المصارف.. الحاكم الفعلى للبنان - مواقع عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصارف.. الحاكم الفعلى للبنان

نشر فى : الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 11:20 م | آخر تحديث : الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 11:20 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب الفضل شلق ونعرض منه ما يلى:
الدولة هى الاطار الناظم للمجتمع. هى تعبير واضح لا لبس فيه عن المجتمع فى انتظامه. بوجوده تكون الدولة موجودة، وبغيابه تكون الدولة فاشلة. لبنان دولة فاشلة. مع الدولة الفاشلة، يكون المجتمع فاشلا، إذ يفشل فى الحفاظ على وحدته.
النظام مؤسسات وقوانين وأجهزة تنفذ سياسة الدولة. سياسة العيش معا. والأرجح، بل فى غالب الأحيان، يكون منحازا للطبقة الأقوى أو للدولة الأجنبية الأقوى التى تتدخل فى شئون البلد.
الحالة المثلى هى أن يؤدى وجود الدولة، بتقادم العهد، إلى انغراز إرادة العيش سوية فى كل فرد. حينذاك، يصبح تطبيق القانون طوعيا. ما من نظام يبقى حين يخالف جميع الناس القانون. القانون أداة فرض الانتظام فى المجتمع عندما يخرج عليه أو يخالفه البعض. فتكون عقوبات السجن أو الغرامات أو غيرها. لا بدّ لكل نظام من هيبة. عندما يطبق الناس القانون، بطوعية كاملة، لا حاجة لمن تكون له الهيبة لأجل فرض القانون. وعندما تنهار الهيبة ويكثر الخارجون عن القانون ويكون النظام فاشلا؛ يفشل النظام بعد فشل الدولة، أى بعد أن يبرهن المجتمع رفضه إرادة العيش سوية، ولا غرابة فى ذلك عندما تنهش أنياب الأقليات هذا النظام.
تتألف الدولة، لا من شعب واحد متحد بإرادته، بل من شعوب. طوائف تفضل كل واحدة منها العيش لوحدها. وتُعتبر الدولة كائنا غريبا؛ واردات النظام ما يجب غزوه والاقتناص منه. كلُ ما تحصّله المكونات، الطوائف، من النظام، يُعتبر غنائم يجب نهبها. تماما، كما يفعل البدو عند الغزو. يستبيحون الدولة والنظام، وهذا ما يحصل.
يحافظون على العتمة فى تدبير شئون الدولة ــ النظام. اللصوص غالبا ما يسرقون فى عتمة الليل. من يحكم لبنان يفضل العتمة. أصبح الليل كافرا شديد العتمة؛ تضليل معتم يناسب السرقة. لا يعرف الشعب شيئا عما يجرى فى الكواليس. السرقة هى المبدأ. الصلاح عند من يعملون فى الدولة هو الاستثناء. علينا الخجل من أنفسنا. نمارس التدمير الذاتى بأجلى مظاهره.
من يُبقى هذا الهيكل المخلّع متماسكا؟ بالتأكيد ليست عبقرية أبنائه، بل قوى خارجية. القوى ذاتها التى نستتبع أنفسنا لها. نحن مستعمرة، أو شبه مستعمرة، لقوة كبرى واحدة أو لعدة قوى. منذ زمن قريب، قيل إن البلد أشبه بالفندق نسبة لكثرة هجرة أبنائه الذين يعودون أيام العطل لقضاء بعض الأيام مع ذويهم. الآن، يصح القول إن البلد مستعمرة. يدخله الأجانب الآتون إلى القواعد الأجنبية دون فيزا بالتأكيد، لأن الطائرات الأمريكية تنزل فى مطار حامات، ولا يُعتقد أن هناك من أجهزة الدولة من يتفقّد جوازات السفر للوافدين على هذه الطائرات، أو أن الدولة تعلم أو تريد أن تعلم بوجود هذه القواعد (هناك أكثر من قاعدة أمريكية فى لبنان). هناك أجهزة أمنية أجنبية تتحرّك بحرية فى لبنان أيضا.
لبنان كمستعمرة والسلطة كلعبة داما
فى زمن الاستعمار (الانتداب)، كانت هناك مؤسسات. رئاسات للوزارة وللنواب وللجمهورية. أجهزة أمنية وقضائية وبيروقراطية. كانت على صورة البلد الذى يستعمر لبنان. هذا أمر طبيعى. كانت فرنسا ليبرالية. فكان نظام لبنان ليبراليا. لم نحافظ على ذلك فى عهود الاستقلال إلا لفترات قصيرة. تلك الليبرالية لم تكن من حسنات النظام المستعمر بل من ضروراته. أصبح اللبنانيون يقولون عن بلدهم «سويسرا الشرق» بسبب الاستعمار الفرنسى. أما فى حكم الاستقلال، فقد صار التعبير مبعثا على الضحك. فى الدولة الفاشلة، والمجتمع الفاشل، والنظام فاقد الهيبة، ما يضحك ويبكى فى آن معا. لسنا نترحم على عصر الاستعمار، إنما نبكى لعجزنا عن بناء مستقبل لنا ولأولادنا ولأحفادنا. نبكى لفقدان ما يمكن أن يبعث فينا القدرة على الضحك واللهو. نبكى لأنه لم يبق لدينا شىء نعتز به. فقدان الدولة، ووحدة المجتمع، يعنى فقدان الكرامة الإنسانية. مقعدون فى بلدنا وندّعى الاستقلال. لا ندعى العجز لكننا نمارسه.
الأزمات كثيرة ومتوالية كأن هناك فى الداخل والخارج أو فى الداخل قبل الخارج، من يثيرها. معظمها تحمل الطابع المفتعل والمقصود. كأن هناك من يريد أن نرضخ لما كنا لا نرضخ له لو كان الوضع يبعث على الراحة والاستقرار. لبنان كمستعمرة لعدة بلدان كبرى وإقليمية. وأهل السلطة فيه بيادق فى لعبة شطرنج. عفوا ربما كانت الداما تعبيرا أوفى لبساطتها، نسبة إلى تعقيد الشطرنج وقلة التعقيدات وأشكال البيادق التى تدل على الوضع الذى نحن فيه.
• المياه مخصخصة. نشترى مياه الاستعمال المنزلى من كميونات خاصة تملكها شركات.
• الكهرباء مخصخصة. نعتمد على «مولدات الحى» المملوكة فرديا، ولا ندرى إذا كانت عصابة، عفوا شركة تديرها جميعا.
• الهاتف الخلوى ملك عام لكن الإدارة مخصخصة.
• الهاتف الثابت: التوزيع مخصص.
• الطرقات: لا نعرف كيف نخصصها لأنها تتطلّب استثمارا يستنكف القطاع الخاص عن المخاطرة فيها.
الخصخصة عندنا هى استثمار الدولة رءوس الأموال (وبعض الاستدانة) فى المشاريع الكبرى، بينما القطاع الخاص يستفيد دون أن يستثمر فيها.
• معظم الهيئات العامة التابعة للدولة لا نعرف عنها الكثير، لكن ارتفاع رواتب العاملين فيها، خاصة فى مجالس إدارتها، يجعلها أشبه بالملكية الخاصة. بفضل الطوائف التى تُكرّس هذه المؤسسات كغنائم لأرباب الطوائف. عدد هذه المؤسسات كبير والقيمون عليها محميون. لا لزوم للاسترسال فى تعدادها.
• معظم الأجهزة الأمنية والبيروقراطية مطيفة (كل منها يتبع لطائفة، أى إلى زعيم طائفة). بحكم الواقع مطيفة. يمارس رجالها السياسة التى يفترض أن تكون منوطة بالطبقة السياسية.
• أملاك الدولة، المشاعات، الأوقاف، كلها يجرى الاستيلاء عليها لصالح الملكية الفردية.
• نسمع عن المتاجرة بالأولاد لبيعهم كعبيد. ولا نعرف عن الأمر كثيرا.
خصخصة فى كل مكان. البلد كله مخصص. المخصص هو ملكية خاصة يملكه فرد أو شركة. القطاع العام هو ما يكون مشاعا تملكه القرية أو المدينة، أو ما كان ملكية للدولة. لم نكن نسمع عن الخصخصة قبل 2005، أى قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريرى. لا ندرى إذا كانت مهمة القطاع العام، بما فى ذلك سلطة الدولة، إدارة القطاع الخاص. كل ما يشاع، عن اقتناع يسارى أو يمينى، أن القطاع العام فاشل بالطبيعة، أى بحكم وجوده. لا برهان على صحة هذه المقولة. بل هى تعنى أن يدير قلة من الناس قطاعا واسعا من المنشآت أو الأراضى خير من أن يديره المجتمع. هذا يعنى أن لدى هذه القلة كفاءة أكثر من المجتمع. من أين جاءت هذه القلة. أليس من المجتمع؟ أليست هى على شاكلته؟ إنها قلة تريد السيطرة على المجتمع وعلى ما ينتج. القلة التى تتمتّع بالكفاءة فى الإدارة الحالية هى النخبة المستثناة والاستثنائية لأنها تملك كفاءة المال. أما الأكفاء فى العلوم من الفيزياء إلى الكيمياء إلى الهندسة، إلخ... فهم لا يجب أن يملكوا شيئا إلا رواتب تكاد لا تكفيهم. مع تراجع الصناعة والزراعة وبقية قوى الإنتاج، نبقى شعبا لا لزوم له، إلا فى بعض الخدمات نقدمها لمن اختارهم الله واستثناهم بسبب كفاءة هى أسمى من الكفاءات الأخرى. الكفاءة السامية الوحيدة هى كفاءة المال. معظم كفاة المال لا يعرفون عن المحاسبة شيئا، ولا عن الرياضيات شيئا، إلا ربما الجمع والطرح. هذا الأمر يقوم لهم به المحاسبون كموظفين لديهم. نبقى فى مجتمع يسيطر فيه الأقل كفاءة على الأكثر كفاءة. الكفاءة لا تعنى شيئا إن لم تشمل لدى الفرد الواحد مجالات شتى ورؤية تستند على علوم شتى.
المصارف حاكمنا الفعلى
الحاكم الفعلى فى بلدنا هو قطاع المصارف. لا ننسى أن كل مدخراتنا كعامة الشعب تقبع فى أروقة المصارف. هؤلاء يتصرفون بها. لهم حق المنفعة. وهذا نوع من الملكية. قيل الملك لله، وحق المنفعة للعباد. الأرض لمن يزرعها. لكن حق الرقبة لله. للمصارف الآن حق المنفعة والرقبة. لهم حق الاستثمار. للمودعين حق الرقبة نظريا وفى أوهامهم. لا يعرف المودعون عن أموالهم شيئا بعد أن تودع. يهددوننا بأزمة مصارف. معنى ذلك أن مدخراتنا فى خطر. لا نعرف عن هذا الخطر شيئا. لكن ما نعرفه بالتأكيد أن فى الخطر سوء إدارة. سوء إدارة القطاع الخاص (المصارف قطاع خاص) الذى أمضينا سنوات بل عقودا من السنين نحكى عن كفاءاته وميزاته. القطاع العام، أى الناس كمجتمع، دائما مبتذل ورخيص، فاقد الكفاءة، فاقد المعنى. لا لزوم له إلا لخدمة القطاع الخاص وأربابه.
إذن، يحكم البلد هؤلاء الذين هم الأقل كفاءة بين سكانه. وإذا كان البلد مفككا مشلعا، بأفضال الطائفية، فمن يحافظ على وحدة البلد؟ إذا كانت وحدة البلد، وجود الدولة، لا تتحقق على يد أبنائها فلا بد أن تكون قوى، أو قوة واحدة خارجية، تفعل ذلك. وهذه القوة الخارجية تعاونها أجهزة مخابرات عدد من الدول الغربية، وهى تملك أكثر من قاعدة عسكرية فى لبنان.
السؤال المهم هو: هل ستدعمنا هذه القوة الخارجية، فيما لو حصل انهيار داخلى يؤدى إلى انفجار الليرة اللبنانية؟ أو أن الشعب اللبنانى، هؤلاء العامة المبتذلين، لا يعنون شيئا للسادة الخارجيين كما لا يعنون شيئا للسادة الداخليين؟

النص الأصلى:من هنا

التعليقات