الوسوسة فى النظافة.. أو الطناش - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 يوليه 2025 8:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

الوسوسة فى النظافة.. أو الطناش

نشر فى : الجمعة 15 مايو 2020 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 15 مايو 2020 - 9:50 م

قبل أسبوعين كنت أتحدث مع أحد الوزراء، وعندما سألته عن صحته، قال لى إنه يقوم بقياس درجة حرارته، كل خمس دقائق تقريبا، حتى يطمئن أن كل الأمور على ما يرام. باعتبار أن درجة الحرارة الطبيعية هى واحدة من أهم المؤشرات على أن شبح فيروس كورونا بعيد.
الوزير معذور، لأنه يعمل معظم اليوم، ولم يستطع أن يبقى فى بيته، لأن طبيعة عمله تحتم عليه التواجد فى مقر عمله وأحيانا زيارة بعض الإدارات التابعة لوزارته والتى تتعامل مع ملايين الأشخاص.
شخص آخر وفى منصب مهم أيضا قال لى إنه لا يستطيع أن يبقى فى المنزل، وطبيعة عمله تحتم عليه التواجد فى مواقع العمل، لكنه يلتزم بأقصى درجات الحرص والحذر. شخص ثالث قال لى إن زجاجات التطهير والتعقيم لا تفارق حقيبة يده التى يحملها معه فى كل مكان وأنه يقوم بتطهير وتعقيم يديه ومعظم مناطق جسمه كلما لمسه شخص آخر، أو قام هو بلمس أى جسم غريب.
هذه ثلاثة نماذج سريعة، وبجوارها عشرات وربما مئات النماذج الأخرى التى تتفنن فى الاعتناء بالنظافة الشخصية خوفا من الإصابة بفيروس كورونا وقانا الله وإياكم منها.
أن تكون نظيفا فهذا أمر مهم وحيوى جدا لمواجهة الفيروس، ومن دون هذه النظافة، فإن فرص غزو الفيروس تصبح كبيرة جدا.
وحسب قول طريف فإن فيروس كورونا لديه كبرياء كبير، فهو لا يذهب إلى أى شخص، بل إن الأشخاص هم من يذهبون إليه، حينما يتنازلون عن حذرهم وعن نظافتهم الشخصية. لكن هناك خيطا رفيعا بين أن تكون نظيفا، وبين أن تكون مهووسا بالنظافة لدرجة قد تضرك.
سيسأل البعض، وهل النظافة الزائدة يمكن أن تضر؟!.
الإجابة هى نعم وفى أيامنا الراهنة والصعبة، فإن كثرة استخدام الديتول والكلور والكحول وبقية فصيلة المطهرات والمعقمات يمكن أن تقود إلى أضرار بالغة.
بعض الذين فعلوا ذلك أصيبت أيديهم وأحيانا وجوههم. بصورة ظاهرة وواضحة فى الجلد. طبعا نسمع هذه الأيام عن العديد من النظريات والافتكاسات فى الطريقة الصحيحة للنظافة. وهناك ما يشبه الاتفاق على أن غسيل الأيدى بالصابون الطبيعى هو الطريقة المثلى لضمان عدم تسلل كورونا إليك، إضافة إلى الحرص على النظافة العامة خصوصا الوجه.
البعض يصعب الأمور على الناس، ويدعوهم أن يعقموا أنفسهم عقب كل حركة يفعلونها. وهو أمر لم أجد إجماعا عليه، بل كثيرين يعتبرونه، مبالغات قد تضر، بل وتجعل الإنسان يكره نفسه وهو الأمر الذى أحاول أن أقنع به زوجتى طوال الفترة الماضية بعد أن أصيبت بالوسوسة جراء المحادثات الهاتفية المطولة مع بعض صديقاتها!!!.
قبل أيام أرسل لى أحد الأصدقاء فيديو أعده الطبيب تامر حسن بمستشفى مبرة العصافرة يشرح فيه بطريقة سلسة ومبسطة أساسيات النظافة، وأهمها كما يؤكد الجميع غسيل الأيدى بالصابون وعدم ارتداء الكمامة إلا حينما تكون وسط الناس.
وبينما هناك أناس مصابون بالوسوسة بشأن النظافة، ويغسلون أيديهم كل دقيقة، فهناك فئة أخرى، لا تكترث بالمرة وكأن فيروس كورونا لم يوجد أصلا، ولم يصل إلى مصر!!. المشاهد التى رأيناها فى الفترة الأخيرة من تزاحم فى الأسواق والشوارع والبنوك ووسائل المواصلات، تشعرك إما أن هذه الفئة «مستبيعة» أو أنها واثقة أن كورونا لن يصل إليها!!!.
وبجوار هؤلاء فإن هناك فئة ما تزال مغيبة تماما وترفع شعار «خليها على الله» رغم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بألا نلقى بأيدينا إلى التهلكة، وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «اعقلها وتوكل».
الوسوسة والتزيد فى النظافة أمر صعب ومرهق، و«الطناش» أمر مهلك وقد يكلف الناس حياتهم فى ظل ما نسمعه ونقرأه عن خطورة فيروس كورونا، وبالتالى علينا أن نضبط أنفسنا وسلوكياتنا على منطقة بينهما فى المنتصف.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي