تونس الرهينة - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تونس الرهينة

نشر فى : الأربعاء 11 ديسمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 ديسمبر 2013 - 8:00 ص

تشكّلت لدينا تصوّرات مختلفة للثورة: اعتبرها البعض «الخلاص» ورأى البعض الآخر أنّها «المنقذة من الضلال». وأفاض المنظّرون فى الحديث عن صلة الثورة بالشوق إلى الحرية والعدل والكرامة... وتوقّعت الجموع أن ينطلق مسار الانتقال الديمقراطى وفعل التأسيس: التأسيس لكيانات سياسيّة متنوّعة تعكس التعدديّة السياسيّة المرتقبة، والتأسيس للنشاط السياسىّ، والفعل السياسىّ، والخطاب السياسى، والفضاءات السياسيّة التى تسمح بالتفاوض والتفاعل وغيرها من الممارسات الديمقراطية.

انتظرت الجموع أن ينبثق وعى لدى «الطبقة السياسية» التى تدير الشأن السياسىّ بمطلب أتت به الثورة ينادى بالجديد والمغاير. فالمفروض أنّ الفعل الثورى قائم على الخلق، والابتكار والإبداع: يقطع مع النقل والاجترار والتواكل والمحاكاة لينتج سرديته الجديدة.

بيد أنّ هذه التوقعات والانتظارات والآمال المعلّقة على النخب السياسية سرعان ما تبدّدت بعد أن اختُزلت الروح الثورية فى شعارات مرفوعة وكلمات يُوشّى بها الخطاب السياسى، وهيمن الدينى على السياسى، واعيد ترتيب الأولويات، واختلط السوقى والشعبوىّ بالسياسى، واستبدلت عقلنة الفعل السياسى بسيطرة العقل الأداتى الغائى مما أدّى إلى تعميم حالة الإحباط.

حالة الإحباط اليوم محصّلة:

- تصوّر لإدارة الشأن السياسى على أنّه من مهام السياسيين وحدهم، ومن ثمة احتُكر ولم يتمّ تشريك مختلف الفاعلين فى صياغة رؤية واضحة، وبلورة مشروع سياسى جديد وإنّما سادت ممارسات الاستبعاد والإقصاء. وليس يخفى أنّ مختلف وسائل الإعلام لها ضلع فى تكريس هذا التصوّر إذ نادرا ما أصغينا إلى صوت المثقّف أو الفنان أو الأديب أو.. ففوّتنا على أنفسنا فرصة الاستئناس بالرأى المغاير والتحاور مع المختلف وصنع «الديمقراطية التشاركية».

- ثقة وُضعت فى غير محلّها وتنصّل من المسئولية وحالة من التواكل إذ بدا للقوم أنّ الطبقة السياسية هى الموكول إليها رسم السياسات، وتقديم الخيارات، وقيادة المرحلة وتحديد خارطة الطريق باعتبار أنّها تمتلك التجربة والمعرفة. ولكن تحرّر الإعلام أفضى إلى كشف المستور وبيان هشاشة السياسى، وفضح تضخّم الأنوات، والتكالب على السلطة. وفى ظلّ هذا المناخ لم يستطع التونسىّ/ة ،أن يثبت بالقدر اللازم، أنّه اكتسب شروط المواطنة التفاعليّة، فلم يفرض المساءلة والمحاسبة (أحداث الرشّ بسليانة، حالات الإفلات من العقاب، أخطاء ارتكبها عدد من الوزراء على مستوى التعيينات والتصرّف وغيرها ،أداء عدد من النواب وخاصّة من قبلوا السياحة الحزبية بمقابل...) واكتفى فى أغلب الحالات، بالتنديد والتعبير عن غضبه ومخاوفه وملله من المأزق الذى تتخبّط فيه البلاد.

- غياب الإرادة السياسية لمن يتموقعون فى السلطة، ويعتبرون أنفسهم «الصفوة الحاكمة المعصومة» فلا القضاء استقلّ و«تمكّن» ، ولا مسار العدالة الانتقالية انطلق، ولا رُفعت الوصاية عن قطاع الإعلام، ولا الهيئات العليا للحقوق والحريات أو الإعلام فُعّلت.

- فهم للخيارات التى تمّ التوصل إليها (المجلس التأسيسى، الترويكا المشكلة للسلطة، الحوار الوطنى تحت رعاية الرباعى...) على أنّها الأمثل والأفضل والوحيدة وإضفاء الشرعيّة عليها بل القداسة، واعتبارها راهنة أى ثابتة ودائمة وبالتالى سدّ المنافذ أمام مقترحات مختلفة وبدائل أخرى وكأنّ العقل السياسى المدبّر غير قادر على الخروج من النسق الذى ارتبط به. فهل مردّ ذلك الألفة أم الخوف من التجريب والجديد والبدعة أم احتراف المراهنة؟

فما الحلّ؟

المطلوب تحرير الفعل السياسى من حالة الارتهان والابتذال والسقوط وفتح المجال أمام فاعلين جدد من طينة أخرى، وخيارات مختلفة تفكّ حالة الأسر والمراهنة كما هو معلوم تتضمّن المخاطرة. واهم من يعتقد أن الفكر الإخوانى متغلغل فى حزب النهضة فحسب إنّما للنداء «إخوانه» وللجبهة «إخوانها» وقس على ذلك بقية الأحزاب.

المطلوب تحرير الطبقة السياسية الراهنة (أى المهزولة) من الأوهام التى تسيطر عليها: فهى تتوهّم أنّها الوحيدة القادرة على الفعل، وتقرير المصير تحت غطاء الاستخلاف أو الشرعيّة أو.. وأنّ تونس ستضيع لو قرّر هؤلاء فسح المجال لغيرهم حتى يدلوا بدلوهم.

المطلوب تنقية المجال السياسى من الأدران التى علق بها، والانطلاق فى عمليّة تطهير داخلىّ علّنا نعيد بناء السياسة ونوثّق صلتها بالأخلاق.

المطلوب كسر حالة الحصار وفكّ ارتهان البلاد. فتونس لا يمكن أن تبقى رهينة الأحزاب إنّما هى لجميع التونسيين، وعلى هؤلاء أن يصوغوا المستقبل ويصنعوه لبنة لبنة وفق قاعدة العيش معا ومقتضيات المواطنة والديمقراطية التشاركية، فما عاد بالإمكان ضرب الوصاية. إنّ إرادة الشعب تعلو إرادة الحكّام مهما ادّعوا الشرعيّة.

التعليقات