارجية، وإشهار عن نشاطات بينما تحوَل تويتر فى العالم العربى عبر الجهات الرسمية إلى مِنصة رقمية لتبادُل اتهامات، والشتائم.

ورُبما ستظهر دبلوماسية السيلفى Selfie قريبا، أو ينقرض الدبلوماسيون فى ظل الدبلوماسى الرقمى، ويحل الآى فون، واليوتيوب، والانستجرام بدلا من الشفرة السِرية، والحقيبة الدبلوماسية، وحامل البريد الدبلوماسى، ونستبدل أفكار بسمارك، ومترينخ، وجورج كينان بعبقريات مارك زوكربيرج، وستيف جوبز، ونكون أمام اكتشاف Eleــdiplomat؛ ليكون سفيرا فوق العادة.

المُواطِن الدبلوماسى
إذا كانت الثورة التكنولوجية قد ساهمت فى صناعة «كل مُواطِن هو إعلامى» عبر استخدامه جهاز الموبايل فإنَ الرأى العامَ وضع المُواطِن أمام مَهمة دبلوماسية، وأصبح له تأثير فى صانع السياسة سُمِى لاحقا فى بعض الدراسات الدبلوماسية ذات الطابع الديمقراطى ما يُعرَف اليوم بـ«الدبلوماسية الشعبية» Public Diplomacy، وإذا كانت الدبلوماسية التقليدية تقوم أعمالها بالاعتماد على السفارات والبعثات الرسمية فإن الدبلوماسية الشعبية تعتمد على النقابات، والاتحادات، والمُنظمات، والفرق الرياضية التى تمتلك علاقات صداقة بمُنظمات لها نفس الاختصاصات، فعلى سبيل المثال كانت لدبلوماسية البنج بونج أثرها الواضح فى فتح العلاقة بين الولايات المُتحِدة الأمريكية والصين الشعبية عام 1970، ويُمكِن ــ أيضا ــ للمُجتمَع المَدَنى أن يكون له الدور الأبرز فى هذا الاتجاه.

دبلوماسية الفواعل من غير الدول
صعود «الفواعل غير الدول» مثل الشركات مُتعدِدة الجنسيات٬ والمُنظمات غير الحكومية والدولية٬ ووسائل الإعلام المُؤثرة، وهذه الفواعل أصبحت لها دبلوماسيتها الخاصة بها؛ ما أثَر بشكل أو آخر فى الدبلوماسية التقليدية أقرب إلى ما يُمكِن تسميته «القوة الذكية»، و«الدبلوماسية المرنة»، كما نظَر له جوزيف ناى عبر المزج بين القوة الصلبة Hard power والقوة الناعمة Soft Power، وسياسة ثلاثية الأبعاد (3D) التى تعنى المزج بين Diplomacy الدبلوماسية، والدفاع الوطنى Defense، والتنمية Development.

وإذا كان جهاز وزارة الخارجية هو الجهاز الوحيد الذى يقع على عاتقه تنفيذ السياسة الخارجية الرسمية للوحدة القرارية فإنَ البنوك والشركات المُتعدِدة الجنسيات تتنافس اليوم على هذه المَهمة فى عالم ما بعد «وستفاليا»؛ ليعيش النظام الدولى فى حالة الفوضى، وتتراجع قدرة الدولة؛ لتُؤدِى تلك الفواعل أدوار الدولة تاركة المغزى الرمزى للدولة فى أداء وظائفها الخارجية.

نعم... إنَ الأنماط غير الرسمية فى الدبلوماسية ليست بالجديدة، ولكن تبقى هذه الأشكال الأربعة تُمثِل أنماطا لدبلوماسية جديدة تجعل المُؤسَسات الدبلوماسية التقليدية أمام تحدٍ، وعليها إعادة صناعة نفسها فلا يُمكِن للدبلوماسية أن تواجه التحدِيات الجديدة بالمهارات القديمة، وهنا مَهمة الدبلوماسيِين المُحترِفين رُبما نحتاج فيها إلى أنسنة الدبلوماسية بشكلها المُعولَم.

ياسر عبد الحسين
مُدير مركز بلادى للدراسات والأبحاث الاستراتيجية ــ بغداد

التعليقات