بدايات حركة عدم انحياز جديدة - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بدايات حركة عدم انحياز جديدة

نشر فى : الإثنين 14 مارس 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الإثنين 14 مارس 2022 - 7:25 م
نشرت صحيفة ذا جارديان البريطانية مقالا بتاريخ 10 مارس للكاتب دايفيد أدلير رأى فيه أن سلوك دول العالم فى مجلس الأمن لإدانة الغزو الروسى لا يعد مؤشرا حقيقيا على موقف الدول من الحرب، فالمؤشر الحقيقى ظهر فى سلوك دول العالم من فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وعدم الانضمام إليها حفاظا على مصالحها... نعرض منه ما يلى.
عندما وصل عدد اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الغزو الروسى الوحشى إلى مليون شخص فى 2 مارس، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى جلسة طارئة للجمعية العامة. هناك، صوتت أغلبية الدول البالغ عددها 193 دولة بالإيجاب على قرار لإدانة الغزو الروسى على أوكرانيا؛ 141 صوتا لصالحه، وامتناع 35 عن التصويت وخمسة أصوات فقط ضده. حتى أن بعض أقرب حلفاء روسيا فى القارة ــ مثل صربيا أو المجر ــ صوتوا لإدانة الغزو. قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش: «إن رسالة الجمعية العامة قوية وواضحة».
ماذا تعنى هذه الرسالة؟ فى الأيام الأخيرة، أشار العديد من المعلقين إلى قرار الأمم المتحدة لإظهار وحدة الغرب والعالم فى مواجهة حكومة بوتين. ولكن لفهم العواقب الجيوسياسية للغزو الروسى، يجب أن ننظر إلى ما وراء المسرح الدبلوماسى للجمعية العامة لنعرف موقف الدول الحقيقى من هذه الحرب، ومن ثم يجب النظر إلى جانب مختلف تماما عن خريطة الدول التى صوتت لصالح الإدانة فى مجلس الأمن، يجب النظر إلى خريطة الدول حول العالم المشاركة فى العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا.
التناقض بين الخريطتين مثير للدهشة. بخلاف التحالف الحصين الذى يضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وكوريا الجنوبية، وسويسرا، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا، وتايوان، وسنغافورة، والاتحاد الأوروبى، اختار عدد قليل جدا من الدول المشاركة فى الحرب الاقتصادية على روسيا، بل ورفضت العديد من دول العالم ــ بما فى ذلك الصين والهند والبرازيل وبنجلاديش وباكستان وإندونيسيا وحتى تركيا حليفة الناتو ــ الانضمام إليها. قال ممثل وزير خارجية إندونيسيا فى مؤتمر صحفى «لن نتبع الخطوات التى اتخذتها دولة أخرى بشكل أعمى».
التزمت أمريكا اللاتينية الحياد. قال الرئيس المكسيكى، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، «لا نعتبر أن (هذه الحرب) تهمنا... لن نتخذ أى نوع من الانتقام الاقتصادى، فنحن نريد أن تكون لدينا علاقات جيدة مع جميع الحكومات». صوتت الأرجنتين لإدانة تصرفات روسيا فى الأمم المتحدة، لكن وزير خارجيتها، سانتياجو كافييرو، أصر على عدم مشاركة بلاده فى العقوبات الجديدة ضد روسيا.
لقد تردد صدى موقف أمريكا اللاتينية فى إفريقيا. يقول بيير سانى، رئيس معهد Imagine Africa والأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية «على مدى خمسة قرون، كنا بيادق فى أيدى الدول الأوروبية المتحاربة والتى عزمت على نهب مصادر أفريقيا البشرية والطبيعية». وأشار سانى إلى أن أوكرانيا تجند المرتزقة «المتطوعين» من دول مثل السنغال وساحل العاج للقتال فى الحرب. ويقول «إذا تصاعدت هذه الحرب فى أوكرانيا، فلا تحضروها إلى أراضينا».
• • •
وسط التقدم الوحشى للجيش الروسى فى أوكرانيا، تحدثت مجموعة كبيرة من المقالات والتعليقات على تويتر عن «اليسار الغربى» وعدم استعداده الواضح لمواجهة حكومة بوتين. وُصف غزو أوكرانيا بأنه «اختبار لليساريين الزائفين» الذين فشلوا فى الرد بقوة وصرامة لدعم الغرب فى جهوده لعزل بوتين وتقويضه وإسقاطه فى نهاية المطاف دفاعا عن القضية الأوكرانية.
لكن خريطة العقوبات تشير إلى أن الصدع الحقيقى ليس بين اليسار واليمين، ولا حتى بين الشرق والغرب. على العكس من ذلك، تكشف الخريطة عن شقاق بين الشمال والجنوب، بين الدول التى نسميها متطورة وتلك التى نسميها نامية. ومن خلال الكشف عن هذا التحول، يمكن للخريطة أن تخبرنا بشىء مهم عن الجغرافيا السياسية فى العصر المقبل لتعدد الأقطاب.
بدأ العديد من المعلقين الحديث عن الحرب الباردة الجديدة بسبب الصعود الصينى وموقف أمريكا منه، ولكن قلة هم الذين توقعوا أن يبدأ بوتين هذه الحرب فجأة. كتب المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية روبرت جيتس لصحيفة واشنطن بوست «لقد أنهى غزو بوتين لأوكرانيا عطلة الأمريكيين التى استمرت 30 عاما». يشير الإخلاء الفورى للممثلين الروس وطرد الثقافة الروسية من مؤسسات الغرب إلى أن فترة السبات الطويلة للحرب الباردة قد انتهت، وأيقظت الحرب الحكومات الديمقراطية على واقع عالم جديد.
النبأ السار لجيتس هو أن إدارة بايدن قد وجدت أساس الحرب الباردة، وتسعى قمتها «من أجل الديمقراطية» جاهدة لتوحيد «دول العالم الحر» مع عزل الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا والصين. هذا، مع الاستثناءات المعتادة؛ فنفط المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، يمنحها تذكرة مجانية لـ«العالم الحر»، كما اتضح من الوفد الأخير الذى أرسلته إدارة بايدن لتأمين دعم المملكة للحفاظ على تدفق النفط خلال الحرب فى أوكرانيا.
• • •
فى عصر القطبية الأحادية ــ فى عطلة الثلاثين عاما الطويلة التى أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتى ــ كانت الخيارات أمام الدول بسيطة؛ إما الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، أو الوقوف بمفردها. سعت بعض الدول إلى خلق مقاومة جماعية لهذه القوة المهيمنة، لكن العواقب كانت وخيمة؛ غزوات وانقلابات وعقوبات واسعة لعزل اقتصاداتها عن العالم.
مع قيام قوى جديدة وأقطاب جديدة، فإن الخيارات المتاحة للدول لم تعد مقتصرة على الخضوع أو المقاومة، فظهر خيار ثالث وهو الحياد. يقول بيير سانى «الحياد لا يعنى اللا مبالاة... الحياد يعنى استمرار المطالبة باحترام القوانين الدولية؛ الحياد يعنى أن قلوبنا لا تزال تذهب إلى ضحايا الحروب العسكرية والعقوبات التعسفية التى لم تُفرض أبدا على دول الناتو».
فى الحرب الباردة الأولى كان للحياد اسم، وهو عدم الانحياز. عندما اشتبكت الولايات المتحدة مع الصين والاتحاد السوفيتى فى سماء كوريا، رفض جواهر لال نهرو وجوسيب بروز تيتو الانحياز إلى جانب. قال وزير خارجية يوغوسلافيا، إدوارد كارديلى، للأمم المتحدة فى عام 1950 «لا يمكن لشعب يوغوسلافيا قبول الافتراض القائل بأن الإنسانية اليوم لديها خيار واحد فقط ــ الاختيار بين هيمنة كتلة أو أخرى... يوجد طريق آخر». ولدت حركة عدم الانحياز بعد ذلك بخمس سنوات، وتوحد أكثر من 100 دولة حول العالم حول مبادئ عدم التدخل والتعايش السلمى.
الدول اليوم فى جميع أنحاء العالم مدعوة مرة أخرى للانحياز ــ بين روسيا والغرب، وقريبا جدا بين الغرب والصين. ولكن كما توضح خريطة العقوبات، فإن الضغط المتبادل بين هذه القوى العظمى قد يؤدى مرة أخرى إلى رجوع حركة عدم الانحياز، والمطالبة بتطبيق أكثر عالمية للقانون الدولى.
لا شك أن هذا الموقف المحايد سيكون له عواقب. كثيرا ما كانت دول عدم الانحياز فى الحرب الباردة الأولى ضحية للعدوان والغزو والحصار الاقتصادى. نفس المخاطر موجودة اليوم. ألغت ليتوانيا أخيرا شحنة من لقاحات كوفيد إلى بنجلاديش لرفضها إدانة روسيا فى الأمم المتحدة. الولايات المتحدة أقرت بالفعل قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (Caatsa)، ما يمنحها رخصة لفرض عقوبات على الدول التى لها علاقات تجارية مع الجانب الآخر.
بينما تستعد القوى العظمى لقرن جديد من الحرب، ستزداد الدعوة إلى عدم الانحياز. المهمة هى فهم عدم الانحياز مثلما فعل تيتو ونهرو من قبل؛ ليس على أنها «حيادية» أو «سلبية»، بل لأنها تمثل السياسة الإيجابية والنشطة والبناءة التى تهدف إلى أن يكون السلام الجماعى أساسا للأمن الجماعى، وذلك كما كتبا فى إعلان مشترك فى عام 1954.

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد
النص الأصلى

التعليقات