الإنكار لا يجدى! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 11:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنكار لا يجدى!

نشر فى : الأربعاء 14 سبتمبر 2011 - 10:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 سبتمبر 2011 - 10:40 ص

تمر مصر الآن بمرحلة غريبة من «الإنكار»، انعكست أعراضها بصورة حادة على أحداث يوم الجمعة السوداء.. التى ما إن بدأت فى ساعاتها الأولى مسيرة التصحيح هادئة منظمة، تعبر عن نضج ثورى فى المطالبة بالتقويم والتصحيح لعدد من الأهداف السياسية، الرامية إلى تعديل قوانين الانتخابات ووقف إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى.. حتى انقلبت الأوضاع. وظهرت عناصر تخريبية غوغائية اختطفت مسيرة القوى السياسية لتنقلها من الدار إلى النار. وقد أنكرت جميع الأطراف أن تكون مسئولة عما حدث، أو أنها كانت على علم بما سيحدث.. لا الذين نظموا وخططوا للمسيرة وأعلنوا مسئوليتهم عنها، ولا أجهزة الأمن التى يفترض أن تكون ساهرة حتى وهى مغمضة العينين، ولا المجلس العسكرى ومجلس الوزراء اللذين يتحملان المسئولية العليا فى إدارة شئون البلاد.

وحين وقع الهجوم على السفارة الإسرائيلية، وقبل ذلك على مبنى مديرية الأمن بالجيزة وأحد أقسام وزارة الداخلية، لم يعرف أحد ــ ومازال الأمر غامضا حتى الآن ــ هل هم من شباب ميدان التحرير الذين أخذتهم حماسة نزع العلم الإسرائيلى فى مرة سابقة وأرادوا تكرارها، أم هم جماعات من البلطجية والمأجورين الذين يتهم الحزب الوطنى المنحل بتمويلهم وتوجيههم؟ وأنهم أرادوا إفساد النجاح الذى حققته مسيرة التصحيح فى ساعاتها الأولى ويلطخون شبابها بارتكاب جريمة اقتحام مبنى يتمتع بالحصانة الدبلوماسية.. ليتحول من جريمة اعتداء عادية إلى جريمة دولية يشارك العالم كله فى إدانتها واستنكارها. ويدفع بعثات دبلوماسية أخرى إلى التهديد باستقدام حراسات خاصة للدفاع عن نفسها ما دام البلد المضيف يعجز عن حمايتها!

بعض الكتابات أنكرت تماما مشاركة شباب التحرير فى حادث اقتحام السفارة. واتضح أن شعرة رفيعة من الجنون كان يمكن أن تؤدى إلى كارثة لو استخدم الجنود الإسرائيليون المحاصرون داخل السفارة أسلحتهم فى الدفاع عن أنفسهم. وقد اتضح أن مبنى عمارة السفارة والمبانى المجاورة كانت عرضة لاقتحام أعداد من العناصر الإجرامية وأن شقق هذه العمارات تعرضت للسرقة حسبما نشرته جريدة الأهرام.. مما يدل على أن المسألة أكبر كثيرا مما تصوره أو تهونه أو تهلل له بعض الأقلام، وقالت صحف عربية إنها كانت بمثابة عملية اختطاف إسرائيلية للثورة.

ولأسباب لا تخفى على كثيرين من مشجعى الكرة الذين تنتابهم حالة هستيرية كروية فى المباريات، أن الدور الذى لعبه من يعرفون بألتراس الأهلى والزمالك فى الهجوم على وزارة الداخلية، وتسليحهم بالشماريخ والألعاب النارية.. قد أضاف إلى عنصر الفوضى الذى يجتاح الشارع المصرى عنصرا أشد خطرا يتشكل من الصبية وصغار السن الذين تحولوا من تشجيع الكرة إلى ميليشيات كروية.. وإلا فما معنى أن ينتهز الألتراس مسيرة التصحيح لينتقموا من الشرطة؟ ثم يكتب أحدهم قائلا: إنهم «عيال» لا يصح أن يحاسبوا؟!

ربما كان أشد حالات «الإنكار» غرابة هو ما بدا من عجز المجلسين العسكرى والوزراء عن التصرف السريع والحاسم فى مواجهة الانفلات الذى أدى إلى اقتحام السفارة.. وكان التصرف الوحيد حين استخدمت قوات الكوماندوز لإخلاء سبيل الحراس الإسرائيليين، ثم أعقب ذلك سلسلة من القرارات الارتدادية أعادت قانون الطوارئ وألقت القبض على أكثر من مائة شخص. وهو ما دعا البعض إلى التلميح بأن التراخى المتعمد فى وقف العنف كان ذريعة لإعادة العمل بقانون الطوارئ!

لا أحد يصدق مثل هذه الادعاءات. ولا أحد يبكى على هدم الجدار المحيط بالسفارة ولا على اقتحامها وتمزيق أوراقها. فقد ارتكبت إسرائيل أفظع الجرائم دون أن يحاسبها أحد. وعربدت فى المنطقة دون حساب كالطفل المدلل على حد وصف أردوغان!

ولكننا لابد أن نعترف بأن ما حدث ــ مهما أنكرت جميع الأطراف مسئوليتها ــ قد وضع مصر على منحدر خطير.. وإن إنكار المسئوليات لم يعد يجدى. ففى مرات سابقة أمكن لجم الفوضى وإعادة الهدوء والنظام. ولكن الفوضى هذه المرة أوشكت أن تطيح بالثورة وتضع نهاية لكل الآمال المعلقة عليها. وإذا كان البعض يرى أن إعادة قانون الطوارئ هو ردة إلى الوراء ــ وهو كذلك بكل المقاييس ــ فلابد أن يقول لنا ماذا بوسعه أن يفعل للحيلولة دون الانفلات الأمنى المتكرر الذى انتشر كالورم السرطانى؟ وأصبح يهدد استمرار المحاكمات الجارية ضد رئيس وأركان النظام السابق، ويبث الرعب والفزع فى قلوب القضاة ورجال العدالة، ويجعل من الثورة التى كانت مثلا على عظمة الشعب وأصالته، أمثولة على ما يمكن أن تؤول إليه ثورات تعيش على الشعارات!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات