سهير القلماوي تجدد «ذكرى طه حسين» - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سهير القلماوي تجدد «ذكرى طه حسين»

نشر فى : الجمعة 15 نوفمبر 2019 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 15 نوفمبر 2019 - 9:40 م

بعد وفاة العميد الدكتور طه حسين بعام واحد، بالتحديد فى نوفمبر 1974، أصدرت دار المعارف كتابا صغيرا بعنوان «ذكرى طه حسين» للأستاذة الدكتورة سهير القلماوى، تلميذة العميد، وابنته الروحية والعلمية والإنسانية، وواحدة من الذين ارتبطت أسماؤهم وتاريخهم الحافل بحياة طه حسين، وأستاذيته فى الجامعة.

فى هذا الكتاب الذى صدر فى سلسلة (اقرأ) العدد (388)، تناولت سهير القلماوى ثلاثة جوانب رئيسية من أدب وفكر وثقافة طه حسين، وضمنتها وجهة نظرها بوصفها ناقدة أيضا، تشربت روح النقد وأدواته من أستاذها الجليل، الجانب الأول يعرض رؤيتها فى أبعاد تأثر طه حسين بالثقافة الغربية؛ متمثلا فى كتابه «أحلام شهر زاد». والجانب الثانى يختص بأسلوب الوصف عنده، والجانب الثالث والأخير فتدرس فيه فن القص التاريخى عند طه حسين متخذة من كتابه «الفتنة الكبرى» نموذجا للتحليل والدراسة.

وهذا الكتاب جمع بين أطراف ثلاثة التقت فى دار المعارف، واتصلت بها الأسباب.

كتب السيد أبو النجا، مدير الدار فى ذلك الوقت، ورئيس تحرير سلسة (اقرأ) تصديرا للكتاب، جاء فيه:

«أما دار المعارف فقد كانت تبحث عن كتاب يطاول المناسبة الكبرى (يقصد ذكرى وفاة طه حسين)، فالدار مدينة لطه حسين بالمؤلفات الكثيرة التى نشرتها له، وبالاسم الكبير الذى ارتبطت به، فزادت فى تقدير الناس لها وإقبالهم عليها، وهذه السلسلة بالذات سلسلة «اقرأ» مدينة له بأول كتاب صدر عنها وهو كتاب أحلام شهر زاد. وها هو ذا العام يمر.. وها هى ذى سهير القلماوى تكتب بدل أن تتحدث».

فى كتابها، وذكرياتها عنه، تروى سهير القلماوى عن أستاذها «فى كل درس لطه حسين، وكان يحضر دروسه كل طلبة الكلية تقريبا، يتخلفون عن دروسهم فى أقسامهم، ويأتون معنا ليسمعوه، كنا نجد شيئين لا مناص من أن يوجدا فى درسه، أفقا منفتحا فى الموضوع يغرى بشكل عجيب بالاستمرار فى البحث والدرس، أفقا ينفتح ويمزج بين أطراف الموضوع، وما يمكن أن يتصل به من موضوعات، فى قدرة عجيبة خالقة، تجعل من الحياة كلا متكاملا لا مجال فيها لشىء وحده، أو لفكرة منفصلة عن غيرها، فكان هذا يشعرنا بما يشعر به الإنسان أمام الأثر الفنى الرائع المتكامل».

وأما الشىء الثانى فهو «الفكرة اللماحة المضيئة التى تضىء هذا الأثر الفنى المتكامل بضوء ساحر فريد، لا بد من فكرة بل أفكار جديدة لها طلاوتها وحلاوتها، ولا بد من أفق رحب تجول فيه هذه الأفكار، يتسع ويتسع حتى يشمل الحياة كلها».

تستخلص سهير القلماوى، وهى تلميذة العميد النابغة، فى ذكراه، دروسا ترى أنها التجسيد الأنقى والأنصع لقيمة «الأستاذية» تقول عنه إن طه حسين، وهو من هو علما ومعرفة وأدبا، لم يكن يدخل قاعة الدرس قبل أن يعد له جيدا، وتقول إن عادة طه حسين التى علمنا إياها بأن نجل الدرس، وأن نحترم مقامه فى حياتنا، هى التى تجعلنا إلى اليوم لا ندخل إلى قاعة الدرس قبل أن نعد لدرسنا إعدادا جيدا ودقيقا.

لقد تعلمت القلماوى من طه حسين أن هناك الكثير من العلم والمعرفة غير المدونة فى الكتب، تعلمت منه كيف تعشق الآفاق الرحبة وكيف «نفتح أذهاننا لكل جديد، ولا نحكم على شىء إلا بعد أن نعرفه».

وتعلمت من أستاذها، كذلك، كيف تحب الحياة، فى تجددها واستمرارها، وأن تنتصر لكل مظاهر الحياة على أى مظهر من مظاهر الشلل والجمود والتخلف والرجعية أو بالجملة أى مظهر من مظاهر «الموات»، تصف القلماوى أستاذها بأنه كان «مشغوفا بالتجديد، محبا للشباب، مناصرا للحياة المتجددة، يكره الجمود، والركود، وتحجر الفكر».

لعل أعظم ما فى هذا الكتاب على صغر حجمه، هو إبراز قيمة الأستاذية والرؤية المعرفية لأهم وأكبر مثقف عرفته ثقافتنا العربية الحديثة؛ وهذا ليس ادعاء أو تمجيدا بل حقيقة تثبتها الأيام وتجدد قيمتها وتعترف بها الأعوام، فما زال الطريق طويلا للكفاح من أجل التحرر الفكرى والمعرفى وانتشار قيم الثقافة الإنسانية الحديثة التى بشر بها وحارب دفاعا عنها ليس طه حسين فقط، بل جيله كله من كبار المفكرين والمثقفين المصريين فى النصف الأول من القرن العشرين.. وما زال أحفادهم يكافحون حتى اللحظة!