يعفو ولا ينسى! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يعفو ولا ينسى!

نشر فى : الأربعاء 13 يوليه 2011 - 8:44 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 يوليه 2011 - 8:44 ص

 «سوف نعفو ولكننا لن ننسى»..

كانت تلك هى الكلمات التى نطق بها زعيم السودان الجنوبى سيلفا كير، فى الاحتفال بانفصال جنوب السودان عن شماله. وإلى جانبه وقف الرئيس السودانى عمر البشير يشهد آخر مرحلة فى عملية فسخ جسد السودان التى تتم بإرادة الطرفين بعد حروب دامت 20 عاما. ذهب ضحيتها عدة ملايين من أبناء الجنوب والشمال. وخلفت من الدمار والهلاك والتشريد أسوأ ما عرفه العالم عن الحروب الحديثة.. التى انتهت بتوقيع اتفاق سلام شامل عام 2005 بضغوط أمريكية ودولية مكثفة.

نحن فى مصر وقفنا فى عهد مبارك موقف المتفرج مما يجرى فى السودان الذى يمثل بشقيه فى الشمال والجنوب مصدرا مهما من مصادر الأمن المائى وامتدادا طبيعيا للتوسع الاقتصادى والزراعى والبشرى.. ولكننا فى كل الأحوال لم نستطع أن نلعب دورا إيجابيا للحيلولة دون وقوع هذا الانقسام الذى اختزل مساحة السودان الشمالى وأطلق يد الجنوب فى ثروات هائلة من الأرض والماء والمعادن الثمينة. فلم يكن أمامنا حين عجزت الخرطوم عن الاحتفاظ بالجنوب، إلا أن نبادر إلى الاعتراف بالأمر الواقع فى جوبا.

ولكن بينما كانت جوبا عاصمة الجنوب تشهد احتفالات صاخبة، غلبت مشاعر الحزن والأسى والإخفاق على أهالى الشمال لفقد جزء عزيز من أرض الوطن.. تسببت السياسة الحمقاء التى انتهجها حكم البشير بفرض الشريعة وأحكامها على أعراق وقبائل وإثنيات من أهالى الجنوب، عوملوا معاملة مواطنين من الدرجة الثانية.

وجاء الرد على ذلك حين أسس جون قرنق الحركة الشعبية لتحرير السودان مع سيلفا كير. وقاد حركة التمرد ضد النظام الإسلامى فى الخرطوم وسياساته إزاء الجنوب. ولكن قرنق لم يكن من دعاة الانفصال.. وقاد مفاوضات السلام مع الخرطوم قبل أن يلقى حتفه فى حادث طائرة هليكوبتر سقطت به وهو عائد من أوغندا.

على الرغم من الأجواء الاحتفالية التى عمت الجنوب، فإنها لا تخفى حجم المشاكل الهائلة التى تواجه بناء دولة جديدة فى أفريقيا. وهى مشكلة واجهت معظم دول القارة السوداء الحديثة الاستقلال.

وبالنسبة لجنوب السودان، يأتى ترتيبه عند أدنى الدرجات فى القاع بين دول أفريقيا، حيث متوسط دخل الفرد دولار واحد فى اليوم ومعظم الأطفال يعيشون حتى سن الخامسة فقط، وتبلغ نسبة الأمية 75 بالمائة.

ولعل من أصعب المشاكل الإنسانية والاجتماعية التى نجمت عن التقسيم، نزوح الآلاف من الجنوبيين الذين كانوا قد استقروا فى الشمال، ونزوح الشماليين الذين يقيمون فى الجنوب، ويزداد الموقف تعقيدا من اختلاط أسر مكونة من الجنوبيين والشماليين.

لقد شهد الرئيس عمر البشير احتفالات جوبا وبارك استقلال الجنوب عن الشمال. ولكن يبدو أن الخلاف على دارفور سيظل مشتعلا.. بعد أن طلب البشير من قوات الأمم المتحدة الانسحاب من دارفور.. ومعنى ذلك أن كثيرا من البنود التى تضمنتها اتفاقية السلام عام 2005 مازالت بعيدة عن التنفيذ.. مثل من يملك حق السيطرة على منطقة أبيى الغنية بالبترول، التى لم يتوقف القتال فيها بين الطرفين، كما تظل مشكلة حماية الأقليات، وترسيم الحدود، وتقسيم دخل النفط الذى يوجد 70 بالمائة من احتياطيه فى أراضى الجنوب.

وبينما يضيع على السودان هذا الجزء الخصيب الذى يتميز بالوفرة فى كل شىء، ولا يسكنه غير 8 ملايين، يتساءل السودانيون وغيرهم عمن تسبب فى هذه الكارثة التاريخية.. من المؤكد أن السودان الجنوبى قد سقط فى أيدى شركات الاستثمار العالمية التى تقف على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ولن يحصل أهالى الجنوب إلا على بقايا ما يسقط من مائدة الشركات الاستثمارية والدول الغربية التى ما إن أعلن السودان الجنوبى استقلاله حتى انقضت عليه.. وفى الذيل منهم إسرائيل.. حيث تدعو أمريكا فى سبتمبر المقبل إلى مؤتمر لوضع خطط استثمارية لجنوب السودان.. أى لتوزيع الغنائم.

فهل تكون مصر قد أفاقت حتى هذا التاريخ من أزمتها حتى تشارك فى هذا المؤتمر؟!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات