مصر منورة بأهلها - تمارا الرفاعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر منورة بأهلها

نشر فى : الأربعاء 12 يونيو 2019 - 8:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 يونيو 2019 - 8:55 م

من تابع شبكات التواصل الاجتماعى فى مصر هذا الأسبوع لا شك أنه لاحظ حشد طاقة وحب ومساندة عدد ضخم من مستخدمى الإنترنت للسوريين الذين لجأوا إلى مصر بسبب الحرب فى سوريا، وقد تصدر هاشتاج «السوريين منورين مصر» لائحة العناوين على شبكتى تويتر وفيسبوك، حتى أنه غطى على باقى الأخبار القادمة من أماكن أزمات فى العالم.

***
من الصعب شرح أثر هذا الفيض الهائل من العواطف من سكان مصر على السوريين، بل من الصعب التعبير عن عمق الامتنان الذى حتما شعر به كل سورى هاله ما تناقلته الصحف حول تقديم محام فى مصر بلاغا طالب فيه النائب العام باتخاذ إجراءات قانونية للكشف عن مصادر أموال السوريين العاملين فى مصر، خصوصا من أصحاب الاستثمارات والمصانع. وبعيدا عن نقاش دورى فى البلاد المستقبلة للاجئين بتنا معتادين عليه حول مزاحمة اللاجئين أولاد البلد فى رزقهم وأعمالهم، فهذا نقاش ليس حكرا على مصر بل هو نقاش كثيرا ما يحدث خلال موجات النزوح واللجوء إلى بلاد يعانى قطاع من سكانها من البطالة، ما يهمنى هنا هو هبة كبيرة اجتاحت الفضاء الافتراضى فى مواجهة ما ظهر على أنه تحريض ليس فى مكانه على ما يقارب 130 ألف سورى (بحسب المفوضية السامية لشئون اللاجئين فى مصر) يعيشون فى القاهرة ومدن أخرى منذ عام 2012.

***
«السوريين منورين مصر» جملة تشبه بطاقات الشحن مسبقة الدفع، أخرجها المصريون من قلوبهم ورموا بها فى الفضاء الافتراضى فامتلأ برصيد هائل من الدفء فى فترة شعر فيها السوريون أنهم تحت المجهر بعد بلاغ المحامى. هكذا وبتلقائية، تطايرت عبارات الحب والترحيب كقصاصات من الورق الملون التى تستخدم فى حفلات أعياد الميلاد، قصاصات على شكل قلوب وفراشات رفرفت فى فضاء السوريين فذكرتهم أنهم بين أهلهم فى مصر، فى فترة ظهر فيها خطاب للكراهية فى بلد آخر يحتمى فيه اللاجئون السوريون من الحرب.

***
لست هنا بصدد مقارنة بين بلاد اللجوء، لا العربية منها ولا الأجنبية، وبين قوانينها والتزام اللاجئين بها، ولا أنا بصدد مقارنة بين منظومات رسمية للتعامل مع الوافدين، فلكل بلد قوانينه ومستويات مختلفة لتسوية أوضاع المقيمين فيه التى تحتاج لأبحاث طويلة إن قررنا مقاربتها من القوانين الدولية، وفى كل بلد قطاع من المواطنين قد يرغب بالتقليل من الوجود الأجنبى مقابل قطاع يؤمن بأن التنوع يزيد من الغنى. أنا هنا أتوقف عند أنهار من اللبن والعسل فاضت من المساحة الزرقاء فالتقطها سوريو مصر وخزنوها فى أوعية امتلأت حتى آخرها بالحب. أتوقف عند صدق فى المشاعر لم يرغم أحد المصريين على إظهارها إنما أظهروها بشكل لم يسمح للسوريين سوى أن يشعروا بأنهم فى بلدهم وبين أهلهم.

***
بعيدا عن الرومانسية، ليس كل السوريين مثاليين، فنحن لا نتحدث عن ملائكة ولا عن مجموعة ناس قد تم صبهم فى قوالب خاصة قبل إنزالهم إلى الأرض. السوريون كغيرهم من البشر والشعوب بينهم الصالح والطالح، منهم اللطيف ومنهم العنيف، خفيف الدم وثقيله، كريم النفس وبخيلها. ترهقنى التعميمات والصور النمطية وأحاول تفاديها قدر المستطاع، حتى وإن كنت أقر فى داخلى أن ثمة حقيقة خلف الصورة النمطية، فلا دخان بلا نار كما يقال. إنما أحاول ألا أعمم صفة على شعب بأكمله سواء كانت صفة إيجابية أو سلبية. كل هذه المقدمة هى للرد على ملاحظة أثارها البعض حول دفاع عن السوريين وكأنه دفاع عن شعب ذى خواص فريدة.

***
الموضوع قد يكون أبسط أو أكثر تعقيدا. الجواب الأبسط هو ما كانت تقوله جدتى عن الحب: المحبة من الله، أى أن لا تفسير منطقى للحب، ينجذب أحدنا إلى شخص أو أشخاص أو أماكن بشكل عفوى، وهو ما يسمى أيضا بالكيمياء. الجواب الأكثر تعقيدا يستدعى العودة إلى روابط تاريخية وسياسية وثقافية بين بلدين أو شعبين أدت إلى تطور العلاقة بين أفرادهما بشكل مركب، وإلى مد جسور وشراكات وعلاقات عائلية بين ناس وأسر من المكانين، حتى نتج عنها ذاكرة جماعية ربطت بين الناس وشكلت عندهم مادة بصرية وسمعية وصورا قديمة وأغانى وأمثالا تعود وتظهر كل فترة، فيجتمع أفراد العائلة حول ألبومات صور تحكى كل منها قصة يرويها أحد أفراد العائلة ويفرح لها الآخرون.

***
ربما كان هناك زمن كان فيه البال أكثر ارتياحا والقلوب أكثر صفاء والجيوب أكثر رخاء، أو ربما هكذا هى الدنيا، ينظر كل منا إلى الماضى القريب على أنه كان أسهل على من سبقنا مما هو الحاضر علينا. لكن ما يهمنى اليوم هو أرشيف لا ينتهى من المودة يظهره السورى للمصرى وبالعكس، ما يهمنى هو عفوية الترحيب التى أتلقاها منذ جعلت من القاهرة مكانى، ما يهمنى هو قصة يحكيها لى كل شخص أتعرف عليه للمرة الأولى فى مصر، قصة تختلف فى تفاصيلها إنما جوهرها هو أن للشخص أصدقاء أو أقارب من سوريا. لم ألتقِ بمصرى لم يحك لى فى لقائنا الأول قصة تربطه بسوريا، ودون أن ينتهى لقاؤنا الأول بجملة «نورتى مصر يا تمارا». الحقيقة أن مصر منورة بأهلها.

تمارا الرفاعي كاتبة سورية
التعليقات