يا لوحدك: فلسطين المنسية تقاتل وحدها.. والعرب يقتتلون - طلال سلمان - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 12:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يا لوحدك: فلسطين المنسية تقاتل وحدها.. والعرب يقتتلون

نشر فى : الأربعاء 14 أكتوبر 2015 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 أكتوبر 2015 - 2:16 م

ينفرد المشرق العربى عن غيره من أقطار الدنيا بأن دوله تكاد تغرق فى دماء مواطنيها المقتولين، فى الغالب الأعم، بخلافات حكامهم وقياداتهم السياسية، بعيدا عن هموم معاشهم وحقهم فى الحياة بجهدهم وعرق التعب فى أرضهم، التى تعطيهم شرف الانتساب إليها.

وحدها فلسطين تبذل دماءها الغزيرة فى معركة تتسم بقدسية استثنائية، عبر المواجهات المفتوحة مع العدو الإسرائيلى، من أجل تثبيت حقوق أهلها فى أرضهم، التى كانت أرضهم وكانوا أهلها طوال التاريخ الإنسانى المعروف، والتى يؤكدون ــ مجددا وعبر مواجهات مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلى أنها ستبقى لهم وسيبقون فيها، توكيدا لهذه الحقوق التى لا يمكن أن تلغيها الحروب الإسرائيلية المفتوحة على مدى الساعة، والتى تستهدف أبناء الحياة، فتية وعجائز، رجالاً ونساء، بغير أن تستثنى الأطفال.

وبينما غرقت دول المشرق، أو هى أُغرقت، فى صراعات دموية غير مسبوقة فى عنفها والتباهى بل المزايدة فى اعداد ضحاياها على «الجبهات» المختلفة فى سائر أنحاء المشرق وصولا إلى اليمن، فإن شعب فلسطين المتروك لقدره فى مواجهة عدوه الإسرائيلى واصل جهاده ــ وحيدا وأعزل ــ لتأكيد حقه فى أرض وطنه ومنع جحافل المستوطنين، المدججين بالسلاح.

 

***


فجأة، ومن خارج أى تقدير، عاد فتية فلسطين إلى الميدان الذى غادروه مكرهين، ذات يوم، بوهم الحل السلمى، الذى سيأتيهم بالدولة، ولو على أقل من نصف مساحة وطنهم وعبر «السلطة الوطنية» التى سرعان ما ثبت ــ بالدليل الحسى ــ أنها ليست «سلطة» إلا عليهم وكأنها وكيلة عن المحتل الإسرائيلى، فإن أظهرت تمسكها بحقوق شعبها قمعها الاحتلال فانصرفــت إلى الخارج تحاول تحقيق مكاسب معنوية، أبرزها رفع العلم الفلسطينى ــ ولا دولة ــ على سارية منصوبة أمام مقر الأمم المتحدة فى نيويورك.

وهكذا عاد الدم الفلسطينى يغطى الشوارع والطرقات الضيقة فى مدن الضفة الغربية، الذى تأكد مرة أخرى، أنها ما تزال محتلة، كما فى غزة التى استعادت هويتها الوطنية الأقوى والأبقى من هويات التنظيمات، التى كاد هوس السلطة يأخذها إلى شىء من الانفصال عن الوطن المحتل كله بعد، ومن النهر إلى البحر.

وبرغم انشغال الأنظمة العربية فى عراكها مع شعوبها، فقد فرض الدم الفلسطينى المراق مجددا على الأرض المقدسة بعنوان المسجد الأقصى نفسه على جدول أعمال عواصم الدول الكبرى التى تعبت من تنبيه رئيس حكومة العدو الإسرائيلى إلى مخاطر سياسة القمع الدموى التى يعتمدها مطلقا جحافل المستوطنين، ليصادروا الأراضى التى منحت للسلطة الفلسطينية ببيوت الفقراء فيها وأشجار الزيتون التى طالما سقاها أصحابها بماء العيون.

 

***


تتوارى أخبار «حرب الأشقاء المذهبين» الظالمة على اليمن حيث تهدر الدماء والثروات وتهدم بيوت الفقراء التى بنيت بالصدقات والهبات والشرهات الملكية أو بما وفره اليمنيون من عرق جباههم فى بناء بلاد إخوانهم وجيرانهم الأقربين فى المملكة وأقطار الخليج التى كلها من ذهب.

تتوارى أيضا أخبار الحروب المتجولة فى العراق تحت راية «داعش» التى جمعت ضحايا أخطاء الماضى القريب تحت قيادة «أمير المؤمنين» لتصادر حاضر هذه البلاد المهدورة ثرواتها الهائلة، بل المنهوبة عيانا، على أيدى ملوك الطوائف الذين ورثوا الطغيان فنافسوه فسادا وتدميرا للدولة وإثارة للفتن، مستدرجين قوات الاحتلال للعودة ــ جماعيا أى بمشاركة أقطار الغرب كلها وصولاً إلى أستراليا ــ فى احتلال سماء العراق والتناوب على قصف أنحائه بذريعة ضرب الإرهاب.. فى حين تتفسخ ارض الرافدين وتنتعش الدعوات الانفصالية بذريعة استحالة التعايش فى دولة واحدة بين «السنة» و«الشيعة» وتزكية خيار التقاسم بحيث يكون لكل مذهب دولته إلى جانب الدويلة الكردية فى الشمال.. مع القفز من فوق دهور العيش معا، على اختلاف تسميات الممالك والعروش، عبر العهود مختلفة الشعار.

وتتوارى أيضا التطورات الخطيرة فى الحرب على سوريا وفيها؛ متمثلة فى اقتحام الطيران الحربى الروسى الأجواء السورية من أقصاها إلى أدناها ليساعد جيشها على استعادة المناطق التى اجتاحتها المنظمات المسلحة متعددة مصادر التسليح والإمداد، والتى تحتل بعض الأنظمة العربية المذهبة رأس قائمتها تحت شعارات مذهبية لتضاف إليها تركيا ذات المطامع العتيقة والمعلنة فى اقتطاع المزيد من الأراضى السورية فى الشمال.

***


تتقدم فلسطين بدمها لتصحح البوصلة مقدمة العدو الحقيقى الإسرائيلى على سائر الأعداء الطارئين ممن جذبتهم أخطاء الأنظمة فى بعض الأقطار العربية فجعلتهم يتوغلون فى دماء شعوبها بذريعة تحريرها من أنظمتها متجاهلين أن هذه الهجمات قد تُسقط الدول بعد تشريد أهلها بعيدا عــن أرضهم، وعبر مغامرات يتهددها الغرق فى بحور الظلمات أو المهانة والإذلال فى بلاد الآخرين.
ها هى فلسطين تتقدم بدمها لتدين العدو الحقيقى والدائم لهذه الأمة، الذى طالما استمر احتلاله للأرض المقدسة: لا يمنعها يأسها من النجدة العربية عن تقديم فتيانها ورجالها والنساء قربانا لتأكيد حق أهلها فيها وهم الذين كانوا عبر التاريخ أهلها.
يتساقط الشهداء فى مختلف أنحاء الضفة الغربية وتتقدم غزة لتستعيد هويتها الفلسطينية، بعيدا عن أوهام الانفصال فى دويلة بعيدا عن الدويلة الأخرى فى الضفة الغربية.
يعود شعب فلسطين إلى حقائق حياته الأصلية: هو صاحب الأرض المقدسة، هو بطل تحريرها بدمائه وتضحياته، رجاله ونسائه والفتيان والفتيات اللواتى أثبتن ــ مرة أخرى ــ أنهن ليسوا أقل من أشقائهم استعدادا للتضحية والبذل من أجل تحرير الأرض بإرادة الحياة وقوة حقهم فى بلادهم التى كانت دائما بلادهم.
ومع عودة شعب فلسطين إلى الميدان تنتبه دول الغرب، اساسا، إلى خطورة الممارسات الدموية التى تنتهجها حكومة إسرائيل العنصرية بقيادة نتنياهو، على مصالحها فى المنطقة، فتبادر إلى رفع الصوت بتحذيرها من أنها لن تستطيع الاستمرار فى دعمها وتنبهها إلى ضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى أرضه، وبدولة له فيها، وإلا فإن انتفاضة جديدة فى الأفق لن يستطيع جيشها وقفها أو منع العالم من تأييد مطالبها العادلة بل البديهية.

***


أما العرب فمشغولون فى حروبهم التى تكاد تكون الهزيمة فى معظمها أشرف من النصر، لا سيما إذا كانت اليمن هى النموذج، وبذلك فلا وقت لديهم ولا إمكانات مادية ولا قدرات عسكرية لدعم نضال الشعب الفلسطينى، الذى يمارس قهر اليأس مرة بعد أخرى، ويعود إلى الميدان فتيا، معافى ومستعدا للتضحية بلا حدود.. وها أن قوافل الشهداء تترى فى مختلف مدن الضفة الغربية وقراها كما فى غزة التى لما تلتئم جراحها العميقة بعد الحروب الإسرائيلية التى تكررت أربع مرات فى عشر سنوات أو أكثر قليلا.
إن العرب المقتتلين، ولا قضية، والمتناسين قضاياهم الفعلية، وأعظمها المقدسة فلسطين، يخسرون مستقبلهم مع حاضرهم الذى دمروه بحروبهم الأهلية، بينما عدوهم الوطنى والقومى يتغلغل، فى دولهم، موظفا خلافاتهم لمصلحة إدامة احتلاله فلسطين، وبعض أرض سوريا (ولبنان).
ولن تكون «دول الطوق» غدا، أقله سوريا والعراق، قادرة على نجدة فلسطين، بل هى ستكون بحاجة إلى من ينجدها لإعادة بنائها، ولكل نجدة ثمن.. وأحيانا يكون ثمن النجدة أقسى من أن يحتمل!

 

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات