العدالة الاجتماعية.. الحاضر الغائب - ريم عبد الحليم - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدالة الاجتماعية.. الحاضر الغائب

نشر فى : السبت 24 يناير 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : السبت 24 يناير 2015 - 8:05 ص

انتهى عهد مبارك فى ظل تبنى سياسة تحفيز الاستثمار لأقصى درجة ممكنة، ولم يتعد معدل الضرائب على الدخل وفق القانون 91 لسنة 2005 فقط 20%، وبعد ثورة يناير جاءت بعض تعديلات قانون الضرائب على الدخل على عدة مراحل، لعل أبرز ملامحها إصدار حكومة حزب الحرية والعدالة القانون رقم 11 لسنة 2013 بعمل خمس شرائح داخلية تكون أعلاها ضريبة شريحة الدخل أعلى من 250 ألف جنيه فى السنة بسعر ضريبة 25%، ومجموعة التعديلات التى صدرت فى عهد الحكومة الحالية وأهمها القانون رقم 53 لسنة 2014 بالتوسع فى القاعدة الضريبية، وفرض ضريبة على بعض أنواع الأرباح الرأسمالية وقانون فرض ضريبة مؤقتة على ما يزيد من الدخل عن المليون جنيه. وكانت آخر موازنة عامة تم تنفيذها فى ظل حكومة مبارك هى موازنة العام المالى 2009/ 2010، والتى جاء فيها نصيب الإنفاق على الصحة للناتج المحلى الإجمالى 1.4%، ونصيب الانفاق على التعليم للناتج المحلى الإجمالى 3.7%، بالإضافة لبرامج دعم الغذاء والطاقة، أربع سنوات مرت منذ تنفيذ هذه الموازنة، أربع سنوات مرت هى عمر ثورة يناير، لتأتى موازنة العام المالى 2014/ 2015 بنصيب إنفاق عام على الصحة بنحو 1.7%، والتعليم بنحو 3.9%، وتم تخفيض الدعم بنسب ضخمة فمثلا بلغت نسبة الارتفاع فى الأسعار فى السولار 64%، بالإضافة لقرارات رفع الدعم عن الأسمدة للفلاحين. وتم تطبيق علاوة الحد الأدنى للأجور فى بعض الأماكن فى القطاع الحكومى فى صورة مبالغ محددة غير متكررة للعلاوة، وتم الإعلان عن برامج لا يتضح فيها بعد آليات التنفيذ عن معاشات نقدية للفقراء يبدو ميلها للاستهداف الجغرافى.

•••

يبدو من الملامح السابقة لإدارة الدولة أن بعد العدالة الاجتماعية لم يكن حاضرا، وإنما تراوحت السياسات بين استرضاءات محدودة والسير بخطوات قوية استعادة النمو ثم الضبط المالى الصارم مؤخرا بهدف مواجهة الأزمة المالية، وهو ما استدعى تحميل القاعدة العريضة لعبء تمويل هذا العجز، وخاصة فى الجوانب المتعلقة بالإنفاق العام، مع منح الأولوية فى الترضية ــ ولو مرحليا ـ للعاملين فى الجهاز البيرقراطى للدولة وهم ليسوا الأعلى فى نسبة الفقراء.

بل بدا هذا جليا من أولويات الأجندة التشريعية ــ والتى يجرى العمل بها دون وجود برلمان منتخب بعد ــ والتى قامت وفق رؤية واضحة ومحددة حول المساحة الواجب الحصول عليها لكل طرف وكل قطاع فى الدولة، وأولوية استحقاقه لمجموعة الامتيازات المتعلقة بالتفاوض حول التشريع المقترح ومواد التشريع ذاتها، ربما بدافع اختصار وقت الأزمة المالية والتركيز على تبسيط القوانين والإجراءات التى تعيق الانطلاق. فجاء الدفع بالنمو والاستثمار والخروج من الأزمة وضمان رضا المستثمر الأجنبى على رأس قائمة الأولويات، فى حين تم تأجيل التشريعات المتعلقة بعدالة الأسواق والمنافسة والإفلاس والعمل والحماية الاجتماعية والتأمين الصحى الشامل على الرغم من أهميتها للاستثمار ذاته إذا كانت الدولة تبحث عن استثمار جاد ومستقر وليس فقط صفقات قصيرة الأجل ولو جاءت بضخات قوية.

ولم يتم بأى حال تقديم طرح متكامل لمفهوم الحد الأدنى المقبول للبدء فى معالجة قضية العدالة الاجتماعية فى مصر. هذا الحد الأدنى للحوار كان يستوجب رسم خطوط واضحة لرؤية السياسة الاقتصادية حول دور عنصر العمل فى الإنتاج، فالعدالة الحقيقية تتطلب الانتقال من مرحلة معاملة عنصر العمل على أنه الجاذب الرخيص للاستثمار إلى معاملته على أنه المكون الواجب الاستثمار فيه لرفع كفاءته وإنتاجيته ومنحه كل حقوقه فى التنظيم والمفاوضة.

•••

إن الطرح المتكامل للعدالة الاجتماعية يستوجب كذلك إعادة النظر فى عملية صناعة النمو، وفتح المجال للتعاونيات بأشكالها بعيدا عن السيطرة الحكومية، وضمان عدالة الأسواق منعا للتضخم الهيكلى، وإعادة النظر فى دور المواطن فى مراقبة الإنفاق العام وفى توزيع الإنفاق العام جغرافيا ودوره فى ترتيب أولويات هذا الإنفاق.

يستوجب هذا الطرح كذلك التحرك نحو نظام عادل ومتكامل لمنظومة الحماية الاجتماعية التى تتضمن برامج تجنب المخاطر ومعالجة المخاطر وآثارها، وتتضمن برامج ارتقائية وبرامج مساندة، وتقوم على مفهوم «الحق» وليس «الاستهداف».

للأسف، بقى مفهوم العدالة محصورا بين جانبين أحدهما يراه عائقا لكفاءة الإنتاج، فلابد من الإنتاج أولا والنظر للفقر ومعالجته لاحقا، والآخر لا يرى أبعد من تحصيل الدولة للمزيد من الأموال وضخها فى الإنفاق على البعد الاجتماعى مع الاحتفاظ بجهاز بيروقراطى ضخم يسيطر على الإنفاق العام والتشغيل وإرث حقبة سيطرة الدولة على جميع منابر الانتاج والإدارة. المضحك أن ما حدث بعد الثورة هو الاحتفاظ بجهاز بيروقراطى ضخم وغامض ومنفصل عن المواطن واحتياجاته، والابقاء على جميع الكيانات التى سيطرت الدولة عليها من نقابات واتحادات وتعاونيات كما هى، مع العودة لنموذج الإنتاج النيوليبرالى القائم على الدفع بالنمو والاستثمار وتأجيل قضية معالجة الفقر وتغييب قضية العدالة، وظهور دور أوسع للمؤسسة العسكرية فى الإنتاج والتوزيع.

•••

إن هذه الصورة قد تحمل نتائج أسوأ من تلك التى ثار ضدها المصريون منذ أربع سنوات مضت، حتى وإن حاول الجميع تجنبها لأنها لا تقوم بإعادة إنتاج الماضى فقط وإنما بإعادة إنتاجه بعد فترة طاحنة اقتصاديا للفقراء، كما أن الحرمان من المشاركة العادلة فى صياغة التشريعات فى الوقت الحالى يضيف لتعقيدات الوضع فى المستقبل لأنه يؤسس لحلقات جديدة من الإدارة بالمصالح ومن ثم الهيمنة على صناعة القرار مستقبلا أى التأسيس للمزيد من عدم العدالة، ولا أعتقد أن أحدا يريد ذلك، لأن الصراع حول العدالة مثله مثل الحريات يفرضه الواقع وتطوره ولا يفرض فقط بسبب وجود رؤية حول المستقبل، فبدون العدالة الحقيقية تبقى الأوضاع الاقتصادية كما هى.. غير مستقرة.

ريم عبد الحليم أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة باحثة متخصصة في شؤون الفقر
التعليقات