مخالفات البناء.. والدستور - محمد عصمت - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مخالفات البناء.. والدستور

نشر فى : الإثنين 14 سبتمبر 2020 - 7:00 م | آخر تحديث : الإثنين 14 سبتمبر 2020 - 7:00 م

تحت وطأة الغضب الشعبى المتصاعد، اضطرت الحكومة لإرخاء قبضتها فى التعامل مع تعديات البناء، ونجح رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى ببراعة فى نزع فتيل الأزمة بقراراته الأخيرة بتخفيض قيمة التصالح فى الريف، وخصم 25% فى حالة السداد الفورى، وتحويل مئات الموظفين فى الوحدات المحلية والأحياء للنيابة، مع منع البناء على أى أراض زراعية، بعد أن فقدنا 90 ألف فدان من أجود الاراضى خلال السنوات العشر الماضية.
لكن كل هذه الاجراءات الضرورية للحفاظ على ثروتنا الزراعية لن تحل أزمة الاسكان وخاصة فى محافظات الوجهين القبلى والبحرى، فثمن الشقة فى الكثير من هذه المناطق يتراوح ما بين 300 ألف جنيه إلى نصف مليون جنيه وأكثر، وهى مبالغ لا تتوافر للغالبية العظمى من سكانها مع انتشار البطالة وارتفاع الأسعار، وزيادة تكاليف الزراعة بعد أن رفعت الدولة يدها عن دعم المزارعين بالأسمدة ومستلزمات الزراعة التى تبيعها لهم بأسعار السوق أو أقل قليلا.
صحيح أن أصابع الاتهام تشير إلى الفساد الذى وصل للركب وربما الأعناق فى منظومة المحليات، وانه هو الذى مهد الطريق أمام غزوات البناء المخالف على الأراضى الزراعية، لكن المسئول الأول عن هذا الفساد وهذه الغزوات هى الحكومة نفسها بسياساتها المعادية للفقراء ومحدودى الدخل، والمناقضة للدستور نفسه.
فالحكومة التى ترفع عقيرتها بأنها تواجه التعديات المخالفة تنفيذا للقانون، هى نفسها الحكومة التى أطاحت بمواد الدستور فى الهواء فى كل ما يتعلق بمسئوليتها عن حل أزمة الإسكان، مع أن الدستور هو أبوالقوانين، واحترامها له هو الذى يعطيها الشرعية، وتجاهلها له ينزعها عنها!
المادة 8 من الدستور تلزم الدولة بتوفير الحياة الكريمة لجميع المصريين عن طريق العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعى، وهو ما يعنى فى جوهره إعطاء أولوية لبناء مساكن للفقراء لا بيع اراضى الدولة بأسعار مدعمة لكبار رجال الاعمال لبناء فيلل وكومباوندات بعدة ملايين من الجنيهات، كما تلزم المادة 27 الدولة باتباع سياسات منحازة للفقراء وتوفير حياة كريمة لهم عن طريق تقليل الفوارق بين الدخول، وهو ما تتحايل عليه الحكومة بمختلف الطرق.
أما المادة 78 فهى تلزم الدولة بأن تكفل للمواطنين الحق فى مسكن ملائم يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، ويضع خطة وطنية لحل أزمة الإسكان بتنظيم استخدام أراضى الدولة ومدها بالمرافق الأساسية لتحسين نوعية الحياة للمصريين، وهو ما تجاهلته الحكومة على طول الخط!
الحكومة فى مصر بدت كما لو كانت تخوض معركة مع طواحين الهواء فى ملف الاسكان المخالف، ورفعت شعارات رنانة بتمسكها بتنفيذ القانون والحفاظ على هيبة الدولة، مع أن المعركة الحقيقية التى يجب أن تخوضها أو أن نخوضها، هى عدم اكتراثها بالدستور نصا وروحا!

محمد عصمت كاتب صحفي