إلى القرآن من جديد.. 6.. قداسة الحياة وعصمتها - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى القرآن من جديد.. 6.. قداسة الحياة وعصمتها

نشر فى : الجمعة 11 سبتمبر 2015 - 2:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 سبتمبر 2015 - 2:05 ص

ــ1ــ
تمادت خطابات دعوية كثيرة فى تبنى الحرب والقتل والتربص والدمار والفناء بدعوى «الجهاد»، وهذه الدعوى نشأت عن قراءة خاطئة لآيات الجهاد، فضلا عن عدم العلم بالقيم القرآنية الثابتة التى تنزلت الأحكام لحمايتها ورعايتها.
كما أن الخلط بين لفظ «الدنيا» ولفظ «الحياة» واعتبارهما شيئا واحدا ساعد على شيوع الخطأ، فامتلأت ساحات المسلمين بالعنف المسلح غير المبرر.

ــ2 ــ
من الواجب فهم لفظ الحياة على أنها «مجموعة الكائنات الحية فى كل زمان ومكان»، فالحياة «شىء» كائن، أما لفظ «الدنيا» فهو صفة للون من ألوان الحياة. فالحياة فى أصلها منحة «الحى القيوم» خلقها «الحى» سبحانه ونفخ فيها من روحه، ووجه جميع رسله وأنزل جميع كتبه لحراسة الحياة والحفاظ عليها، كما فرض سبحانه وتعالى حماية جميع مظاهر الحياة وعدم إزهاق حياة أى نبات أو حيوان إلا لضرورة حياتية، حيث إن الله قد خلق النبات والأنعام لإطعام الإنسان.
أما «حياة الإنسان» فهى حياة معصومة مصونة محاطة بحماية الشريعة، فالإنسان فى جميع أحواله وأعماره وأعراقه وأفكاره ومعتقداته هو إنسان معصوم الحياة، لا يحق لأى سلطة أن تعتدى عليه إلا بمثل ما يعتدى هو. والقرآن الكريم أكد على عصمة النفس البشرية وتحريم العدوان عليها واعتبار أى «جرح» مهما صغر جريمة جنائية يحاسب المتسبب فيها، فقال تعالى: ((ا أَيُهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى ۖ الْحُرُ بِالْحُرِ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ))، و((..مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَمَا قَتَلَ النَاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَمَا أَحْيَا النَاسَ جَمِيعا..)).

ــ 3 ــ
وحتى يتعلم الناس عصمة الحياة ورعاية الشريعة لها، فقد حرم الشرع تجويع أو تعذيب الحيوانات غير ذات النفع الاقتصادى المباشر مثل القطط والكلاب...فتلك حيوانات لم تخلق للطعام، فقررت الشريعة رعايتها حتى لا يتوهم الناس أن الرعاية والحماية مقررة للحيوانات ذات النفع المباشر مثل الأنعام التى تؤكل والدواب التى تركب، فقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَارَ فِى هِرَةٍ، رَبَطَتْهَا، فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَى مَاتَتْ هَزْلا»، كما أبرز صلى الله عليه وسلم: «غُفِرَ لبغى مَرَتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍ يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ».

ــ 4 ــ
فإذا كانت حياة الحيوان النافع وغير النافع نفعا مباشرا مصونة ومحصنة بالشرع، فهل يتصور عاقل أن هذا الشرع يعتمد القتل وسيلة لنشر دعوته؟! لا يمكن أن يكون ذلك من الشرع ولا بسببه. وهل يتصور عاقل أن فريضة الجهاد تتيح للمسلم أن يحتاج حدودا آمنة – بغير سبب ــ ليفرض على الناس إما الإسلام مكرهين وإما دفع دية وإما القتل ؟!!! وهذه الدعاوى التى يدعيها هؤلاء المغرضون ويلصقونها بالرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم هى دعاوى باطلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج فى جميع الغزوات استردادا لما سلبه العدو من المسلمين، أو ردا على عدوان مباشر على المسلمين، أو تأديبا لكيد اليهود، علما بأن لقاءاته باليهود كانت بعد ثبوت جرائمهم واعترافهم، وكان اللقاء على قدر الكيد الحادث، ففى قينقاع والنضير عفا عنهم وتركهم يرحلون، وكذلك فى خيبر قبل تصالحهم وأقرهم فى أماكنهم، أما فى قريظة فكان الكيد خطيرا إذ هيأوا ثغرة للأحزاب (غزوة الخندق) لتدخل جنود الأحزاب إلى وسط المدينة لتدميرها وقتل من فيها من المسلمين. ومع ذلك، قبل منهم التحكم، واختاروا هم الحكم، وكان ما كان.. أما غزوات الرسول للقرى والقبائل المحيطة بالمدينة ومكة، فقد استهدفت تطهير الحرم مما طرأ عليه – بعد إبراهيم ــ من وثنية وشرك. ورغم انتصاره على هؤلاء، فلم يفرض عليهم جزية ولم يفرض عليهم إيمانا، وعفا عنهم. كما رأينا أمثلة متكررة فى «بنى المصطلق»، «حنين»، و«مكة» ذاتها، ففى يوم فتحها، كان قراره المشهور «اذهبوا فأنتم الطلقاء» أحرارا فيما تدينون به فيما بينكم وبين أنفسكم، فلا حاجة لنا إلا فى اقتلاع الأصنام والأوثان التى أحاطت بالحرم.

ــ 5 ــ
نحن المسلمين بعلمائنا وفقهائنا وجميعنا فى شديد الحاجة لإعادة قراءة القرآن، وإعادة ضبط مفاهيم الحياة والجهاد والإيمان، حتى تخرج الأمة من ظلمات العنف والحرب والقتال، وحتى يرجع الناس عن شرور الضغط والإكراه فضلا عما تورط فيه مسلمون كثيرون من اعتماد العنف وسيلة سواء لطلب السلطة أو لاستمرار الاحتفاظ بها أو لإجهاض معارضيها أو لإعادة السعى للحصول عليها، وكل ذلك باطل يلفظه الشرع ويأباه القرآن ويتبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم.
يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات