أين الثوابت القومية لمجلس التعاون؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أين الثوابت القومية لمجلس التعاون؟

نشر فى : الخميس 16 يناير 2014 - 9:40 ص | آخر تحديث : الخميس 16 يناير 2014 - 9:40 ص

أن تكون هناك تباينات كبيرة فى علاقات كل دولة منفردة من دول مجلس التعاون الخليجى مع الدول الأجنبية، غير العربية وغير الإسلامية، فهذا أمر ممكن قبوله. فمثل تلك العلاقات مبنية على المصالح، ولا غير المصالح. وطالما أن المصالح الوطنية لدول المجلس غير متطابقة ولا متماثلة فإنه منطقى أن تكون علاقاتها المبنية على المصالح غير متماثلة أيضا.

لكن ماذا عن علاقات دول مجلس التعاون المشتركة والمنفردة مع دول أمتها العربية؟ هل سنترك تلك العلاقات أيضا لمنطق مصالح كل دولة على حدة، وبالتالى ستكون علاقات متباينة وأحيانا متناقضة، أم أن علاقات دول مجلس التعاون، المشتركة والمنفردة، تحتاج أن تبنى على ثوابت وعلى مبادئ تتخطى منطق المصالح، التى هى بدورها غير ثابتة ودوما متغيّرة صعوداَ وهبوطاَ؟

مناسبة هذا السؤال الحيوى هو ما يراه المراقب للمشهد العربى الحالى، وبالتحديد منذ تفجُر ثورات وحراكات الربيع العربى، من تباينات وتناقضات هائلة فى مواقف دول مجلس التعاون الخليجى مَما يجرى فى الوطن العربى الكبير. وتتَضح صورة تلك التباينات على الأخص فى ساحات من مثل مصر وسوريا والعراق وتونس وليبيا، وذلك بأشكال مختلفة لا تسمح محدودية حجم المقال على الدخول فى تفاصيلها الكثيرة المعقَّدة وغير المستقرَّة.

ونعتقد أن تلك التباينات تعود فى الأساس لغياب رؤية سياسية مشتركة، قائمة على ثوابت قومية، تحدٍّد نوع العلاقة بين مجلس التعاون وبقية دول ومجتمعات وطن الأمة العربية الواحد.

إن مجلسا أعلن فى البيان الختامى لاجتماع قمته الثانى فى عام 1981، أى سنة بعد قيام المجلس، هذه الجملة المبهرة: «واستعرض المجلس الوضع العربى الراهن، ونهوضا بمسئولياته القومية فى ضرورة تحقيق التضامن العربى وإزالة الخلافات بين الدول العربية الشقيقة ونبذ الفرقة وتأكيد وحدة الجهود، وتمشيا مع المبادئ التى جاءت فى النظام الأساسى بأن مجلس التعاون جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، فقد قرر المجلس بأن تقوم الدول الأعضاء بمساعٍ حثيثة بغية تحقيق وحدة الصف العربى».. إن مجلسا أشار فى مراحل مبكّرة جدا من عمره إلى «مسئولياته القومية» وإلى أن المجلس «جزء لا يتجزأ من الأمة العربية» كان عليه أن يباشر فى تبنّى وثيقة سياسية تفصّل مسئوليات المجلس القومية للتعامل على الأقل مع حقول السياسة والاقتصاد والأمن العسكرى والغذائى والتنمية الإنسانية والهوية العروبية.

•••

لو وضعت الأسس والثوابت آنذاك، وطوٍّرت عبر الثلث قرن من عمر المجلس، لوجدت بوصلة تحكم علاقة المجلس بأمته العربية. كانت تلك البوصلة ستبيٍّن أن تحرير دول المجلس من الاعتماد على ثروة النفط الناضبة يحتاج الى توسيع القاعدة الاقتصادية الإنتاجية، وأن ذلك التوسيع لا يمكن أن ينجح فى المدى البعيد إلا أذا اعتمد فى الأساس على سعة الأسواق العربية بدلا من الاعتماد الكلى على أسواق العالم المتذبذبة وغير المضمونة كما أبانته الأزمة المالية العولمية فى سنة 2008.

كانت تلك البوصلة ستشير إلى أن الحفاظ على الهوية العروبية فى دول المجلس لن يكون ممكنا إلا بالاعتماد على رفد العمالة الوطنية بالعمالة العربية، لا بالعمالة الأجنبية غير العربية.

كانت البوصلة ستؤكد أن التوازن الاستراتيجى فى الخليج العربى كان يتطلب الالتحام بجناحيه: العراق فى الشمال واليمن فى الجنوب. وكان ذلك كفيلا بعدم الحاجة لعودة الجيوش والمعدّات الأجنبية لحماية هذا الوضع أو ذاك النظام.

كانت البوصلة ستحرك التوجه نحو البحث عن الأمن الغذائى فى أراضى العرب الممتدة من الخليج الى المحيط بدلا من الارتهان لهذا المصدر الأجنبى غير المؤتمن أو ذاك.

وكانت البوصلة على الأخص ستمنع دول المجلس من الانخراط فى الصّراعات المحليّة بين مكونات أى قطر من أقطار الوطن العربى، وتبقى المجلس، كما جاء فى بيانه الختامى ذاك، مصدر إزالة للخلافات العربية ونبذ للفرقة ومصدر دفع نحو التضامن والتعاضد.

•••

القائمة طويلة جدا وتجليات الثوابت كثيرة. لو اتفق عليها منذ البداية وعمل بها منذ البداية لاستطاع مجلس التعاون أن يلعب أدوارا مفصلية فى منع أو تخفيف مآسى الحرب العراقية ــ الإيرانية ومهزلة احتلال الكويت وعار دخول الجيوش الغازية أرض العراق، ومن بعد كل ذلك لعب دور اَلأخوة والتقريب وإطفاء الحرائق فى دوامة الجنون الطائفى والعرقى الذى أصاب مؤخّرا الوطن العربى كلّه وفتح الأبواب أمام كل قوى الشر الأجنبية والصهيونية لتدخل منه.

أمام هذا التاريخ المفجع من ترك علاقة المجلس بوطنه العربى الكبير حبيس الصدف والأزمات وصراعات الدول الكبرى، ألم يحن الوقت للتفكير فى وضع ثوابت وخطوط حمر وبوصلات هادية تؤدّى إلى منع الخلافات والتباينات والتضادَّات فى نظرات ومواقف دول مجلس التعاون لما يجرى فى ساحات الوطن العربى الكبير ليكون المجلس مصدر أمن وتقريب وتوحيد ومساهمة حقيقية عاقلة فى إخراج الوطن العربى من الجحيم الذى يعيشه؟

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات