الطرف الثالث - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطرف الثالث

نشر فى : الأحد 12 فبراير 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 12 فبراير 2012 - 8:51 ص

هو البروباجاندا، وهى الدعاية الموجهة، أو الترويج لأفكار أو مفاهيم بعينها، بهدف التأثير على آراء أكبر عدد من الناس. تعتمد البروباجاندا عادة على تقديم مادة غير موضوعية وناقصة وتختلط فيها المعلومات، بحيث تمتزج بتوجهات عاطفية أو دينية بصورة تسمح بالتأثير على آراء الناس فى الاتجاه الذى تريده الجهات المروجة لهذه الحزمة من الأفكار والتعريفات والمصطلحات.

 

 ولأن أغلبية الناس ليست مؤهلة، أو لا تبذل الجهد الكافى للتمحيص والنقد والمقارنة وفحص كل معلومة تدخل إليها تحت مجهر القواعد العلمية والمعرفية والإحصائية الصارمة، فإن تأثير هذه الدعاية الموجهة على سلوك وآراء الناس كبير جدا. وينتج عن البروباجاندا أمر شديد الخطورة ألا وهو تحديد من هو «الطيب» و«الشرير» فيما يحيطنا من أمور وسياسات ورجال وأفكار. ونستطيع القول إن أهم من يحدد اليوم المادة الدعائية السائدة فى الأبواق المختلفة التى لا تكف عن الغناء أو العويل ليلا ونهارا هو النظام الرأسمالى العالمى القائم، ومعه حلفاؤه السياسيون وشركاؤه الماليون. والإعلام ـ وهو يعد أهم أدوات البروباجاندا وأكثرها فاعلية ـ مرتبط بشكل حيوى بمصادر تمويله من أصحاب رءوس المال (المالكة لهذه المؤسسات)، أو أصحاب الشركات صاحبة الإعلانات، أو من قيادات الدول التى ترعى المؤسسات الإعلامية. ومن هنا تجد الشعوب أنفسها ضحية شبكة واحدة من العلاقات السياسية والمالية، وترتبط هذه العلاقات بمصالح استراتيجية واحدة تمول «دعاية موجهة» هدفها تحديد معايير وتعريفات عامة للشعوب لتسهيل استمرار هؤلاء فى السيطرة على مقدرات الكون عن طريق الديمقراطية أو الأوليجاركية أو الفاشية وغيرها من النظم.

 

وعلى الرغم من تصور البعض أن هناك تناقضات بين البروباجندا للديمقراطية التمثيلية، التى بشر بها منذ سنوات قليلة بوش الابن، وبين الترويج للفكر الظلامى الغيبى، المرتبط بالدعوات الدينية السلفية اليهودية والمسيحية والإسلامية، والتى ارتبطت بمؤسسات مالية محافظة فى مناطق مختلفة من العالم، إلا أن الحقيقة أن هناك على العكس تزاوجا وليس تناقضا بينهما. فريجان وبوش الأب وبوش الابن تم دعم انتخابهم من منظمات سلفية مسيحية وهم الذين ارتبطوا بتوطيد أواصر الصلة بالمملكة العربية السعودية والعديد من الأنظمة العربية والإسلامية عبر العالم، وبالتأكيد فإن علاقة هؤلاء بالدولة اليهودية غنية عن البيان.

 

●●●

 

ومن أشهر القصص التى تربط هذه العلاقات المنطقية بين قوى محافظة مختلفة المصادر الدينية ـ على الرغم من سعيهم أن تبدو علاقاتهم ملتبسة ومركبة ـ هى قضية «إيران جيت» التى جرت وقائعها إبان حكم ريجان. وهى صفقة أسلحة بين إيران (الإسلامية حسب دستورهم) وإسرائيل (اليهودية حسب دستورهم) عبر أمريكا (أمريكا ريجان شديدة المحافظة)، وتم تمويل جزء من أرباح الصفقة إلى المعارضة المسلحة لنظام حكم ساندينستا فى نيكاراغوا. وتم استخدام الأسلحة فى الحرب العراقية الإيرانية (وهى العراق التى كانت تشترى السلاح من أمريكا وفرنسا وغيرها من الدول الغربية)، وقد تم تمويل الصفقة بأموال إيرانية لشراء مخدرات وتسليمها لمنظمة كونترا المعارضة للحكومة النيكاراجوية ومن أرباح الصفقة تم شراء صواريخ إسرائيلية وتسليمها إلى إيران. قضية لخصت بحكمة شبكة المصالح القائمة. وفى انجلترا نجد على سبيل المثال تونى بلير ـ الذى تحول أخيرا إلى الكاثوليكية ـ أثناء زيارته للسفارة البريطانية فى واشنطن فى 14 يناير 2009 وقد خط فى كتيب الاستقبال أن مدينة القدس هى وطنه تأكيدا منه أن دينه هو وطنه. أما بوش الابن الذى رد عندما سألوه عن الفيلسوف الذى يحب قراءة أعماله قائلا: هو السيد المسيح. الذى كان يبدأ اجتماعاته مع الوزراء بقراءة ودراسة الكتاب المقدس، والذى ينتمى لطائفة دينية مولت متحفا عن «تاريخ الخلق» فى بيترسسبرج بكنتاكى فى الولايات المتحدة تم افتتاحه فى 28 مايو عام 2007، وهو المتحف الذى يؤكد أن عمر الكون هو ستة آلاف عام ويثبت عبر أروقته خطأ العلماء فى قياس عمر الكون. هو نفس الترويج للفكر الغيبى المضاد للذهن النقدى الذى يتم ترويجه بكفاءة فى مصر والوطن العربى، وبوش الابن هو نفس الرجل الذى بدأ حياته بالعمل عام 1975 فى ميلاند بتكساس فى مجال البترول وبدأت منذ ذلك الحين علاقته بقادة آبار البترول فى منطقة الخليج، ذات الطريق الذى بدأه والده من قبله. ويمكن تتبع هذه العلاقات الوطيدة بين التمويل الوهابى فى جزيرة العرب، وتمويل الاصولية المسيحية فى الولايات المتحدة، وتمويل القوى اليهودية الصهيونية، على الدعاية الموجهة عبر العالم لتحديد معانى الخير والشر، وانعكاساتها على مصالحهم المالية.

 

هذه الدعاية التى جعلت من الديمقراطية التمثيلية مرادفا للحق المبين، وجعلت من وضع كاميرات فى معظم المدن الكبرى عبر العالم إجراءات مضادة للإرهاب وليس تجسس على الناس وتعدى صارخ على الحرية والديمقراطية، وجعلت من إجراءات تعقب كل مواطن عن طريق عشرات الوسائل التقنية الحديثة أمرا بديهيا وليس جريمة تقوم بها نظم الأمن بحيث يصبح الجستابو والشتاتز صبية بجانبهم، وجعلت من غسيل الأدمغة بالإعلام أمرا طبيعيا لاستمرار مهزلة الليبرالية الجديدة، هذه الليبرالية التى جعلت من المؤسسات المالية والمصرفية صاحبة الأمر والنهى فى مقدرات الكون، وجعلت من العلمانية فى مصر سبة، وجعلت من البرلمان الحالى تحقيقا للإرادة الشعبية، وجعلت من الفكر الظلامى برنامجا للتقدم الاقتصادى والفكرى والعلمى.

 

●●●

 

كتب الفيلسوف الفرنسى «بول نيزان» فى عام 1932 دراسة كتاب تحت عنوان: «كلاب الحراسة». هذه الكلاب التى تقوم بحراسة تدفق البروباجاندا بحيث يظل الناس فى حالة ظلام بحيث تبدو الأحزاب فى عينيه مختلفة، يتظاهر وينتخب ويتصور أنه يتحكم فى قدره، مصدقا أن من ينفخ فى البوق ينشر المعرفة وليست دعاية موجهة ضده بحنكة. هذه الكلاب تقوم بدورها على أكمل وجه. هم الطرف الثالث الذى يسخر من وجوده اليوم من يسعون إلى الهرب من طوق البروباجاندا، باللجوء إلى إعلام جديد، إعلام لا يكتبه كلاب وإنما مواطنون بسطاء أصبح لهم اليوم صوت عبر الوسائط التقنية الجديدة. هذا الصوت سوف يعلو تدريجيا إلى أن يغطى يوما على نباح كل كلاب العالم.

خالد الخميسي  كاتب مصري