حالة إنكار - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حالة إنكار

نشر فى : الجمعة 16 أكتوبر 2009 - 11:17 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 أكتوبر 2009 - 11:17 ص

 تمر مصر والأمة العربية حاليا بحالة تتراوح بين الاعتراف والإنكار، بل هى إلى الإنكار أقرب. إنكار لمصالحها المباشرة. وإنكار لقدرتها على اتخاذ المواقف الحاسمة والمبادرات الملهمة. وإنكار لعلاقة الضعف والاستخذاء التى تفرض عليها. وسرعان ما ينعكس الضعف الخارجى إلى صخب داخلى وخلافات مصطنعة حول قضايا تافهة لا تقدم ولا تؤخر فى تطور المجتمع، ولا تساعد إلا على البقاء فى نقطة الصفر دون تقدم، مثل قضايا النقاب والحجاب التى يشعلها دعاة الفضائيات والمسئولون عن الأزهر والجامعات، وتتحول إلى مشكلة مثيرة للأعصاب، تلفت الأنظار عما هو أهم.. عما يجرى فى القدس أو عن التدخلات الأمريكية لإفشال المصالحة الفلسطينية التى أنفقت فيها مصر جهودا مضنية. ولكن ما دامت تلك المصالحة لا تأتى على هوى نتنياهو، فالأولى أن تسقط من الحسبان، والعرب على استعداد للاستسلام لنتائجها.

غير أن أخطر مظهر للتعبير عن حالة الإنكار التى نغرق فيها، هو هذا الصمت المريب الذى يحيط بمستقبل الحكم فى مصر، ونحن نقترب من الانتخابات المقبلة خلال أشهر فى عام 2010، والتى ستفرض طريقة إجرائها ونتائجها شكل الانتخابات الرئاسية عام 2010، وتحسم قضية التوريث، وتحدد مصير الحياة السياسية ومستقبل المعارضة الحزبية، وما الذى يمكن أن تفعله حكومة الحزب الوطنى فى التعامل مع الإخوان المسلمين، وهل تمتلئ بهم السجون مرة أخرى؟

الإنكار والصمت والغموض هى الحالة التى تثير القلق، ليس فى مصر وحدها بل فى عواصم العالم ومراكز الدراسات والأبحاث السياسية التى تتابع بدقة ما يحدث. فلا يكاد يمر يوم دون تقرير ينشر فى الخارج، فى الصحف الأمريكية أو البريطانية عن الأجواء التى تحيط بنظام الحكم فى مصر. وموقع جمال مبارك من خلافة أبيه أو مدى قدراته ومؤهلاته السياسية والشعبية لتحمل مسئوليات الحكم، ويكاد يكون هناك تسليم بأن انتقال السلطة يمكن أن يتم دون عقبات، حيث يسيطر نظام الحزب الواحد ــ الحزب الوطنى ــ على مقاليد الحياة السياسية والسلطة التنفيذية والتشريعية. وتتفرق أحزاب المعارضة فيما بينها دون أن يكون لها أدنى تأثير على الشارع المصرى وعلى مسار الأحداث، ويجرى ضرب الإخوان بجميع الوسائل المتاحة أمنيا وقضائيا وإعلاميا لمنعهم من دخول الانتخابات المقبلة.

حالة الإنكار هذه حدت باللورد ديفيد أوين وزير خارجية بريطانيا الأسبق ــ فى محاضرة له بالقاهرة نظمتها مؤسسة هيكل ــ لكى يقول إن مصر وصلت إلى مرحلة لابد فيها من إعادة النظر فى مدة حكم الرئيس. وهو ما يعنى ضرورة تعديل الدستور مرة أخرى، أى المادة 77 التى تركت عمدا فى التعديلات السابقة، لتحديد مدة الرئاسة بمدتين على الأكثر.

حالة الإنكار هذه هى التى تدعو البعض للزج بأسماء شخصيات مثل محمد البرادعى أو عمرو موسى أو زويل أو غيرهم كمرشحين للرئاسة دون علم أى منهم ودون أن يتصل بهم أحد من القوى السياسية التى ادعت أنها فاتحتهم فى هذا الموضوع. ولا يكفى أن تعلن بعض الأحزاب أنها على استعداد لتأييد فلان أو علان إذا رشح نفسه، وهم يعلمون أن عملية الترشيح للرئاسة قد تمت صياغتها بطريقة لا تدع فرصة للتعددية أو المنافسة الجادة بين مرشحين. وهو ما يضفى روحا من عدم الجدية فيما يصدر من بيانات وتصريحات عن هذه الأحزاب، ويجعل مسألة الترشيح للرئاسة وكأنها لعبة.. الأمر الذى يترك الفرصة مفتوحة أمام الحزب الوطنى لترتيب الأوضاع بما يتفق ومخططاته.

تنعكس حالة الإنكار والانتظار هذه على أوضاع مصر الإقليمية بشكل واضح يضعف من موقعها ونفوذها فى العالم العربى. ويجعلها شبه معزولة عما يجرى من حراك سياسى واسع النطاق.. أعاد المياه إلى مجاريها بين السعودية وسوريا، وبدد الغيوم التى تسببت فيها أزمة لبنان. بينما بقيت مصر خارج المثلث دون سبب واضح. ثم من ناحية أخرى وقع تطور مثير فى العلاقات بين سوريا وتركيا، فوقع الطرفان اتفاقيات للتعاون وفتح الحدود وإلغاء التأشيرات بين البلدين. والملاحظ أنه بينما تتحرك تركيا تحركات إيجابية فى المنطقة وبخطوات محسوبة فى علاقاتها مع إسرائيل حيث رفضت إجراء مناورات عسكرية مشتركة معها، ورفضت محاولات إسرائيل لمحاصرة إيران بسبب برنامجها النووى، فإن مصر لم تقلل من اعتمادها على حسن نوايا إسرائيل فى عملية السلام، وواصلت أمريكا جهودها لتعطيل المصالحة الفلسطينية، فى الوقت الذى لم يتورع ميتشيل فيه عن الدعوة لبدء المفاوضات دون أن يعترف بفشل أمريكا فى وقف الاستيطان!

لقد أبعدت مصر والدول العربية نفسها عما يجرى من تفاهمات ومباحثات بين الغرب وإيران حول برنامجها النووى. وعمدت أطراف عربية من بينها مصر إلى تضخيم الخطر النووى الإيرانى وتجاهل الخطر النووى الإسرائيلى.

حالة الإنكار والانتظار هذه التى حبست مصر نفسها فيها داخليا، تنعكس بشدة على علاقاتها وسياساتها الخارجية، على نحو يبرر ما يردده البعض من أن مصر فقدت مكانتها ودورها فى المنطقة العربية!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات