أوبك بلس تعطي قبلة الموت للاقتصاد العالمي - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوبك بلس تعطي قبلة الموت للاقتصاد العالمي

نشر فى : الجمعة 14 أكتوبر 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 14 أكتوبر 2022 - 7:25 م

فى الأسبوع الأول من أكتوبر اجتمعت مجموعة أوبك+ المكونة من دول مجموعة الأوبك بقيادة المملكة العربية السعودية بالإضافة لمجموعة من كبار منتجى النفط من خارج المجموعة بقيادة روسيا. فى هذا الاجتماع قررت أوبك+ خفض سقف الإنتاج بنحو ٢ مليون برميل يوميا. ولأن بعض منتجى المجموعة يقومون بالفعل بالإنتاج تحت السقف فالانخفاض الحقيقى للإنتاج سيكون أقل من مليون برميل يوميا بقليل. يأتى ذلك فى وقت يعانى فيه الإنتاج العالمى من اختناقات بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وانخفاض نسبى فى المخزون الاستراتيجى لعدد من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
يرى المحللون أن قرار خفض الانتاج يأتى كضربة مباشرة من مجموعة أوبك+ بقيادة السعودية وروسيا للحزب الديمقراطى الحاكم فى الولايات المتحدة قبيل الانتخابات النيابية النصفية هناك. بالفعل غداة الاجتماع بدأت أسعار النفط فى الارتفاع مما يشكل ضغطا إضافيا على جيوب المواطنين عالميا ولكن الأهم بالنسبة للقرار وتوقيته هو المواطن الأمريكى الذى سيدلى بصوته فى وقت هو يعانى فيه بالفعل من ارتفاع التضخم.
يقول أصحاب المعرفة السطحية بشئون المال إن البورصة مرآة الاقتصاد. أما المخضرمون فيعلمون أن هذا غير صحيح، فأسواق المال العالمية هى مرآة للسيولة أولا. إذا نظرنا للعوامل الرئيسية للسيولة فى العالم فمن الممكن أن نلخصها فى ثلاثة أسباب: أولا سعر الفائدة فكلما ارتفع سعر الفائدة خاصة على الدولار الأمريكى، انخفضت السيولة العالمية وهذا ما يحدث منذ بداية العام. ثانيا سعر الدولار، فكلما ارتفع سعر الدولار مقابل العملات العالمية قلت السيولة وهذا أيضا يحدث منذ بداية العام. هى مشكلة عبر عنها بدقة وزير المالية الأمريكى جون كونيلى عام ١٩٧١ عندما قال عن الدولار فى أحد اجتماعات الاقتصادات العشرة الكبرى G10 «هو عملتنا ولكنه مشكلتكم». العامل الثالث المتحكم فى السيولة العالمية هو سعر الطاقة وخاصة النفط كمحرك رئيسى للاقتصاد العالمى، فكلما ارتفع سعر برميل النفط، انخفضت السيولة عالميا. وبينما عانى العالم فى بداية العام مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية من وصول البترول لأسعار قياسية، حدث فى خلال الشهور الماضية تهدئة لسعر النفط من خلال تحجيم الطلب عبر رفع أسعار الفائدة وكذلك استخدام جزء من المخزون الاستراتيجى خاصة فى الولايات المتحدة. أتوقع بعد قرار أوبك+ الأخير أن يستمر ارتفاع أسعار النفط لعدة أسابيع ولكن هذا الارتفاع سيكمل مثلث الخطر للسيولة العالمية سيحدث معه انكسار أكيد وسريع لمعدلات النمو العالمية خاصة إذا تسبب قطع إمدادات الغاز الروسى فى استمرار ارتفاع أسعار الغاز فى أوروبا كما هو متوقع. هذا الانكسار سيتولد عنه ركود اقتصادى فى أوروبا وانجلترا وتباطؤ أو ركود أخف وطأة فى الولايات المتحدة والصين وأغلب الدول النامية وكارثة اقتصادية لبعض الدول التى تعانى من مشاكل هيكلية. أتوقع أن نرى نتيجة هذا الانكسار فى الشهور الأخيرة من ٢٠٢٢ أو الشهور الأولى من ٢٠٢٣. ومن الوارد جدا أن يكون أحد أهم مظاهر هذا الانكسار هبوطا حادا فى أسعار النفط التى قد تصل لنصف سعرها قبل قرار الأوبك+.
إذن لماذا تضرب أوبك+ نفسها؟ الرد له شقان على المدى القصير، كما قلت أعلاه هى ضربة للحزب الديمقراطى الذى لم يخف عداءه للعديد من حكام دول أوبك+ فى الماضى. على المدى الأبعد قليلا ترى المجموعة أن احتمال انخفاض السعر سيكون له مردود سلبى على منتجى النفط الأمريكيين خاصة النفط الصخرى الذين سيترددون فى زيادة استثماراتهم فى حقول جديدة فى ظل الأسعار المتدنية مما يعنى تسيدا أطول لمنتجى النفط القدامى من مجموعة أوبك+ فى ظل فجوة مستمرة فى الإمدادات مقابل الطلب. من ناحيتى أرى أن نتيجة هذه الاستراتيجية ستكون فى الأغلب سلبية على منتجى أوبك+ لعدة أسباب:
١ــ تفهم مؤسسات الولايات المتحدة لعبة أوبك+ وقد كانت زيارة بايدن للسعودية محاولة أخيرة لرأب الصدع ولكن كل المؤشرات تقول إنها باءت بالفشل فلم يبق للإدارة الأمريكية سوى الطريق الصعب من خلق تباطؤ عالمى ستكون الولايات المتحدة هى الأقل تأثرا به وفى نفس الوقت مساندة مشاريع الطاقة المحلية لزيادة حجم إنتاج الطاقة محليا.
٢ــ تباطؤ الاقتصاد العالمى معناه حصيلة أقل لمنتجى أوبك+ لعدة أشهر على الأقل فى وقت تحتاج فيه روسيا لحصيلة أكبر لتمويل حربها مع أوكرانيا وكذلك السعودية تحتاج مبالغ هائلة لاستكمال المشاريع المكلفة جدا التى بدأتها. انخفاض حصيلة بيع النفط لأقل من النصف سيكون ثمنه فادحا لهذه الاقتصادات ومواطنيها.
٣ــ ينسب الحزب الجمهورى لرونالد ريجان خلق أقوى قصة اقتصادية فى تاريخ الولايات المتحدة ولكن هذه القصة قامت على أنقاض عمل وطنى خالص من الرئيس الأمريكى جيمى كارتر خلال رئاسة بول فولكر للفيدرالى الأمريكى لكسر شوكة التضخم الذى كانت الولايات المتحدة قد عانت منه نحو عقد كامل. وسأله فولكر وقتها هل أنت مستعد أن أفعل ما يجب فعله مهما كانت العواقب ورد عليه كارتر بنعم. فكانت النتيجة هى تجرع الدواء المر وكسر شوكة التضخم ولكن كان الثمن هو خسارة جيمى كارتر للانتخابات الرئاسية. اليوم الرئيس بايدن يجد نفسه فى نفس موقف كارتر وبالتالى تركيزه أن يتجرع الاقتصاد الدواء المر ويكسر شوكة التضخم مبكرا فى عمر فترته الرئاسية آملا أن يدخل الانتخابات الرئاسية القادمة فى صورة البطل الذى قهر التضخم ووضع البلاد على طريق النمو الصحى من جديد. وبالتالى فقد تكون أوبك+ قد أضعفت فرص الديمقراطيين فى الانتخابات النصفية وهو احتمال وارد ولكن الاحتمال الأكبر فى تقديرى أنها أهدت الديمقراطيين أربع سنوات جديدة فى الرئاسة فى الانتخابات القادمة.
٤ــ قرار أوبك+ هو ميل واضح ناحية التكتل الصينى الذى يتشكل فى وقت تلتزم فيه الصين بدرجة كبيرة بالحظر الغربى على روسيا فالصين لا تود الدخول فى صدام مع الغرب حول روسيا وفى نفس الوقت هى ما زالت من أكبر المستفيدين من هذا الصدام حيث تشترى الخامات الروسية بأقل من قيمتها السوقية بكثير. التكتل الغربى بقيادة الولايات المتحدة ما زال الأقوى والأكثر ثراء ونفوذا ولذلك فالرهان على إضعاف حزبه الحاكم إن فشل كما أتوقع هو رهان نتيجته علاقات أضعف بالتكتل الأهم مما يعنى أداء أضعف لاقتصادات أوبك+ على مدى السنوات القادمة.

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات