مصداقية سى إن إن! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصداقية سى إن إن!

نشر فى : الإثنين 12 يوليه 2010 - 11:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 يوليه 2010 - 11:50 ص

 هل يمكن فى دولة ديمقراطية تؤمن بالحرية والليبرالية أن يطرد الإنسان من عمله ويحاسب على مشاعره الشخصية وآرائه الخاصة أو حديثه مع نفسه على موقع الإنترنت لمجرد أنه صدّق أنه يعمل فى مؤسسة تؤمن بحرية الفكر والكلمة ولا يملك أحد أن يكون رقيبا على دخيلة نفسه؟

لم يعد ذلك ممكنا. طبقا لما أعلنته شبكة قنوات سى.إن.إن الأمريكية بعد أن قررت فصل ــ أوكتافيا نصر ــ رئيسة قسم الشرق الأوسط فى الشبكة من عملها وهى سيدة لبنانية ظلت تعمل منذ عشرين سنة فى هذه الشبكة، لأنها عبرت فى موقع التويتر على الإنترنت عن حزنها وأسفها لرحيل العلامة اللبنانى الشيخ محمد حسين فضل الله «أحد عمالقة حزب الله الذى أحترمه كثيرا».

ولابد أن عاصفة هوجاء هبت على السى.إن إن حين نشرت أوكتافيا هذه السطور. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن أنصار إسرائيل استنكروا نشر الرسالة، بحجة أن فضل الله مدرج فى قوائم الإرهابيين عند الأمريكان، وأرسلوا مئات الرسائل إلى رياسة الشبكة. وقد حاولت الصحفية اللبنانية فى بلوجر نشرته بعد ذلك أن توضح موقفها بأنها لم تقصد تأييد كل أعمال ومواقف فضل الله، ولكنها عبرت عن احترامها لمواقفه فى تأييد حقوق المرأة اللبنانية.

الغريب فى كل ذلك أن أوكتافيا وهى مسيحية لبنانية فقدت أقارب لها فى الصدامات التى شارك فيها حزب الله.. لم تنشر رأيها فى نشرة رسمية من نشرات القناة أو برامجها أو تعليقاتها، ولكن إدارة الشبكة ارتأت أن مجرد تعبيرها عن احترام الشيخ فضل الله ــ الذى لا يرضى عنه الإسرائىليون ــ ينطوى على إخلال بمصداقيته الصحفية اللبنانية. وهو ما يعنى أن المصداقية عند الشبكة الأمريكية معناها عدم إغضاب إسرائيل أو نشر ما يزعجها.

والذى لاشك فيه أن ثمة بعدا سياسيا وراء هذا القرار من شبكة إخبارية، يفترض أنها تعبر عن الرأى والرأى الآخر، وتتسع لتنوع الاتجاهات السياسية، مع الالتزام بالموضوعية ودون انحياز أو عنصرية، ولكن مصداقية سى إن إن لم تصمد أمام رأى شخصى عبرت عنه الصحفية اللبنانية خارج إطار الشبكة ونشراتها وبرامجها.

والأشد غرابة أن السفيرة البريطانية فى بيروت عبرت فى مدونتها على الإنترنت عن بالغ احترامها للشيخ فضل الله وقالت عنه إنه من أكثر الرجال المحترمين الذين التقت بهم، وبالطبع كان لابد أن يثير هذا التعليق غضب الإسرائيليين. ولكن الخارجية البريطانية لم تأبه لاحتجاجهم، واكتفت بحذف بعض العبارات من موقع الوزارة.

الحاصل أن سيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام الأمريكية، تصيبها بالعمى الإعلامى وعدم التمييز وتخضعها لضغوط غير مرئية يجعلها عرضة للابتزاز.

وقد جاء فصل الصحفية اللبنانية بعد أسابيع قليلة من إحالة عميدة المراسلين الأجانب فى البيت الأبيض هيلين توماس وهى من أصول عربية، عقب تصريحها الذى طالبت فيه بعودة اليهود إلى البلاد التى جاءوا منها.

لقد احتلت سى إن إن فى وقت من الأوقات مكان الصدارة فى وسائل الإعلام وقنوات التلفزيون العالمية، وكانت تتباهى باستقلاليتها، ولكنها وضعت بذلك سابقة غير محمودة تدل على التدهور المهنى الذى أصاب كثيرا من وسائل الإعلام الأمريكية، وهو ما جعلها تفقد كثيرا من مصداقيتها ومهنيتها منذ دورها الرائد فى حرب العراق. ثم سرعان ما انطفأ بريقها وتجاوزتها قنوات عربية مثل «الجزيرة».

هذه الواقعة تثبت أن السى.إن.إن أصبحت لا تختلف كثيرا عن راديو إسرائيل.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات