الصدمة الدستورية - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصدمة الدستورية

نشر فى : السبت 16 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 16 يونيو 2012 - 8:00 ص

حتى ساعات قليلة قبل فتح صناديق الانتخابات لجولة الإعادة، ظل الناس يضربون أخماسا فى أسداس: هل تجرى الانتخابات أم يتم تأجيلها؟ وهل تجرى بين المتنافسين اللذين ملآ الدنيا ضجيجا وهديرا أم بين أكثر من مرشح من السابقين الذين خرجوا من الجولة الأولى أو بعضهم؟ وذلك فى أجواء نفسية بالغة الكآبة والابتزاز. كان كل ناخب يهيئ نفسه لاحتمالات فشل الجولة الأولى من انتخابات الرياسة بسبب الشك فى دستورية قانون العزل، وبطلان الثلث الفردى من مجلس الشعب الحالى.. بما يوحى باحتمال حل مجلس الشعب أو إعادة انتخابات الجولة الأولى على أقل تقديرا.. وفى كل الأحوال كان مصير المرشح أحمد شفيق على كف عفريت! وكان ما حققه محمد مرسى من دعم معلقا على خيوط أوهى من خيوط العنكبوت!

 

لو حاولنا أن نجد نظاما فى دولة أخرى أجريت فيه الانتخابات كما حدث فى مصر، بكل ما شهدناه من تناقضات وخلافات وتراجعات والتواءات، لما وجدنا شيئا مشابها من هذا القبيل. وسوف يدرك الجهابذة الذين رسموا وخططوا لهذا العبث إلى أى مدى أساءوا إلى النظام الديمقراطى، وشككوا فى إيمان الشعب بجدواه، وبقياداته التى ضللته وخرجت به من مأزق إلى مأزق حتى ضاق الناس بهم وباتوا يلعنون اليوم الذى أوهموهم فيه أنهم على أبواب نظام جديد أكثر حرية وعدلا.

 

وكان أول قرار أصدرته المحكمة الدستورية العليا فى هذه المتاهة، أن قانون العزل الذى خرج به البعض وظنوا أنه سيخلصهم من الفلول أو من منافسيهم، قانون باطل دستوريا. لا لأن العزل لا ينطبق على كثيرين من رجال العهد البائد، ولكن لأن القانون صدر بهدف تطبيقه على شخص واحد بعينه، مفتقرا إلى منطق المساواة والعدالة. ومن أسف أن الذين لعبوا بالقانون اعتمدوا على أخطاء شكلية. وأن القانون الذى كان ينبغى أن يصدر فور قيام الثورة وسقوط النظام استحدث عقوبة الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية عن وقائع سابقة على صدوره. ومعنى ذلك أن الذين بنوا خططهم على أساس خروج شفيق قد أخطأوا التقدير والحساب. فالرجل باق فى السباق. وربما اكتسب مزيدا من التأييد نتيجة فشل محاولة إبعاده!

 

لم تكن مشكلة قضية العزل هى الوحيدة، ولكن جاءت ضمن سلسلة من الأخطاء الدستورية التى ارتكبت عن عمد بقصد زيادة استحواذ فريق من التيار الإسلامى على الأغلبية. مما أدى إلى محاولة الاستيلاء على المقاعد الفردية المخصصة للمستقلين فى انتخابات مجلس الشعب، وضمها إلى النسبة المحددة للأحزاب والقوى السياسية. وهو ما وصفته المحكمة بأن انتخابات مجلس الشعب أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها. على حين أن الهدف من تخصيص المقاعد الفردية هو عدم هضم حقوق المستقلين. وهو ما دفع المحكمة الدستورية إلى حل مجلس الشعب باعتباره باطلا منذ انتخابه. ودون أن يؤدى ذلك إبطال التشريعات والقوانين والقرارات التى اتخذها المجلس!

 

تتعرض الجمعية التأسيسية للدستور إلى عوار من هذا النوع أيضا، أدى إلى انسحاب عدد من أهم الشخصيات السياسية اعتراضا على تشكيلها واستحواذ التيار الإسلامى على 50 بالمائة من عضويتها، وتخصيص حصة للقوى المدنية أدخل فيها ممثلو الأزهر والكنائس والنقابات. وفى ضوء بطلان انتخابات مجلس الشعب فإن مستقبل الجمعية التأسيسية للدستور يبدو غامضا وقد يعاد النظر فيه.

 

فنحن نخرج من عثرة لنقع فى حفرة!

 

وقد أصبح واضحا أن انتخابات الرياسة سوف تستمر بين الغريمين القديمين: محمد مرسى وأحمد شفيق. وقد عبأ كل منهما قواه فى مواجهة شرسة بانت معالمها خلال الأيام الماضية، حتى قبل أن يفصل القضاء فى مسألة العزل. ومن ثم فنحن نتوقع أن تزداد حدة المعركة بين مرسى وشفيق خاصة بعد حل مجلس الشعب.

 

لقد أحدث قرار حل الشعب خيبة أمل عميقة وردود فعل حادة بين الكثيرين من أعضاء الأغلبية الإسلامية. إذ ستؤدى إعادة انتخابات مجلس الشعب إلى الدخول فى مرحلة جديدة، يعيد فيها نواب الأغلبية من الإسلاميين النظر فى مواقفهم وفيما وجه إليهم من انتقادات. وقد نرى مجلسا آخر تختلف قسماته لا يحصل فيه التيار الإسلامى على نفس الأغلبية التى حصل عليها فى المرة السابقة. يغير فيه الناخبون اختياراتهم لمن يمثلونهم على أساس ما كشفت عنه التجربة وما أفرزته الظروف!!

 

بعبارة أخرى: الطريق إلى الديمقراطية ليس مفروشا بالورود!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات