فاروق حسنى.. نيران صديقة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فاروق حسنى.. نيران صديقة

نشر فى : الخميس 16 أبريل 2009 - 4:58 م | آخر تحديث : الخميس 16 أبريل 2009 - 4:58 م

 يخوض وزير الثقافة فاروق حسنى معركة طاحنة يتعرض فيها لنيران من الأصدقاء والأعداء. أما النيران الصديقة فتأتيه من الدوائر القريبة التى تخضع لتأثيره ونفوذه شخصيا، وتدين له فى بعض الأحيان بالولاء. وأما النيران العدوة فتأتيه من حيث يدرى ولا يدرى، وهى فى الأغلب من الأوساط الدولية التى تقيس الأشخاص والدول بمعايير أخلاقية عالمية، تخضع للتلاعب فى معظم الأحيان، وتحتاج إلى باع طويل من الصبر والدهاء والعمل فى الخفاء.

وما كان على فاروق حسنى من لوم لو أنه أراح واستراح، ولم يستجب لطموحاته الشخصية وطموحات مصر فيرشح نفسه لمنصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو، التى تتبارى الدول ذات الرصيد الوافر من العمل فى مجال الثقافة والتعليم والحفاظ على التراث الإنسانى للفوز به، علاوة على ما حققته فى هذا المضمار من تقدم على المستوى الدولى. فضلا عن أن يكون ترشيح الدولة نفسها له، نابعا من إنجازات مشهودة وتاريخ من العمل الذى يحسب لأبنائها، والذى يمثل تفوقا حضاريا مستمرا لا تشوبه الشوائب.

وقد بدت حظوظ فاروق حسنى وحظوظ مصر فى البداية مبشرة وواعدة، فالرجل بعلاقاته الدولية وبإنجازاته المحلية فى الحفاظ على الآثار وفى الترويج للتنوع الثقافى وتشجيع الفن والأدب ونسج علاقات قوية مع الدول المجاورة من أبناء الحضارة العربية والمتوسطية حقق على مر أكثر من 18 سنة كثيرا من الإنجازات، وكانت نقطة الضعف الوحيدة التى استغلها الخصوم التقليديون من بنى إسرائيل وأصدقائها ذوى النفوذ الكاسح على مستوى العالم، هى مجاهرته بمعاداة التطبيع الثقافى. ولم تكن هذه مشكلة فاروق حسنى بقدر ما كانت مشكلة السياسية العربية فى العلاقات المزدوجة والملتبسة التى ربطت مصر والعالم العربى بإسرائيل.

وحين شرع فاروق حسنى فى تصحيح هذا الوضع متأخرا لأن الإنسانية لم تعد تقبل التفرقة الثقافية والعنصرية بين الثقافات والأجناس، حاول أن يبنى على الجهود التى بذلها المثقف والمفكر الفلسطينى الراحل إدوارد سعيد حين أنشأ فريقا موسيقيا بمشاركة قائد الأوركسترا العالمى بيرنبوم، داعية السلام والمناهض للصهيونية، وبمجرد أن ذاعت أنباء وصول الفريق لتقديم بعض «حفلات» حتى انقلبت الدنيا رأسا على عقب، وصوبت السهام لفاروق حسنى من أصدقائه وأعدائه.

وفى مثل هذه الحالات، تتخلى الدولة عن رجالها، فهى تريد نصرا بغير ثمن. وهى ليست مستعدة لخوض معركة مثل تلك التى خاضتها لتصدير الغاز لإسرائىل، أو لإتمام صفقات الكويز وبيع الأسمنت الذى تستفيد منه حفنة من التجار والسياسيين. مع أن كسر التابوهات التى عكفت إسرائىل على الاستفادة منها وحدها نصف قرن، وعلى تكريس الاعتقاد بأن تعصب العرب والمسلمين ورفضهم للثقافات الأخرى، وعجزهم عن التعايش مع الآخرين هو السبب فى فشل محاولات السلام. وما كان علينا إلا أن ننتظر وصول نتنياهو وليبرمان لنقنع العالم بضلال المقولات الإسرائيلية.

المدهش فى الأمر أن فاروق حسنى قد ينجح فى إقامة حفلة أو حفلتين لبيرنبوم فى الأوبرا. ولكنه لن ينجح فى صد النيران الصديقة التى جاءته من بين يديه ومن خلفه، عندما صدر الحكم القضائى بإغلاق مجلة «إبداع» الثقافية، لأنها نشرت قصيدة قديمة لشاعر مبدع عن «شرفة ليلى مراد»، اعتبرها المتعصبون طعنا فى الذات الإلهية، لا يجوز مناقشتها أو تأويلها.. مع أن الشعر الصوفى القديم يمتلئ بأبيات وقصائد تتحدث عن الغزل الإلهى وعن الوحدة والحلول وعن الحبيب الأول..

طبعا، ليس هذا ذنب فاروق حسنى، ولكنه ذنب الدولة التى لم تدرك بعد أن الثقافة الإنسانية أوسع مجالا من هذه الأصنام الفكرية والكوابيس الثقافية التى نعيش فيها. الدنيا كلها تعرف ذلك. فإذا جاءت النتيجة بغير ما نتوقع، فنحن نستحق ذلك، وليس لنا أن نغضب.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات