نورتى يا صناعة النيل.. - ريم عبد الحليم - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 4:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نورتى يا صناعة النيل..

نشر فى : السبت 29 سبتمبر 2018 - 10:45 م | آخر تحديث : السبت 29 سبتمبر 2018 - 10:45 م

نورت يا قطن النيل.. يا حلاوة عليك يا جميل.. هكذا جاءت كلمات حسن المنسترلى فى أغنيته للقطن المصرى الشهير.. قطن بلادنا الله أكبر يملأ بيوتنا سمن وسكر.. وبس!
بمناسبة السكر.. الصعايدة غنوا للقصب كذلك.. يا أبو اللبايش يا قصب.. عندنا فرح واتنصب.. وبس!
أين توقفت عجلة الصناعة المصرية القائمة على الموارد المحلية عن الدوران؟ سؤال يبدو بسيطا وربما أدخلتنا محاولة الإجابة عنه فى تحليل المؤامرات والصفقات وما امتلأت به المقالات والصحف طوال العقدين أو الثلاثة الماضيين. فى رأيى المتواضع أن حال الصناعة المصرية مثله مثل الكثير من أحوال هذا الوطن، لا يدبر له مؤامرة على الإطلاق بشكل جمعى بمعنى وجود رأس أخطبوط يقطن فى مكان ما فى هذا العالم يدبر ما نصل إليه.. بل نصل إليه فقط لأننا لم ندبر بشكل جمعى لغيره. ببساطة ما نحن فيه نصل إليه لأنه يحدث ويستمر ويحدث من خلال تفويتات صغيرة لمصالح بسيطة مفتتة شكلت واقعا نعانى منه الآن..
قضية الصناعة الوطنية هى أكبر هم يجب أن يحمله هذا الوطن فى الوقت الحالى، وبالفعل شهدت السنوات القليلة الأخيرة وحتى اليوم تطورات رائعة فى إدارة هذا الملف المهم أهمها الاستراتيجية وقانون التراخيص الصناعية وخريطة الاستثمار الصناعى وعدة خطوات مهمة جدا أخشى أن أتوسع فى سردها فأفقد بعضها، ولكن ربما احتجنا لتعشيق هذا الملف فى أحضان استراتيجية التنمية بصورة أكثر مهارة ودقة وشمولا..

***

النقطة الأولى نحو هذه الخطوة هى تعشيق الصناعة فى استراتيجية عامة للتشغيل، والتى يجب علينا الإقرار فيها أن المشكلة الآن تفوق عدم توافر العمالة المدربة، وتمتد لعدم توافر العمالة من الأساس، العمال يفضلون التوكتوك وأى عمل يشبه التوكتوك فى خفته على القلب وعدم تطلبه تراخيص وقدرته على توفير سيولة نقدية يومية دون مخاطرة، ومن ثم فالعلاقة بين صاحب العمل والعامل أصبحت مليئة بالشكوك حول مدى التزام الثانى فى العمل ومدى استدامة وأمانة الأول فى مستحقات الثانى.. علاقة لا يمكن بأى حال عن تفرخ تنمية حقيقية أو إنتاج مقبول.. لا يلام فيها الطرفان بقدر ما يلام المناخ العام من قانون تأمينات ظالم للطرفين، وظروف تسويق قاسية للأصغر... وعدم وجود دعم حقيقى للتدريب المهنى والذى تفرق دمه بين وزارات عدة مع أهمية ربطه بقطاع الصناعة.
النقطة الثانية هى تعشيق الصناعة فى استراتيجية عامة مكانية للتنمية، سوهاج مافيهاش شغل، هكذا قالها الصبى المتهم فى قضية التهريب ببورسعيد، أينعم.. لا يوجد عمل كاف، فأين المصانع القائمة على المنتجات الغذائية فى محافظات مصر الزراعية؟ كيف انكسرت الحلقة وتدافعت نحو القاهرة والجيزة والمدن الكبرى فقط؟ أين النقل الداخلى؟ أين اللوجستيات؟ أين استراتيجات الحد من هدر المنتجات الزراعية؟ بل هل نعلم ماذا نزرع ولماذا نزرعه؟ أشك..
النقطة الثالثة هى استراتيجية واضحة لتجارة الدولة تبدأ من الإنتاج وليس من تحليل العائد على الصادرات وتكلفة الواردات.. فى رأيى فإن مدخل التجارة Trade Approach أضيق كثيرا من القدرة على تحديد السلع الواجب تصديرها والسلع التى لا غنى عن استيرادها، كما أن حصر سؤال التصدير والاستيراد فى كيفية توفير العملة الأجنبية ليس كافيا لخلق فرص تجارية حقيقية لمصر.

***

هذا القطاع وغيره عانى كثيرا فى فترات التحول من القطاع العام للخاص ومن الإحلال محل الواردات إلى الوضع الحالى الذى لا يمكننى تسمية توجهه بعد من شبكات التهريب وشبكات الاستيراد وتشوهات السوق، حتى أصبح عبئا كبيرا ومؤلما، ولكن ما يمنح الأمل أن أبواب كبيرة فيه فتحت فى الأعوام القليلة الماضية ونجاح إدارة القطاع مستمرة حتى اليوم بنعومة نادرة، ما بقى هو ألا نخطئ للمرة المليون فى إدارة أى ملف اقتصادى الخطأ المتكرر هو النظرة الضيقة، فإذا استهدفنا عجز الموازنة قتلنا معدل النمو وضحينا بالعدالة الاجتماعية، وتضخم الدين العام، وإذا استهدفنا دفع القطاع الخاص قتلنا القطاع العام وشردنا عماله وبعنا أصوله بثمن مخزى ونسينا دوره فى توريد الكثير من المدخلات واستيعاب العمالة، وإذا استهدفنا مشروعات قومية ضحينا بالبعد المحلى للتنمية، الخطأ الأصلى The Original Sin فى إدارة الملف التنموى هو عدم وجود مظلة واسعة سؤال موحد نسعى للإجابة عنه وهو: ماذا نريد تحديدا؟
النجاح الذى حدث فى إدارة هذا الملف يعطى بارقة أمل كبيرة نحو الغد.. ولكن نحتاج الآن لتحليل أين وكيف ولماذا.. لأنه لا مفر للخروج من الأزمة الحالية إلا بخلق فرص عمل حقيقية جيدة ومستدامة لن يقدر عليها قطاع التشييد والبناء بأى حال..

ريم عبد الحليم أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة باحثة متخصصة في شؤون الفقر
التعليقات