إغلاق صندوق الدنيا - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إغلاق صندوق الدنيا

نشر فى : الأربعاء 14 ديسمبر 2011 - 12:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 ديسمبر 2011 - 12:30 م

يفقد المرء أحبابه وأصدقاءه، فيفقد لمحة من الزمن الجميل والمحبة الصافية.. حين كانت أمواج الحياة تهدر من حوله بمباهجها ومسراتها. وحلوها ومرها.. واختلاف الأيام والليالى قد ينسى ساعات اللهو وأيام الأنس.. ولكنها لا تنسى شخصيات فريدة مثل أحمد بهجت الذى رحل عن عالمنا بعد صراع طويل مع المرض. لم يمنعه عن حبه للحياة وصبره على البلاء وتقربه إلى الله، فى رضا عميق وإيمان لا يتزعزع!

 

هذا جيل يذهب.. يحمل معه تاريخا حافلا من المسرات والأحزان، والنجاح وخيبات الأمل، التى حملها هذا الوطن. وكابد فى مقتبل عمره وشبابه، ثم فى كهولته وشيخوخته كل ما كابده الوطن من أشواق وآمال، وآلام وتطلعات.

 

عرفته أجيال وراء أجيال من خلال «صندوق الدنيا»، الذى ظل يكتبه زهاء خمسة وثلاثين عاما ويزيد. يطل منه على أحوال مصر سنة بعد سنة وحقبة وراء حقبة. فى البأساء والضراء. فى النصر والهزيمة. وكانت له مغامراته وبطولاته الصحفية فى أيام المعارك والحروب وما أعقبها. ثم كانت له ايماءاته ولمحاته الإنسانية فى دروب الحياة المختلفة.. عرفها الذين اقتربوا منه. وعرفها قراؤه من خلال طرائفه وحكاياته ولقطاته، التى داعبت أحلام الشباب وصورت مشاعر الحب الصادق تصويرا دقيقا. ارتبط ارتباطا وثيقا بمعانى الحب لله والرغبة فى الفناء فيه. ولم تكن كتاباته الساخرة التى عرف بها غير قناع يخفى وراءه نزوعا إنسانيا عميقا، يلمس الضعف الإنسانى ويلتمس له الأعذار.

 

عرفت أحمد بهجت صحفيا فى أخبار اليوم. وتولى لبعض الوقت رياسة تحرير مجلة الجيل وعمل فى مجلة صباح الخير ثم انتقل إلى جريدة الأهرام.. واستقر عمود «صندوق الدنيا» فى الصفحة الثانية من الأهرام، أشبه بمصباح يضيىء معالم الطريق إلى قلب الجريدة العريقة فى عهودها المختلفة. ولكن «صندوق الدنيا» بقى معلقا بذاته وبصاحبه، بعيدا عما يغرى صاحب العمود أو كاتب التعليق بالانحياز والمحاباة.

 

وقد كتب أحمد بهجت القصة والمقال، وبرع فى التحقيقات الصحفية فى العمق، وتميز قلمه بالقدرة على النقد اللاذع الذى يقترب من السخرية التى تؤلم ولا تجرح. وفى أواخر أيامه غلبت عليه النزعة الصوفية، وكتب كثيرا فى المسائل الدينية التى تتعلق بالسلوك الإنسانى، دون أن يشغل أو يشتغل بالجوانب الفقهية مثل كثيرين ممن حاولوا الاهتمام بالدين والأخلاق من غير إدراك عميق لمراميها!

 

يعتبر بهجت صاحب مدرسة فى كتابة العمود الصحفى بمعناه الحديث. حين ينقل للقارئ انطباعاته، أو يعكس له عالما من الرؤى بعيدا عن متناوله، أو يخرجه من دائرة الفهم الضيق إلى المحيط الواسع للمعانى والأفكار.. فى أسلوب بالغ الرقة والعذوبة، أو فى قالب قصصى إنسانى برع فى صياغته. وكان من أجمل ما يكتبه حين يخرج إلى البحر والطبيعة، فلا يرى فيها غير علاقته بالله وقدرته الناصعة. ويبحث عن التقابل والتشابه بين الإنسان والطبيعة.

 

ولهذا لم يكن غريبا أن تنتظم معظم مؤلفاته فى سلسلة متصلة من البحث عن الله والإنسان.. فى قصص «أنبياء الله» التى كتبها عن الأنبياء الذين وردت أخبارهم فى القرآن. وذلك فى صورة حوار بين طفل ساذج وقط مثقف. وعلى نفس المنوال كتب كتابه عن «قصص الحيوان فى القرآن» وكلها مؤلفات أعيد نشرها عدة مرات فى دار الشروق. ولقيت إقبالا منقطع النظير. حيث يمزج الكاتب ببراعة فائقة بين القصص القرآنى وما فيه من عظات وعبر، وبين حياة الناس العاديين على نحو يقترب من مدارك الأطفال وأفهامهم.. وليس عن طريق التهديد والوعيد بالجنة والنار، ولكن بضرب الأمثال والقصص التى وجد المؤلف فى القرآن نبعا صافيا لها. وعبر عنها فى حياته الخاصة بحبه الشديد للحيوان. فلم يكن بيته يخلو من قطة أليفة أو كلب شارد.

 

رحل أحمد بهجت وقد خلف وراءه ذخيرة كبيرة من الكتب والمقالات والقصص.. وكان نجاح الثورة فى اعتقاده عملا إلهيا تحركت به يد الله للتخلص من الظلم والقهر الذى ساد البلاد. وفى رأيه أن مبارك لم يكن وحده المسئول عما حاق بالبلاد من ظلم وفساد.

 

رحل أحمد بهجت بعد أن كانت عجلة الثورة قد دارت.. وذهب من ذهب إلى سجن طرة. وأقعده المرض فى المستشفى حتى وافته المنية. رحمه الله.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات