الدهشة العربية من اليمين الإسرائيلى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدهشة العربية من اليمين الإسرائيلى

نشر فى : الأربعاء 15 أبريل 2009 - 8:09 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 أبريل 2009 - 8:09 م

غريب حقا أمر هذا الارتباك الذى يسود نظرة العرب إلى اليمين الإسرائيلى، ويعكس دون شك ارتباكا عربيا أشد فى إدارة الصراع مع إسرائيل. وجه الغرابة أولا أن عديدا من الدوائر العربية السياسية والإعلامية بل والعسكرية تعتبر أن المصطلحات الخاصة بما يسمى باليمين واليسار فى إسرائيل ما تزال صالحة لفهم الصراع العربى مع الكيان الصهيونى، مع أنه يفترض أن اليسار الإسرائيلى المزعوم كان صاحب الكلمة العليا فى إسرائيل منذ نشأتها وحتى1977 حين صعد «اليمين» إلى الحكم للمرة الأولى فى تاريخ إسرائيل، وهو ــ أى ذلك «اليسار» الإسرائيلى ــ مسئول وحده دون شك عن كل ما حل بالشعب الفلسطينى والشعوب العربية من كوارث فى حوالى ثلاثة عقود. ناهيك عن عدم تردد هذا «اليسار» لدى توليه المتقطع للحكم بعد ذلك فى الإتيان بأى سلوك يندرج بسهولة تحت وصف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطينى كلما وجد ذلك مناسبا، وقد كان العدوان الأخير على غزة من قبل حكومة يشغل وزير دفاعها منصب رئيس حزب العمل هو آخر تجليات هذا السلوك. والواقع أنه باستثناء أقلية سياسية صغيرة فى إسرائيل ــ لا تأثير لها عمليا على الإطلاق على السياسة الخارجية لهذه الدولة ــ لا يمكن الحديث عن يسار فى إسرائيل بأى معنى من المعانى.

ووجه الغرابة ثانيا فى نظرة العرب إلى اليمين الإسرائيلى هو ذلك الاعتقاد الذى تملك من بعض الدوائر العربية المسئولة ــ خاصة بعد التوصل إلى معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية فى 1979 ــ ومفاده أن «اليمين» هو الأقدر فى إسرائيل على صنع السلام مع العرب بدليل أن شريك مصر فى المعاهدة كان لا ريب حكومة يمينية يتزعمها إرهابى مخضرم كمناحم بيجين. والسبب فى هذا لدى أنصار ذلك الاعتقاد أنه لا أحد فى إسرائيل يمكنه أن يزايد على يمينى كبيجين أو نتنياهو. وقد نسى هؤلاء أن المعاهدة بين مصر وإسرائيل ــ بغض النظر عن تقييمنا ميزان المكاسب والخسائر فيها ــ لم تصبح ممكنة، إلا بعد أن أثبتت مصر جدارتها عسكريا سواء من خلال حرب الاستنزاف أو حرب أكتوبر 1973، وأن الغرض من المعاهدة إسرائيليا قد تمثَّلَ فى إخراج مصر من ساحة الصراع العسكرى بين العرب وإسرائيل، وهو هدف يحسب إنجازه فى خانة «عدوانية» «اليمين» الإسرائيلى المضمرة تجاه العرب الآخرين، وليس لصالح طابع سلمى مزعوم لهذا اليمين.

أما وجه الغرابة الثالث فى نظرة العرب إلى «اليمين» الإسرائيلى فينبثق مما سبق، ذلك أنه بناء على التمسك بصلاحية مفاهيم «اليمين» و»اليسار» فى إسرائيل لفهم معطيات الصراع العربى ــ الإسرائيلى ومتطلبات الإدارة الرشيدة له، والاعتقاد بأن «لليمين» فى إسرائيل قدراته الواضحة على «بناء السلام» مع العرب استقبلت دوائر عربية عديدة بدهشة فائقة تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى المخبول أفيجدور ليبرمان عن السلام مع العرب.

ولا شك أن ثمة جوانب عديدة تثير الدهشة فى تصريحات ليبرمان عن السياسة الإسرائيلية تجاه الصراع العربى ــ الإسرائيلى بمجرد توليه مهام منصبه، غير أن هذه الجوانب لا تشمل بالتأكيد مضمون ما قاله. بمقدورنا أن نندهش على نحو مفرط من تولى هذا المولد وفى المهاجر حديثا لإسرائيل بكل سجله الشخصى المعروف وغير المعروف منصب وزير الخارجية بالذات، وبمقدورنا أن نندهش كذلك بالدرجة نفسها من درجة الجهل والغباء وعدم الاتساق التى ميزت تصريحاته. أما أن نندهش من مضمون ما قال فتلك قضية أخرى تدفعنا إلى التذكير بفحوى تصريحاته التى تدور حول نقاط ثلاثة: أن حكومته لن تلتزم بمبادئ أنابوليس فى إشارة لعدم الالتزام بحل الدولتين الذى تبناه مؤتمر أنابوليس (وليلاحظ القارئ الكريم أن عديدا من الصحف العربية قد وضع علامة تعجب أمام هذا التصريح)، وأنها ــ أى حكومته ــ ملتزمة فقط بخارطة الطريق بصفتها اتفاقا دوليا التزمت به إسرائيل، مع ملاحظة أنه تحدث عن اتباعها «بدقة» وليس بطريقة «حرق المراحل».

أما عن عدم التزام مبادئ أنابوليس فلم يكن ليبرمان هو أول من فعل ذلك. بل إنه فى حقيقة الأمر لم يفعل وإنما اكتفى بالتصريح، ويدعونا هذا إلى التذكير بأن حكومة أولمرت التى تتباكى وزيرة الخارجية فيها على أنابوليس و«إنجازاته» هى أول من تنكر لوثيقة أنابوليس (التى لا تعنى أى شىء فى حقيقة الأمر)، ذلك أن الخطوات السابقة على أنابوليس فى محاولات التسوية كانت تنتهى عادة إلى الإخفاق أو الجمود بعد شهور أو سنوات، لكن مؤتمر أنابوليس تفرد بأن ما أنجزه ــ على هزاله ــ قد هدم بعد ساعات قليلة من انتهائه، فقد نسف أولمرت أولا فكرة الإطار الزمنى الذى كان من المفروض أن ينتهى بنهاية ولاية جورج بوش، أى فى نهاية 2008، والذى اعتبره أنصار أنابوليس مفخرة لذلك المؤتمر، وتمت عملية النسف هذه بعد ساعات من انتهاء المؤتمر فى حديث لأولمرت للإذاعة الأمريكية العامة استبعد فيه التوصل إلى حل فى 2008، ثم خرج أولمرت بعد ساعات أخرى بلاءات ثلاث أولها تأكيد رفضه التقيد بالإطار الزمنى، وثانيها استبعاد الحرم القدسى من النقاش أصلا، وثالثها استحالة الاتفاق قبل تفكيك بنية الإرهاب. فما الجديد الذى أتى به ليبرمان إذن؟

أما عن الالتزام بخارطة الطريق فهو التزام عربى للأسف، بل إننا نذكر جيدا أن الأطراف العربية فى أنابوليس تحدثت كثيرا عن مبادرة بيروت 2002 كمرجعية للتسوية، وكانت ثمة رسائل غامضة من الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية توحى بأنها لا تمانع فى ذلك، لكن وثيقة أنابوليس قصرت المرجعية على خارطة الطريق، ففيم الغضب من ليبرمان إن هو أعلن تمسكه بتلك الوثيقة سيئة السمعة، والتى نذكر بأنها تشترط البدء بتدمير البنية التحتية للإرهاب (أى المقاومة الفلسطينية) قبل الشروع فى أى شىء آخر، وهو ما يفضى بنا إلى فهم إصرار ليبرمان فى تصريحاته على القول بأنه فى مقابل احترام إسرائيل كل نقطة فى خارطة الطريق «نطالب الفلسطينيين بالأمر نفسه، بما فى ذلك القضاء على المنظمات الإرهابية وإقامة سلطة مستقرة»، ولعل فى هذا كله درس جديد لأصحاب القرار العربى بألا يوافقون على وثائق دون التبصر بمحتوياتها.

يبقى بعد ذلك البكاء على حل الدولتين المشبوه، فمن حيث المبدأ يتسق هذا الحل مع مبادئ «التسوية التاريخية» بين العرب وإسرائيل، طالما أننا مولعون بهذه المصطلحات الكبرى، لكن هذا الحل لم يظهر لنا أى من تجلياته الإقليمية أو السياسية أو الاقتصادية أو الديموجرافية حتى الآن، وكل ما تبدى لنا منه على يد الحكومة الإسرائيلية «المعتدلة» السابقة هو عدوانها الإجرامى غير المسبوق على قطاع غزة فى نهاية 2008 ومطلع 2009.

فهل آن الأوان للدهشة العربية أن تتوقف؟ وأن يحل محلها إدراك أكثر نضجا لمعطيات الصراع العربى ــ الإسرائيلى وحقائقه؟ ومن ثم إدارة أكثر رشاده لهذا الصراع خاصة أن ظاهرة ليبرمان التى لا تعدو أن تكون طفحا مرضيا على الجلد الإسرائيلى تشير إلى أن الكيان الصهيونى فى أزمة حقيقية لن يكون ممكنا لهذا الكيان أن ينجو منها إلا إذا استمر الإصرار العربى على عدم الفهم والوقوع فى شرك الانقسام والعجز عن الفعل. 
 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية