فرس النهر الأزرق - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرس النهر الأزرق

نشر فى : الجمعة 15 يوليه 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 15 يوليه 2016 - 9:15 م
فى الشهر الماضى أعلنت وزارة الآثار على صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعى عن استفتاء، داعية المواطنين إلى المشاركة فيه. الهدف من الاستفتاء كما ذكر القائمون على الصفحة هو اختيار قطعة أثرية من بين عدد من القطع المطروحة، يرغب «الشعب» فى رؤيتها بين جدران المتحف المصرى فى الشهر التالى.

بدا الخبر ملفتا على عدة مستويات. نعرف أن المتحف المصرى لا يحظى بإقبال شعبى كبير، ولا يلقى الاهتمام المُفترَض من المسئولين بأية حال. انطباعات أغلب من زاروا المكان على مدى السنوات الفائتة لم تكن أبدا مشجعة، وحال مواقعنا الأثرية المتنوعة خير دليل على الإهمال والفشل فى إدارة ثروة حجرية مذهلة، موزعة بين الأرجاء. الناظر إلى حال الآثار المصرية يدرك أن ثمَة خطوات عديدة تسبق فى أولويتها وأهميتها الاستفتاء، لكنها ليست فى الحسبان.

أُمَمٌ فى شتى القارات تقدر ما لديها مِن آثار وإن ندرت، وتصنع مِن حصياتٍ قليلة تاريخا مشوقا يفوقها حجما وأهمية. أمم شتى تحفظ معالمها القديمة وتباهى بها الآخرون وإن كانت عادية ومتكررة. زرت ميناء مونتريال القديم وتَجَوَلت فيه. مكان لطيف صغير المساحة، مُسَطَح مائى وبعض القوارب المبهجة وألعاب فى الهواء وبضائع تذكارية، نزهة خفيفة هادئة ومقاعد كثيرة تسع الجميع. فى زيارتى الثانية على متن حافلة مكشوفة، راحت المرشدة السياحية تسرد التاريخ وتنقل إلينا انبهارها المُتَجَدِد بالميناء. قالت فخورة إنه يستقبل سبعة ملايين سائح سنويا. استمعت إليها مشدوهة واستمتعت بحماستها بقدر ما لفتنى الحسرة. ضمَت الحافلة زوارا متباينى الجنسيات إضافة إلى المجموعة المصرية، أخذ الرجال والنساء يغادرون فى بعض المحطات ويجولون قليلا ثم يعودون للركوب، بينما الشمس تلسع جلودنا جميعا، ونحن جلوس لصق مقاعدنا، نجتر الأحزان.

***

لم تكن أولوياتنا الأثرية هى مصدر الدهشة الأكبر بالنسبة لى، بل هو السياق الذى ظهرت فيه فكرة الاستفتاء، فبينما يتم تغييب الناس عن أمور رئيسة تتعلق بمصائرهم، وبينما تُستَبعَد مِن خارطة اتخاذ القرار أفكارهم ويجرى تجاهلها وتهميشها، تُؤخَذ آراؤهم فى أمرٍ يُعَدُ –شئنا أو أبيناــ مِن أمور الترفيه، وبينما تتوارى مظاهر الشراكة المزعومة عن مناحى الحياة أغلبها، وخاصة ما كان منها متقاطعا بحدة مع مصالح المواطنين وشئونهم، فإن جهة رسمية تدعوهم للاستفتاء على لوحة وتمثال. لا أنكر أن المبادرة بإشراك الناس فعلٌ طيبٌ مِن حيث المبدأ، لكنا درجنا فى الفترة الماضية على أن تصدر القرارات والقوانين ليلا أو فجرا، لا يدرى بها أحدٌ إلا بعد التفعيل، حتى قرار بيع الأرض المصرية، عرف الناس بالمفاوضات التى جرت حوله بعد التراضى وتوقيع المستندات، ومن ثم لا يستقيم المعنى.

على كل حال كانت الدعوة للاستفتاء مطروحة باللغتين العربية والإنجليزية على الصفحة الرسمية لوزارة الآثار، وقد بلغ عدد المصوتين ما يقرب مِن تسعين شخصا، وقام قرابة المائة شخص بمشاركة الدعوة على صفحاتهم. أعلنت الصفحة فيما بعد فوز لوحة «الولادة» بأكبر عدد من الأصوات، وبالتالى تقرر عرضها فى المتحف. مررت على صور القطع الأثرية التى ظهرت على الصفحة، وأحصيت الأصوات لكنها للعجب لم تكن فى صالح لوحة «الولادة»، وإنما أيد معظمها عرض شعر مستعار (باروكه) كان ضمن القطع الجاذبة للانتباه، وبدوره حاز «فرس النهر الأزرق» عددا لا بأس به مِن المؤيدين. بحثت عن أصوات أخرى فلم أجد ودهشت مِن اختيار لوحة الولادة بدلا من الباروكة.

تحدث المسئولون فى هذه المناسبة عن الوعى الأثرى المرتفع للشعب المصرى، وهو ما دفع إلى ذاكرتى بإعلان صادفته منذ فترة غير بعيدة، عن اكتتاب شعبى يستهدف جمع المال اللازم لإنقاذ تمثال «سخم كا»، وهو تمثال عُرِضَ للبيع بإحدى الصالات البريطانية كما جرت العادة. ورد الخبر فى بعض الصحف اليومية على استحياء، وقرأت لاحقا أن مواطنا مصريا واحدا لم يشارك فى هذا الاكتتاب، ولم أبذل جهدا كبيرا لأقارن الأحوال بعقود فائتة تضافر فيها الناس بحماسة، وجمعوا مبلغا عظيما كى يصنع مختار تمثال نهضة مصر.

***

على كل حال لاح خبر الاستفتاء عبثا فى عبث وسط ترحيل الإعلاميين والزج بزملاء لهم فى السجون، وتسريب أسئلة وإجابات الامتحانات كافة، رغم الجهود المتواصلة لمنع الغش، ووسط أنباء عن إجراءات اقتصادية عقابية تتخذها إيطاليا ضد الحكومة المصرية بعد قتل الباحث الشاب ريجينى، ومع مواصلة الدولار الارتفاع الصاروخى والحديث عن وقف استخدام الكروت البنكية على الحسابات الأجنبية خارج مصر. لم يعُد هناك مَجال للحديث المستفيض عن سخم كا أو فرس النهر الأزرق والشعر المستعار.
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات