القراصنة فى السياسة! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القراصنة فى السياسة!

نشر فى : السبت 12 مايو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : السبت 12 مايو 2012 - 8:25 ص

تابع المصريون بقدر كبير من الإعجاب مشهد تداول السلطة بسلاسة فى فرنسا.. وخروج رئيس من قصر الإليزيه هو ساركوزى، ليحل محله رئيس آخر هو الاشتراكى فرانسوا أولاند بعد معركة انتخابية طاحنة، شاركت فيها أحزاب اليمين واليسار. وحصل كل حزب منها على نسبة من أصوات الناخبين، لا يستأثر فيها أحد بأغلبية ساحقة. بل كان الفارق بين اليمين الذى يمثله مشروع ساركوزى ويسار الوسط الذى يمثله الاشتراكى أولاند ضئيلا. وحتى اليمين المتطرف ممثلا فى الحزب الذى تتزعمه لوبان حصل على أقل من الخمس بقليل!

 

ربما لم يتابع الكثيرون تفاصيل ما جرى فى المعركة الانتخابية وما دار فيها من مناظرات واتهامات ومنافسات، ولكن المهم فيها أنها أعادت طرح المشاكل الفرنسية من وجهة نظر أخرى. ووضعت الناخب الفرنسى أمام خيارات جديدة أخرجته من سيطرة النمط الحديدى الذى فرضه ساركوزى، إلى أنماط الحلول الاشتراكية التى قد تصطدم مع السياسة الصارمة للاقتصاد الألمانى وسياسات التقشف التى فرضتها المستشارة ميركيل على الاقتصاديات الأوروبية المهزوزة.

 

ما يهمنا فى هذا السياق هو أن نلاحظ كيف تتحرك الأحزاب السياسية والأوروبية من خارج السلطة إلى داخلها، ومن موقف المعارضة إلى كرسى الحكم بعد سنوات من الكمون والترقب والتحول. معتمدة فى ذلك على قاعدة عريضة من أجيال جديدة من الشباب الذين أعادوا صياغة الأفكار والمبادئ الاشتراكية للحزب. والاستفادة من الأخطاء التى ارتكبها ساركوزى وحكومته فى الداخل والخارج.

 

فى معظم الدول الأوروبية يلعب الشباب دورا أساسيا فى الحياة السياسية والحزبية، وتتشكل أحزاب شبابية متمردة على الأحزاب التقليدية القديمة.. تتقدم بأفكار جديدة ورؤى اجتماعية وسياسية مبتكرة، تختلف عما دأبت عليه وتربت فى ظله.. وقارن ذلك بما يحدث عندنا حين يحاول جناح من الشباب الخروج من عباءة الحزب الكبير ليؤيد مرشحا لا يؤيده الحزب، كما جرى مع الإخوان المسلمين وأبوالفتوح.

 

معظم أحزاب الخضر فى أوروبا بدأت بهذه الطريقة من خلال الدفاع عن البيئة ومحاربة الانتشار النووى وحيازة الأسلحة النووية وخفض الإنفاق الدفاعى.

 

وآخر صيحة فى هذا المجال هى حزب القراصنة الذى تأسس فى ألمانيا قبل سنوات قليلة عام 2006 من الشباب وحقق انتصارات انتخابية فى ثلاث ولايات ألمانية، تفوق فيها على حزب الخضر وعلى الحزب الليبرالى العريق.. ليهدد الأغلبية التى سيطرت من خلالها الأحزاب الألمانية الكبرى على الحياة السياسية. ونعنى بذلك حزبى الديمقراطيين المسيحيين الذى ترأسه ميركيل، والحزب الاشتراكى الديمقراطى المعارض. اللذين يتبادلان الحكم على المستوى الفيدرالى منذ عقود.

 

وقد أثارت ظاهرة حزب القراصنة وما حققه من فوز دهشة المراقبين ووسائل الإعلام التى فوجئت بما حققه القراصنة من حشد شعبى خلال فترة قصيرة. وبدا من الصعب تصنيف هذا الحزب سياسيا بين اليمين واليسار والوسط. ويعتقد خبراء السياسة أن «القراصنة» هم محصلة جموع الشباب من الناخبين الذين أحبطتهم الأحزاب السياسية التقليدية وأداؤها الممل وعجزها عن التواصل مع أنصارها.

 

ويتميز هؤلاء القراصنة بالدعوة إلى الشفافية فى العملية السياسية، وإزالة كافة القيود المفروضة على حرية الإبداع والفن، وتقنين ما يسمى بالقرصنة الإلكترونية.. ويتضمن برنامج الحزب ــ الذى لا يعد برنامجا متكاملا بالمعنى الحقيقى للكلمة ــ المطالبة بجعل التعليم مجانيا فى جميع المراحل بالمدارس والجامعات، مع تقديم معونة مالية للطلبة وتوفير لاب توب لكل طالب ومواصلات مجانية وتقنين زراعة القنب.

 

ويجذب برنامج الحزب آلاف الشباب. وهم يعترفون بأنهم لا يفهمون كثيرا فى السياسة ولا يحيطون علما بمشكلة اليورو وضرورات التقشف الاقتصادى، ولا كيفية التعامل مع قضايا السياسة الخارجية.

 

وبعبارة أخرى فالقراصنة الجدد يمثلون نوعا من الطفولة الحزبية، يعنى ما هو أدنى من المراهقة السياسية، ولا يجدون عيبا فى التعلم من أخطائهم.

 

●●●

 

 

فكّرت لو أن بعض الحركات الثورية فى مصر من شباب 6 أبريل أو اتحادات شباب الثورة التى تجمعت وانفضت، واتحدت وانقسمت عدة مرات وتكاثرت كالفطر طوال العام الماضى استفادت من تجربتها فى الانتقال من الهواية إلى الاحتراف، وشكلت حزبا مثل حزب القراصنة فى ألمانيا.. فلربما كنا قد وصلنا إلى بدايات جديدة تترجم ثورة 25 يناير إلى حركة سياسية مستقلة عن الأحزاب التقليدية المهترئة التى اكتسحت الميدان، واستولت على جهد الشباب ونضالهم دون جدوى، وأعادتنا إلى نفس المقولات والوجوه القديمة التى نعانى منها الآن!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات