طوابير المرشحين للرياسة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طوابير المرشحين للرياسة

نشر فى : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص

حين نستيقظ ذات صباح لنجد الطوابير تمتد أمام الشهر العقارى لمئات من المتقدمين للترشح لمنصب رياسة الجمهورية وليس للحصول على أنبوبة بوتاجاز، فلابد أن يكون ثمة تغيير جذرى طرأ على عقول المصريين. فلم تعد هناك لديهم وسيلة للتمييز بين انتخابات الرياسة وما تشترطه من شروط معقدة أو ما تحمله من مسئوليات جسام، وبين التزاحم على طوابير الجمعيات الاستهلاكية. وهو ما يؤشر إلى أن المسئولين عن إيقاظ وعى هذه الأمة ودورها الحضارى واستحقاقاتها للانضمام إلى ركب الدولة المتقدمة، قد أخطأوا الطريق أو عمدوا إلى تضليل الشعب وصرف اهتماماته إلى الاتجاه الخطأ.

 

ومن ثم فلا لوم على شيخ سلفى اعتمد على «صلاة الاستخارة» وقرر بعدها الترشح، أو على سيدة رشحت نفسها لأن مصر تحتاج إلى «أم»، أو إلى ميكانيكى سيارات وجد نفسه مؤهلا لقيادة البلاد، أو إلى مدرس رأى الرسول فى المنام يبشره برياسة مصر!

 

عشرات بل مئات مثل هؤلاء اندفعوا إلى ترشيح أنفسهم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على الإعلان الدستورى الذى يشترط أن يؤيد المتقدم للترشح 30 عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين فى غرفتى البرلمان. أو أن يحصل على تأييد ما لا يقل عن 30 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى 15 محافظة على الأقل، بحيث لا يقل عدد المؤيدين فى كل محافظة عن ألف شخص. والاحتمال الثالث أن يكون المرشح باسم حزب سياسى يملك مقعدا واحدا على الأقل فى البرلمان بطريق الانتخابات!

 

هذه التسهيلات التى تسمح لكل من هب ودب بسحب أوراق الترشح، تقابلها من جهة أخرى صعوبات جمة فى استخراج أوراق الشهر العقارى. وجمع ثلاثين ألف توقيع لمن لا يرشحه حزب أو يحصل على تأييد النواب المنتخبين. ولكنه فتح الباب واسعا أمام المغامرين وطلاب الشهرة وحب الظهور فى وسائل الإعلام، وأحدث جوا من التهريج ما كان يجب أن يطغى على انتخاب أول رئيس لمصر.

 

صحيح أن تعقيدات الترشح وشروطه سوف تؤدى إلى انصراف الكثيرين عندما يتم إغلاق باب الترشح. وعندما يتضح أن نسبة من تنطبق عليهم الشروط قد هبطت إلى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. ثم على الواحد منهم بعد ذلك أن يصطدم بالنفقات الطائلة لحملات الدعاية والتى وضعت لها اللجنة العليا للانتخابات الرياسية حدا أقصى عشرة ملايين جنيه. وحدا أقصى للتبرعات التى يتلقاها المرشح!

 

فى اعتقادى أنه لا يوجد نظام انتخابات معقد فى العالم يشبه نظام الترشح وانتخابات الرياسة فى مصر. إذ يبدو وكأنه قد وضع خصيصا لتصفية جموع المرشحين والطامعين والطامحين. مما جعل البعض مثل عمرو موسى يعتقد أنه رسم لاختيار شخص بعينه. ولكن إذا كان نظام انتخابات الرياسة يمثل عائقا أمام بعض المرشحين، فهو يمثل نوعا من اللوغاريتمات بالنسبة للمواطن العادى.. الذى وجد نفسه فى غابة من الأشخاص والأسماء.. كل واحد منهم يدعى أنه الأفضل، وليس لأى واحد آخر فضل السبق أو الخبرة كرئيس لدولة تضم خمسة وثمانين مليونا.. والحجة أن مصر لم تعرف انتخابات للرياسة قبل ذلك!

 

وبخلاف الانتخابات البرلمانية التى شهدت نسبة من التصويت بلغت ما بين 40 و50 بالمائة، فليس من المتوقع أن تشهد انتخابات رئيس الجمهورية هذه النسبة. فليس لأى واحد منهم برنامج انتخابى يمكن الدفاع عنه. ولم يتميز أحدهم عن غيره ببرنامج إصلاحى فى التعليم أو الاقتصاد أو التكيف الاجتماعى.

 

ومن هنا يبدو أن كل الأسباب ترجح فكرة «المرشح التوافقى». حيث إن كثرة المرشحين وتشابه مؤهلاتهم ومناقبهم، وصعوبة تفضيل أحدهم على الآخر بالنسبة لمئات الألوف من الناخبين، اللهم إلا إذا حاز أحدهم تأييد حزب سياسى مثل الإخوان أو تحالف الليبراليين. وهو أمر غير مضمون!

 

وحتى فى الحالات التى أعلن فيها حزب الوفد تأييده لمرشح بعينه، فإن أجنحة من الشباب الوفدى لم توافق على هذا الاختيار. ونفس المشكلة تتكرر بدرجة أو بأخرى بالنسبة للعلاقة بين «الحرية والعدالة» وأبوالفتوح. وبعبارة أخرى فإن آفة الانقسامات الداخلية فى الكتل التصويتية مازالت تشوه النسيج السياسى. وتحدث حالة من عدم اليقين فى تحديد ملامح المرحلة المقبلة.

 

وهذا ما حمل بعض المفكرين السياسيين على تفضيل فكرة المرشح التوافقى، على الرغم من الانتقادات التى وجهت إليها وبالذات من مرشحين مثل عمرو موسى وحمدين صباحى وسليم العوا الذين لا يضمنون وجود كتل تصويتية متماسكة وراءهم، معتمدين على جهدهم الفردى وشهرتهم ومكانتهم السياسية وقدرتهم على الإقناع.. ولكن المشكلة أن انتخابات الرياسة فى مصر لا تعتمد على إقناع الناخبين!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات