السعودية ودولة كردستان الكبرى - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأحد 8 ديسمبر 2024 8:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السعودية ودولة كردستان الكبرى

نشر فى : الجمعة 12 يونيو 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 يونيو 2015 - 9:05 ص

«يجب أن نعمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية لأن من شأن ذلك أن يخفف من المطامع التركية والإيرانية والعراقية، وستقتطع دولة كردستان الكبرى من ثلث إيران وثلث تركيا وثلث العراق».

كانت تلك كلمات اللواء السعودى المتقاعد أنور عشقى، الذى يرأس حاليا مركز الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بمدينة جدة. قد يتفهم البعض كلمات الدكتور عشقى كونها تعبر عن رأى الرجل الذى لا يشغل حاليا أى منصب حكومى، إلا أن تقييم الكلمات ومعناها يختلف عندما توضع فى الإطار الأكبر الذى ذُكرت فيه. سمعت هذه الكلمات الأسبوع الماضى عندما استضاف مجلس العلاقات الخارجية، وهو أحد أهم المراكز البحثية بالعاصمة الأمريكية، ندوة فريدة ليس فقط من حيث هوية حاضريها من خبراء الشأن الشرق أوسطى فى واشنطن، بل لأنها كانت حدثا نادرا بمعايير واشنطن لهوية المتحدثين أمامها. اعتقدت فى البداية أن الندوة ستكون سرية مغلقة Off record على شاكلة العديد من الفعاليات فى واشنطن، والتى تجرى خلف أبواب مغلقة والتى أحضر الكثير منها ويشترط عدم الكتابة عنها، إلا أن المفاجأة كانت فى الرد على سؤالى أن الندوة On record أى مفتوحة للكتابة عنها، ويمكن أيضا تصور المشاركين فيها، وكانت الأجواء العامة داخل الندوة احتفالية بصورة واضحة.

تحدث أمام الجلسة إضافة للدكتور أنور عشقى، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دور جولد، وأدار الندوة آليوت أبرامز، الباحث بالمجلس والمسئول الأمريكى الأسبق، المحسوب على تيار المحافظين الجدد. إلا أن إلقاء نظرة سريعة على خلفية الدكتور عشقى قد تكون كفيلة بإثارة عدد من الأسئلة، كونه قد سبق له العمل مستشارا لمجلس الوزراء السعودى ومستشارا للسفير السعودى الأسبق لدى واشنطن بندر بن سلطان، وكونه بالطبع مسئولا عسكريا سعوديا وإن كان سابقا. عنوان الندوة «تحديات إقليمية وفرص: رؤى من المملكة السعودية وإسرائيل» كفيل أيضا بإثارة عدة تساؤلات!

•••

يتساءل العقل الجمعى للأكراد عن تأثير ما تشهده المنطقة من فوضى وصراعات وتطورات على حلم تأسيس دولة خاصة بهم. وقبل زيارة هامة قام بها رئيس إقليم كردستان العراقى مسعود بارزانى لواشنطن الشهر الماضى، قال رئيس ديوانه فؤاد حسين، إن العلاقات بين أربيل وبغداد تجىء على رأس أجندة المحادثات مع الأمريكيين، وأضاف أن الرئيس بارزانى سيطرح قضية قيام دولة كردية مع أوباما، مشيرا إلى رسالة سابقة بُعث بها إلى أوباما وتؤكد على حق الأكراد فى تقرير المصير. من جانبه لا يمانع الكونجرس فى التعامل المنفصل مع إقليم كردستان العراق، بل يتعدى ذلك بالتعبير عن رغبة فى التعامل المماثل مع سنة العراق أيضا مباشرة وبعيدا عن حكومة بغداد المركزية، بحيث يمكن أن تذهب شحنات أسلحة أمريكية لأكراد العراق أو سنتها بدون المرور ببغداد.

ولا يضيع الأكراد فرصة استعداد واشنطن للتعامل المنفصل معهم، إذ يقومون بحملات علاقات عامة واسعة تشمل تنظيم رحلات تأخذ أعدادا كبيرة من أعضاء مجلسى الكونجرس ومساعدى الأعضاء لإقليم كردستان.

وأقابل كثيرا باحثين من مختلف مراكز الأبحاث الأمريكية ممن تنظم لهم حكومة كردستان رحلات (يوجد لها مكتب تمثيلى بقوم بمهام السفارة فى واشنطن)، ويعود هؤلاء مبشرين بالاستقرار وبالرخاء الاقتصادى والفرص المتاحة للاستثمار هناك.

ويتم الترويج كذلك للتسامح الدينى والعرقى تجاه غير الأكراد، خاصة مع نزوح العديد من قيادات سنة العراق لإقليمهم من أجل إيجاد ملاجئ آمنة داخل حدود الإقليم مخافة عنف الميليشيات الشيعية والداعشية. من هنا ليس بمستغرب تصاعد الحديث فى الدوائر البحثية القريبة من إسرائيل، مثل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، عن عمق العلاقات التى تجمع بين حكومة إقليم كردستان العراقى وبين إسرائيل.

ويتحدث مسئولون أمريكيون كثيرا، خلف الابواب المغلقة، عن دعمهم لقيام دولة كردية إذا ما انتهينا إلى ضرورة أو واقع تفكيك العراق وسوريا إلى دويلات. ويزداد الحديث عن لقاءات أصبحت تعقد دوريا بين مسئولين أكراد عراقيين ومسئولين إسرائيليين، تندرج هذه اللقاءات ضمن مساع إسرائيلية دولية لمساعدة الأكراد فى بناء دولة مستقلة يعترف بها العالم.

•••

بعد مرور أكثر من أربع سنوات على بدء الثورة أو الحرب الأهلية فى سوريا تبدو تداعيات تقسيم سوريا أقرب للواقع منها للخيال. وسينتج فى الأغلب نموذج للأكراد أقرب إلى نموذج كردستان العراق، حيث لا يخضع لأى سلطة من حكومة دمشق، كما الحال مع حكومة بغداد اليوم. ويشكل الأكراد ما يقرب من 15% من إجمالى الشعب السورى، ويتمركزون فى المناطق الشمالية والشمالية الشرقية المتاخمة للحدود مع تركيا والعراق. ويعتبر ذلك عامل ضغط ومسهل يدفع باتجاه إنشاء منطقة كبرى يسيطر عليها الأكراد ويتمتعون فيها باستقلالية تامة إلى جانب إخوانهم فى العراق.

ورغم إدراك القوميين الأكراد بأن الوضع الراهن يشكل لحظة فارقة فى تاريخهم منذ تم انتهاك حقهم فى دولة مستقلة إبان الحرب العالمية الأولى، إلا أنهم يدركون أنهم لا يستطيعون فعل ذلك من دون تركيا. وجاءت الانتخابات التركية الأخيرة لتمنح الاكراد انتصارا انتخابيا غير مسبوق، إثر حصول حزبهم الرئيسى «الشعوب الديمقراطى» على 12% من أصوات الناخبين الأتراك، أى ما يقرب من 80 نائبا، ليكون الحزب الرابع فى البرلمان التركى للمرة الأولى. وهو ما قد يثير مفاجآت لاحقا قد لا يستبعد معها مباركة تركية لفكرة دولة كردية خارج حدودها.

•••

وبالطبع يمكن تفهم وجود علاقة قوية لإسرائيل بالأكراد من منطلق «عدو عدوى صديقى»، فإيران وسوريا والعراق وتركيا دول تجمعها حالة من العداء التاريخى بإسرائيل. صعود فكرة «دولة كردية كبرى»، رغم مشروعية الفكرة، قد يغير معادلات كثيرة يخلق معها ميزان قوى جديد فى الشرق الأوسط لا يمكن إلا لإسرائيل الاستفادة منه. من هنا لا يمكن تفهم أو تبرير خروج أصوات سعودية هامة قريبة من دوائر الحكم لتطالب بالإسراع بإيجاد دولة كردية من واشنطن، خاصة مع صعوبة تفهم وجود أى مصالح حقيقية للسعودية بصورة مباشرة أو غير مباشرة!

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات