11 سبتمبر الذى ندفع ثمنه حتى الآن - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

11 سبتمبر الذى ندفع ثمنه حتى الآن

نشر فى : الثلاثاء 12 سبتمبر 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 12 سبتمبر 2017 - 9:20 م
فى 11 سبتمبر 2001 كنت أعمل صحفيا فى جريدة البيان الإماراتية فى دبى. فى الطريق من إماراة الشارقة حيث اقيم، إلى دبى حيث مقر العمل فى شارع الشيخ زايد، سمعت فى راديو سيارة الجريدة أن طائرة مجهولة ارتطمت بأحد برجى التجارة العالمى بنيويورك.

وصلت الجريدة ودخلت مكتبى، وفتحت التليفزيون لأتابع ما يحدث، ثم جاء زملاء كثيرون يعملون فى الجريدة يمثلون ما يشبه جامعة دول عربية مصغرة، فى هذه الغرفة كان هناك مصريون وخليجيون وفلسطينيون وسوريون ولبنانيون وسودانيون ومغاربيون.

وحينما اقتحمت الطائرة الثانية البرجين هللنا وحضن بعضنا البعض، وقفزنا فى الهواء فرحا ونشوة.

أذكر أن زميلة عزيزة يسارية جدا كانت تقف فى مكتبى يومها، واتصلت بوالدتها لتقول وهى فى كامل فرحتها: «يا ماما.. ضربنا البرج الثانى»، وكأنها كانت قائدة الجناح العسكرى لتنظيم القاعدة»!!!، وكلما أقابلها الآن أقول لها مازحا: «كيف حال تنظيمك الإسلامى القاعدى المتطرف يا ماركسية؟!!».

الزميلة وللموضوعية لم تكن نشازا، فغالبية المواطنين العرب كانوا سعداء بما حدث، نكاية فى الحكومة الأمريكية المنحازة دوما لإسرائيل، أو للحكومات العربية المتسلطة والجاثمة فوق أنفاس شعوبها.

بل إن مسئولين عربا كانوا سعداء بهذه التفجيرات، بسبب انسحاقهم أمام الجبروت الأمريكى. وظل الإعلام العربى فى غالبيته عاكسا هذه الحالة لأيام طويلة بعد التفجيرات. 

لاحقا اكتشفنا أننا كنا مسلوبى الإرادة، وأننا كنا نفكر بعواطفنا وليس بعقولنا، وأننا سندفع ثمنا باهظا جراء ما حدث.

فى الأيام الأولى التى أعقبت التفجيرات، راجت نظريات متنوعة عمن يقف وراءها. سمعنا عن دور صربيا، وسمعنا عن نظرية تيرى ميسان والدور الصهيونى الخفى، وسمعنا عن منظمات دولية متعددة. لكن من رسا عليه المزاد فى النهاية هم العرب والمسلمون وتنظيم القاعدة، خصوصا أن الأخير اعترف وتباهى بما أسماه «غزوة نيويورك».

هل نلوم أنفسنا أن تفكير معظمنا انحدر لدرجة أننا فرحنا لقيام تنظيم إرهابى بقتل مدنيين أبرياء فى نيويورك، أم نلوم السياسات الأمريكية والإسرائيلية التى أوصلتنا إلى هذه الحالة، أم نلوم الحكومات العربية التى جعلت عقولنا قابلة للتماهى مع أى تيار حتى لو كان متطرفا؟

كابوس 11 سبتمبر ورغم مأساويته كان مفيدا أنه جعلنا ندرك أننا نعيش فى تربة مهيأة لكل أنواع التطرف والإرهاب والظلام الفكرى.

جماعة القاعدة لم يكونوا نبتا شيطانيا، نما فجأة فى المنطقة. اكتشفنا بعدها أن التربة كانت خصبة وهناك من زرع وروى ورعى، وبالتالى تمكن من الحصاد لاحقا.

كانت هناك ولا تزال بيئة حاضنة لهذه الأفكار ولا تزال تدعم وتشجع وتخطط وتمول هذه الأفكار، التى تحولت الان إلى قنابل تنفجر فى كل مكان بالمنطقة والعالم من الموصل فى العراق إلى الرقة وإدلب فى سوريا ومن حضرموت فى اليمن إلى طرابلس فى لبنان ومن سيناء إلى تونس والجزائر مرورا بليبيا وصولا إلى باريس وبرلين ولندن ونيويورك وموسكو وسيدنى.

هذا السرطان دمر جزءا من صورتنا كعرب ومسلمين، وثبت تاليا أن الكاسب الأكبر من تفجيرات 11 سبتمبر وما تلاها هو إسرائيل وكل أعداء الأمة العربية والإسلامية.

لا نستطيع أن نتهم إسرائيل بالمسئولية عن حادث اعترف به من نفذوه، ولكن نتهم القوى والأجهزة والدول التى ساعدت فى زرع القاعدة ثم رعتها فى أفغانستان وكبرتها وسمنتها وأطلقتها وعندما تمردت عليها انفجرت معظم قنابل القاعدة فى المنطقة العربية.

غزت أمريكا العراق بحجج واهية، ثبت كذبها بعد ذلك، لكن النتيجة هى داعش التى كبرت وتعملقت وشطرت الأمة بأكملها.

مرة أخرى لا نلوم أمريكا فقط، لكن نلوم البيئة المستبدة والتعليم المتخلف والثقافة الرجعية التى جعلت مثل هذه الأفكار الظلامية تسود وتتوغل فى عقول شريحة كبيرة منا، وبالتالى يسهل تحولها إلى أداة فى يد كل من لا يريد خيرا لهذه الأمة.

درس 11 سبتمبر أننا مازلنا ندفع الثمن حتى الآن، وتحولنا إلى «الهدف الذى ينشن عليه الجميع». صرنا أرضا مستباحة لكل القوى الدولية، تجرب فينا أسلحتها وسياساتها ومؤامراتها.. فمتى نفيق من الأوهام ونبدأ الاستيقاظ من هذا الكابوس الطويل، وندرك أن التطرف هو حصان طروادة الذى يركبه كل اعدائنا من اجل تفكيكنا وتقسيمنا؟!

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي