هل المصريون قابلون للاستبداد..؟! - علاء الأسواني - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 4:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل المصريون قابلون للاستبداد..؟!

نشر فى : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 5:36 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 5:36 م

 وفاة مواطن واحد ضحية لاعتداء ظالم من الشرطة، أدت إلى اندلاع انتفاضة كبرى فى اليونان.. وفى العالم كله، ما إن تحاول أى حكومة تزوير الانتخابات حتى ينزل ملايين المتظاهرين فى الشوارع، ولا تهدأ ثورتهم حتى يتم إلغاء الانتخابات وتقديم المزورين للمحاكمة..

بالمقابل، فإن ما يحدث فى مصر يعتبر فريدا من نوعه. فالانتخابات تزور بانتظام، والضحايا يتساقطون يوميا من جراء تعذيب الشرطة، ونصف المصريين على الأقل يعيشون تحت خط الفقر، بل إن ضحايا الفساد والإهمال من شهداء العبارات الغارقة والقطارات المحترقة، والمبيدات المسرطنة، قد فاق عددهم شهداء مصر فى كل الحروب التى خاضتها.

هذه المظالم تكفى لاندلاع عشر ثورات، لكنها فى مصر لم تؤد حتى الآن إلى تمرد شعبى حقيقى. صحيح أن حركات الاعتراض والاعتصامات والمظاهرات تتزايد كل يوم، إلا أنها مع ذلك تظل أقل بكثير من حجم معاناة المصريين، مما يدفعنا إلى التساؤل: هل المصريون بطبيعتهم قابلون للاستبداد، وأكثر استعدادا للإذعان والخضوع من الشعوب الأخرى؟ الإجابة نجدها فى التاريخ..

فقد خاض المصريون نضالا طويلا مريرا ضد الاحتلال البريطانى، ودفعوا ثمنا باهظا وقدموا آلاف الشهداء حتى أرغموا بريطانيا، أكبر قوة استعمارية على وجه الأرض آنذاك، على أن ترحل عن مصر..

وهذا واحد من عشرات الأمثلة التاريخية، يدل على أن الإذعان للظلم ليس عيبا خلقيا فى طبيعة المصريين، وإنما هو حالة طارئة مستحدثة جعلت المصريين يبدون الآن وكأنهم شعب خاضع مذعن، قدرته على تحمل الظلم بلا حدود.. وظاهرة إذعان المصريين ترجع فى رأيى إلى سببين:

أولا: بالرغم من الاحتلال البريطانى واستبداد القصر، فإن القمع الذى مورس على المصريين قبل ثورة 1952 أقل بكثير من ذلك الذى مارسته عليهم حكوماتهم الوطنية.. وقد كان والدى، الكاتب الراحل عباس الأسوانى، من الناشطين فى حركة مصر الفتاة، مما أدى إلى اعتقاله بشكل منتظم خلال الأربعينيات، فلم يتعرض للتعذيب مرة واحدة أثناء اعتقاله، بل إنه فى يناير 1952 قبض عليه بتهمة التحريض على حريق القاهرة (وكانت عقوبتها الإعدام آنذاك) فتم احتجازه فى سجن الأجانب، حيث تلقى مع بقية المتهمين معاملة إنسانية كريمة، وكانت أسرته تبعث إليه بالغداء يوميا من أفخم مطاعم القاهرة، وتمده بالسجائر الأجنبية من النوع الذى يفضله..

ولا يمكن مقارنة ذلك، إطلاقا، بالتعذيب البشع الذى تعرض له المعتقلون السياسيون على أيدى حكوماتهم الوطنية بدءا مع عهد عبد الناصر وحتى الآن.. بل إن حادثة دنشواى التى درسناها فى المرحلة الابتدائية كدليل دامغ على جرائم الاحتلال البريطانى، تعتبر فعلة هينة إذا قورنت بالجرائم التى يرتكبها اليوم ضابط واحد من زبانية أمن الدولة فى حق أبناء وطنه..

وهنا يتضح أن القمع المروع غير المسبوق الذى تعرض له الإنسان المصرى منذ الثورة حتى الآن، قد أدى للأسف إلى كسر روح المبادرة فى نفوس المصريين. لقد استبعدت الدولة البوليسية الإنسان المصرى تماما من المشاركة الحقيقية فى أحداث بلاده..

وقد تربت أجيال متعاقبة من المصريين على الانسحاب الكامل من العمل العام، وانتشرت روح اليأس من التغيير، واستقر فى يقين المصريين أنه لا جدوى من الاعتراض على الحاكم، لأنه سوف يفعل ما يريده شئنا أم أبينا، بل إن قطاعا عريضا من المصريين يعتبر العمل بالسياسة دليلا على السذاجة أو الحماقة التى لن تجر على صاحبها إلا المصائب...

وأنا لا أعتبر عزوف المصريين عن العمل العام دليلا على جبنهم أو تخاذلهم.. ففى أى بلد فى العالم، عندما يعلم المواطن أن اشتراكه فى مظاهرة سيؤدى حتما إلى اعتقاله وضربه وتعذيبه، وقد يؤدى إلى هتك عرض زوجته أو ابنته أمام عينيه أو اعتقاله لسنوات.. من الطبيعى عندئذ أن يفكر ألف مرة قبل أن يشارك فى العمل السياسى.

ثانيا: منذ السبعينيات، انتشر فى مصر التفسير السلفى الوهابى للدين، وساعد على ذلك عوامل عديدة.. استعمال أنور السادات للدعاية الدينية من أجل تدعيم نظام الحكم، وارتفاع أسعار البترول بعد حرب أكتوبر مما منح السعودية قوة تأثير غير مسبوقة، ثم قيام الثورة الإيرانية التى اعتبرها النظام السعودى خطرا محدقا، فأنفق مليارات الدولارات لنشر الفكر الوهابى الذى يعتبر المعادل الدينى، وصمام الأمن لحكم آل سعود..

أضف إلى ذلك أن ملايين المصريين قد أرغمهم الفقر على العمل فى السعودية والخليج لسنوات عادوا بعدها وقد تشبعوا بالأفكار السلفية.. ومن عيوب الفكر السلفى أنه يحجب عن الناس الرؤية الموضوعية للواقع، فمهما تكن المعاناة والمظالم التى يتعرض لها المسلم، لن تخرج فى المفهوم السلفى عن احتمالين:

إما أن تكون عقابا من الله على ذنوب ارتكبها أو اختبارا من الله لمدى إيمانه وصبره على المكاره، ومن الطبيعى أن يؤدى هذا الفهم للدين إلى تخدير عقول الناس وإضعاف إرادتهم مما يجعلهم أكثر استعدادا لقبول الظلم والخضوع للاستبداد..

ولا يجب أن ننسى هنا الحصانة الكاملة التى يمنحها الفكر السلفى للحاكم.. فالرأى الغالب عند السلفيين وجوب الطاعة المطلقة للحاكم مادام يؤدى شعائر الإسلام، حتى وإن ظلم الرعية وقمعهم ونهب أموالهم..

وهذا الفهم أبعد ما يكون عن الإسلام الحقيقى، لكنه إرث فكرى متخلف انتقل إلينا من فقهاء السلطان الذين استعملوا الدين لتدعيم الطغاة فى عصور الانحطاط.. على أن انتشار هذه المفاهيم قد ساعد بالتأكيد على تعطيل إرادة المصريين السياسية. ولعل ذلك يفسر لماذا يغضب السلفيون فى مصر من مشهد عار فى فيلم سينمائى أو أغنية مصورة فيعلنون الحرب ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها..

بينما يتفرجون، فى نفس الوقت، على تزوير الانتخابات ومحاولات التوريث واعتقال الأبرياء وتعذيبهم، فلا يحركون ساكنا وكأن الأمر لا يعنيهم. والسبب فى ذلك أن الفصل الخاص بالحقوق السياسية محذوف أساسا من كتاب الفكر السلفى.. وقد أدى هذا الفهم المغلوط للدين إلى اتساع الفارق بين المظهر والجوهر فى حياتنا اليومية بشكل غير مسبوق....

فانتشرت فى مصر ظاهرة التدين البديل، حيث تم اختصار الإسلام العظيم فى العبادات والمظاهر فقط.. وبدلا من الجهاد لتحقيق المبادئ التى نزل الإسلام من أجلها: الحق والعدل والحرية..

اقتصر مفهوم التدين البديل على أداء الصلوات ولبس الحجاب والنقاب وتلاوة الأدعية وتحريم الدبلة الذهبية وما شابه ذلك. والحق أننى أتأمل يوم الجمعة آلاف المصريين الذين يزحفون إلى المساجد لأداء الصلاة وأتعجب: فهؤلاء المتدينون الخاشعون بصدق، يعتبرون أن ترك الصلاة أو شرب الخمر أو تبرج النساء ذنوبا عظمى لا يمكن السكوت عليها أبدا..

لكنهم فى نفس الوقت يعيشون أذلاء تحت حكم استبدادى يزور إرادتهم ويقمعهم ويستهين بحقوقهم الإنسانية والسياسية.. ومع ذلك لا يجدون فى ذلك الخنوع ما يجرح عقيدتهم الدينية..

الخلاصة: إن الإنسان المصرى ليس مذعنا ذليلا بطبيعته، لكن المجتمع مثل الإنسان يصح ويمرض.. والمجتمع المصرى الآن مصاب بمرض الإذعان للظلم، نتيجة لقمع الدولة البوليسية والقراءة المتخلفة للدين.. واجبنا الأهم أن نتخلص من ذلك الإذعان المشين.. عندئذ سوف نستعيد قدرتنا على صنع ما يحدث فى بلادنا، عندئذ سوف نواجه الظلم ونسقطه وننتزع المستقبل الذى تستحقه مصر..

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

العنوان الإليكترونى
Dralaa57@yahoo.com

علاء الأسواني طبيب أسنان وأديب مصري ، من أشهر أعماله رواية عمارة يعقوبيان التي حققت نجاحا مذهلا وترجمت إلى العديد من اللغات وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني ، إضافة إلى شيكاجو ونيران صديقة ، وهو أول مصري يحصل على جائزة برونو كرايسكي التي فاز بها من قبله الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ، كما أنه صاحب العديد من المساهمات الصحفية.
التعليقات