«الحرب الإلكترونية» تبدو خيالية لكنها حقيقة.. ونحن نخسر - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الحرب الإلكترونية» تبدو خيالية لكنها حقيقة.. ونحن نخسر

نشر فى : الجمعة 16 يناير 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 يناير 2015 - 8:50 ص

نشرت صحيفة التليجراف البريطانية مقالا للكاتب فريزر نيلسون حول قرصنة شركة سونى بيكتشرز من قبل كوريا الشمالية، تهديدا منها لعدم نشر فيلم «المقابلة»، وما تعكسه هذه الحادثة من تغير شكل الحروب وإيجاد ميدان مختلف لها. وفى المقدمة يضرب الكاتب مثالا حدث قبل خمس سنوات، حينما أُصيبت كوريا الجنوبية بفيروس استولى على أكثر من 20 ألف جهاز كمبيوتر، ودفعها إلى مهاجمة البنوك ومحطات التليفزيون ووزارة الدفاع. وتم تكليف شركة فيتنامية للتحقيق، وتولت بالفعل تعقب نظام الهجوم لتصل إلى شركة إنترنت صغيرة فى برايتون ــ ولم تكن بطبيعة الحال، تعرف شيئا. ففى الحرب العادية تستطيع أن تعرف من أين تم إطلاق الصاروخ لترد عليه. ولكن فى الحرب الإلكترونية يمكنك التخمين فقط ــ كما يحدث فى هوليوود.

ويرى الكاتب أنه من المستحيل أن يُلقى باللوم على كوريا الشمالية فى عملية القرصنة التى أحرجت شركة سونى بيكتشرز، واضطرتها إلى سحب فيلم «المقابلة»، وهو فيلم عن مؤامرة لقتل كيم يونج أون. وهو كوميديا هوجاء عن ضيف أحد البرامج الحوارية تم إرساله لاغتيال كيم، ويعرض الفيلم الكثير من المواقف المضحكة عن الزعيم الذى يدعى القدرة على التحدث مع الدلافين وعدم الحاجة للذهاب إلى الحمام. ولم ير نظامه الجانب المضحك وهدد بإجراءات رد قاسية إذا مضت سونى قدما فى عرض الفيلم.

•••

ولما كانت كوريا الشمالية تهدد كل يوم تقريبا، باتخاذ إجراءات قاسية للرد، لم يؤخذ هذا التهديد، فى حد ذاته، على محمل الجد ــ حتى قامت جماعة قرصنة تدعى «حراس السلام» بتعطيل نظام كمبيوتر سونى، ومسحت البيانات، وسرقت ما قيمته 10 سنوات من رسائل البريد الإلكترونى ونشرت المقتطفات الأكثر إحراجا منها. ثم انتقل المتسللون إلى تهديدات أكثر خطورة، والتى تمثلت فى رسالة نصها «قريبا، سوف يرى العالم كله ما صنعه فيلم سونى بيكتشرز انترتينمنت، الشنيع. سوف يمتلئ العالم بالخوف. تذكروا 11 سبتمبر 2001، « وتوعدوا: كل العالم سوف يشجب سونى».

ويستعجب نيلسون إلى أى مدى كان الفيلم شنيعا، أو غير ذلك. وربما يبدو التهديد فى حد ذاته وكأنه فيلم كوميدى ساخر، لكنه كان كافيا لدفع سلاسل السينمات الأمريكية إلى القول أنها لن تحجب الفيلم. وعلى أثر ذلك ألغت سونى ما كان من المفترض أن يكون نشرته للكريسماس. واتهم النجم السينمائى روب لوى، هوليوود باسترضاء الحكام المستبدين. وندد جيمى كيميل، أحد مذيعى البرامج الحوارية فى الولايات المتحدة، بما وصفه بأنه «عمل جبان يبرر الأعمال الإرهابية ويشكل سابقة مرعبة». وهما محقان فقد منيت هوليوود بهزيمة ــ ربما على كوريا الشمالية الصغيرة، المفلسة، غريبة الأطوار.

•••

وترمى توقعات الكاتب إلى أكثر من هذا، فقد تبدو عبارة «الحرب السيبرانية» خيالية عند البعض، ولكنها حقيقية، والغرب يخسر فيها. ولم تكن الأزمة بشأن فيلم «المقابلة» سوى مجرد المثال الأكثر إثارة لهذا النوع من الصراع الذى كان يحدث لسنوات. وتصنف وزارة الدفاع الأمريكية الإنترنت باعتباره الميدان الرابع من ميادين الصراع العسكرى بعد البر والبحر والجو. كما تعتبره استراتيجية ديفيد كاميرون للأمن القومى واحدا من أكبر أربعة تهديدات لبريطانيا. ويمتد اختصاص إدارة الأمن MI5 الآن إلى المساعدة فى حماية الشركات ضد ما تسميه «النشاط الإلكترونى لدولة معادية».

وهذه حرب غير مرئية، تضع الغرب فى وضع صعب جدا. ويمكن أن يعكف الروس والصينيون طوال العام على تطوير طرق أفضل لسرقة أسرار من منافسيهم فى بريطانيا، ولكن من الصعب، من الناحية القانونية، بالنسبة لبريطانيا، أن تشن هجمات مرتدة. وكان ديفيد كاميرون سخيا فى تمويل جهاز الاتصالات الحكومية، المسئول عن بحث ما إذا كان من المرغوب فيه أو حتى من الممكن بالنسبة لبريطانيا قطع الخدمة عن بكين. ولكنها تراعى القوانين، فى حين لا يفعل الخصوم ذلك. ومن المستحيل الوصول إلى حل دبلوماسي، لأن كل الهجمات يتم إنكارها.

ويضرب نيلسون المثل بروسيا، حيث كان لديها فيلق من المحاربين السيبرانيين، يهددون البلدان التى يرغب الكرملين فى زعزعة استقرارها. وقبيل النزاع فى أوسيتيا الجنوبية عام 2008، تعرضت الشركات مقدمة خدمة الكمبيوتر فى جورجيا لهجوم متواصل. وكانت إستونيا قد تعرضت للهجوم فى العام السابق. وقبل بضعة أشهر، تبين أن سفارات دول الكتلة السوفييتية السابقة تم اختراقها لسنوات من قبل جماعة معروفة باسم «تورلا». وعندما يوجه إلى روسيا اتهام، فإنها تشير إلى أن متسللين وطنيين يتصرفون من تلقاء أنفسهم. فهل يمكن أن تعتبر حكومة مسئولة عن تصرفات مجانين الكمبيوتر؟

•••

ويبين الكاتب أن الهجمات الإلكترونية أصبحت أكثر جرأة وفظاظة على مر السنين، خاصة من الصين، التى كرست قسما عسكريا بأكمله للتجسس السيبراني. فيقول المحققون الأمريكيون: إن لديهم الآن دليلا على أن جنودا صينيين يعملون فى مكتب شنغهاى للأمن (يسمى «وحدة 61398») يقومون بالتجسس على العديد من الشركات الأمريكية. حتى إن هيئة محلفين فى ولاية بنسلفانيا، حددت أسماء خمسة ضباط من الجيش الصينى مسئولين عن ذلك، ولكن الحكومة تنفى ذلك وتلقى باللوم على الصينيين المتسللين عشوائيا. ويقول المحلفون إنهم موجودون حتى فى أمريكا.

وهكذا، حتى عندما يكون لدى وكالات الاستخبارات ملفا مفصلا لجرائم الإنترنت، فمن الصعب الوصول إلى أى حل معها. فهى معركة غير عادلة، حيث تواجه القوات العسكرية الغربية البيروقراطية الضخمة، متسللين أذكياء، دائمى التحول لا يخضعون للقانون. ويكافح البعض من أجل توجيه الاتهام. وهم لا يجدون صعوبة فى إنكار. وتعتبر البيروقراطيات جيدة فى تركيز المعلومات، ولكنها سيئة فى تأمين ذلك - وهذا هو السبب فى أن برادلى مانينج، أحد المفتشين السريين فى الجيش الأمريكى، استطاع تمرير الكثير من الأسرار إلى ويكيليكس. ولا عجب فى أن يستطيع قراصنة صينيون العثور على كل ما يريدون تقريبا.

ويتناول الكاتب منطقة الشرق الأوسط بالإشارة إلى الإسرائيليين، فلديهم برنامج يسمى تلبيوت، والذى يجند أذكى الخريجين للعمل على أنظمة الكمبيوتر العسكرية. ومنذ فترة وجيزة، كان فرانسيس مود، وزير شؤون الحكومة البريطانية فى تل أبيب، وأبدى الإعجاب بكيفية تسخير الحكومة الإسرائيلية للمواهب الريادية ــ وهو شىء يمكن أن يتكرر، بطبيعة الحال، فى بريطانيا من وجهة نظر الكاتب. ووسط كل التخفيضات فى الإنفاق، زادت ميزانية الأمن السيبرانى فى بريطانيا، والتى تعد، عموما، أفضل من معظم الدول الغربية فى هذا الصدد. ولكن هذا لا يعنى الكثير.

•••

ويعرض الكاتب ما قدره مكتب الاتصالات الحكومى بأن نحو 80 فى المائة من الهجمات الإلكترونية فى بريطانيا ترجع إلى عدم تطبيق القواعد الأساسية لأمن الإنترنت. وصعب حل هذه المشكلة لأن الشركات لا تميل إلى التشارك فى الأسرار مع بعضها البعض ــ حيث تفضل المنافسة على التعاون. ولا تقبل الشركات الاعتراف، حتى لموظفيها،أنها تعرضت لاختراق. (من المفهوم أنه يجرى الآن رفع دعوى ضد سونى من قبل الموظفين الذين يقولون إنه لم يحظوا بالرعاية الكافية لحفظ بياناتهم الشخصية من المتسللين).

ولكن الشركات والجواسيس يواجهون نفس التهديد من نفس الناس ــ وهم بحاجة إلى تعلم كيفية التعاون. وفى العام الماضى، طرح مجموعة من المحللين من الأمن البريطانى ومكتب الاتصالات نظام الشراكة فى معلومات الإنترنت سايبر يمكِن رجال الأعمال من الاعتراف بنقاط الضعف والتعلم من بعضهم البعض. لكنهم يعرفون أن القراصنة يتعلمون بمعدل أسرع، ويستطيعون التفكير فى طرق جديدة للمهاجمة وزعزعة الاستقرار.

التعليقات