فقراء الدولة .. ودولة الفقراء - ريم عبد الحليم - بوابة الشروق
الجمعة 24 مايو 2024 9:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقراء الدولة .. ودولة الفقراء

نشر فى : الجمعة 15 نوفمبر 2013 - 8:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 نوفمبر 2013 - 8:05 ص

الفقر.. قضية لصيقة بالمجتمع المصرى لم يأت عام تم فيه الإعلان عن القضاء على الفقر أو تخفيضه أو الحد من معدل زيادته، فهل هو مرض عضال لا يمكن السيطرة عليه، أم أن الاقتصاد المصرى ببنيته ومؤسساته يحمل ماكينات لصناعة الفقر؟ وإذا حمل هذه الماكينات ألم يتمكن أى اقتصادى أو مسئول مصرى من تركيب مضادات حيوية تقضى على الفقر؟!

لابد من اتباع ثلاثة مسارات محتملة لتحليل أسباب تزايد الفقر فى مصر:

• إما أن الإنفاق العام الموجه لمكافحة الفقر غير كاف.

• أو أن مكونات هذا الإنفاق غير مؤثرة.

• أو أن برامج المكافحة كافية وفعالة ولكن يواجهها تأثير مضاد من قنوات جديدة لصناعة الفقر، فتنتج المزيد من الفقراء وتنتصر على تأثير البرامج.

عن فرضية عدم كفاية الإنفاق، فمصر تنفق على قطاع الحماية الاجتماعية (الدعم بمشتملاته ومكونات معاش الضمان) نسبة تتراوح مابين 25 و30% من الإنفاق العام؛ وهى نسبة مرتفعة مقارنةً بغيرها من الدول النامية، إلا أن غالبيتها يذهب لغير الفقراء سواء فى صورة دعم للوقود أو فى صورة توسيع لدائرة المستفيدين من بطاقات التموين (أكثر من 83% من الأسر المصرية).

أما الإنفاق على قطاعات التنمية الإنسانية وهى الصحة والتعليم، فإن النسبة الأعلى تأتى من حظ قطاع التعليم حيث يزيد نصيب الإنفاق العام للدولة على قطاع التعليم عن 11% من إجمالى الإنفاق العام على 4.6% من الناتج المحلى الإجمالى. فى الوقت الذى لا يزيد فيه نصيب الإنفاق العام على قطاع الصحة على 4.6% من إجمالى الإنفاق العام ولا تزيد نسبة الإنفاق على هذا القطاع على 1.6% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى النسبة التى تقل عن ربع مثيلتها فى البرازيل والمكسيك بل والعديد من الدول الأقل نمواً.

•••

الإنفاق قل أو كثر يظل غير مؤثر فى مكافحة الفقر أو لتحقيق نتائج مرضية. أى أن كل جنيه زيادة فى الإنفاق لم يؤثر كثيراً ليبرز نجاح القطاعات ذات النصيب المرتفع عن القطاعات ذات النصيب المنخفض من الإنفاق.

أما عن الفاعلية، فالإنفاق قد يكون غير مؤثر لعيب فى المكونات بحيث يتوجه الإنفاق لبنود لا تعطل ماكينات صناعة الفقر ولا تواجه الفقر الناتج عنها. فنجد أن نصيب الانفاق العام على بند الاستثمارات يقل عن 0.5% من الناتج المحلى الإجمالى فى قطاعى الصحة والتعليم. فى الوقت ذاته لا يزيد نصيب الإنفاق على السلع والخدمات الضرورية لتشغيل قطاع الصحة الحكومية على 18% من إجمالى الإنفاق على القطاع فى عام 2013/2014 وهى النسبة التى تعانى من تراجع مستمر. وهو رقم لا يتعدى 0.1% من الناتج المحلى الإجمالى. بما يعنى أن مخصصات تشغيل الاستثمارات تتضاءل، وهو ما ينتج وحدات تقديم الخدمة المعطلة أو شبه المشغلة المنتشرة فى أنحاء الجمهورية.

كما أن الإنفاق قد يصبح غير مؤثر لعدم تكاملية مكونات الإنفاق بحيث تغطى كل نوع من الاحتياج، فالمدرسة تتطلب تعليما جادا وتوفير طرق ممهدة للأطفال وضمانا نقديا لاستمرار الطفل الفقير فى التعليم؛ والبرامج الصحية تتطلب جودة وتأمينا صحيا حتى تكون فعالة...إلخ.

•••

لم يبق سوى تحليل أسباب انتاج الفقر، والتى تشمل الحرمان المكانى لمعظم أنحاء الجمهورية فيما عدا المناطق المركزية بما ينتج «جيوب الفقر الجغرافية»، وماكينات صناعة الفقر المرتبط بالسن مثل تدهور الأجر حال خروج الموطف لسن المعاش، وهو ما ينتج عن قانون المعاشات الحالى، والذى تظل تعديلاته حبيسة تعقيدات العلاقة بين صندوقى المعاشات والخزانة وبنك الاستثمار القومى من ناحية، وتودد الحكومة المستمر لصاحب العمل من ناحية أخرى؛ فهى ذاتها صاحب عمل من الوزن الثقيل، صاحب عمل «محدود الأفق» استثمارياً وماليا.

نوع آخر من الفقر المرتبط بالسن يتمثل فى الأطفال الذين يتسربون للفقر سريعاً حال تعرض أسرهم ذات الوضع الهش للفقر ولو بصورة مؤقتة، فتكون التضحية بتعليم الطفل وصحته خطوة أولى لحل المشكلة وتجاوز الأزمة، فالدولة لا تقدم ضمانات لتوفير حياة كريمة لكل طفل دون النظر لموقع أسرته مكانيا أو فئويا.

لقد تشدقت مؤسسات الدولة المصرية كثيرا بالفقر والفقراء والعدالة الاجتماعية، ومنذ ما حققته بعض سنوات التجربة الناصرية (مع اختلافى الكبير معها والذى لا يتسع له هذا المقال) حتى الإعلان عن مشروع للألف قرية ــ الذى شابه العديد من الأخطاء والمشكلات ــ لم تتخذ مؤسسات الحكومة خطوات جادة لإرساء حقوق الفقراء.

••• 

الدولة المصرية اختارت أن تحتكر دور البناء والتوريد والتقديم لخدمات مكافحة الفقر حتى اقتنع الفقير أنها الوحيدة القادرة على حل مشاكله ثم «خلت بـه» فى كل هذه الجوانب، وعلقته بوعود بخطوة أولى من جانبها لسير فى طريق ما للإصلاح، ولا تأتى هذه الخطوة أبداً؛ سواء بقصد أو بغير قصد، فالدولة يديرها مؤسسات تربت أحدثها فى عهد التجربة المباركية بمشكلاتها!

الحل يكمن فى منظومة متكاملة لدراسة الاحتياجات وتوزيع الإنفاق وفق دول الاحتياج وليس الاستهداف الجغرافى مبتور الأثر.

الحل يكمن فى تحليل محددات الفعالية فى البرامج المقدمة، والخلل المؤسسى المصاحب للصناديق المنوط بها مكافحة الفقر وتأمين أعمال الفقراء.

الحل يكمن فى إحياء التمويل من خارج الموازنة العامة وأنظمة الوقف الذى احتكرته الدولة منذ عقود طوال فعطلت دوره المجتمعى.

الحل يكمن فى محليات حقيقية ومجالس شعبية محلية لها دور فى معرفة احتياجات البشر ومراقبة التنفيذ.

الحل يكمن فى دولة جادة تبتعد عن برامج وآليات مستهلكة.

لا تزال الدولة المصرية تبنى برامج مكافحة الفقر على أساس اتباع منظومة تقوم على إخضاع الفقير للدولة وليس إخضاع الدولة للفقير.

ريم عبد الحليم أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة باحثة متخصصة في شؤون الفقر
التعليقات