ماذا يعنى إفلاس دولة؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 3:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يعنى إفلاس دولة؟!

نشر فى : الأحد 17 أبريل 2022 - 9:10 م | آخر تحديث : الأحد 17 أبريل 2022 - 9:10 م
كيف ومتى يتم إعلان إفلاس دولة، وكيف يمكن لهذه الدولة أن تخرج من هذه الحالة، وتعود دولة طبيعية فى الاقتصاد العالمى؟!
عمليا فان إفلاس الدولة يتحقق حينما تعجز عن سداد أقساط وفوائد الديون وقت استحقاقها.
هذا الأمر يمكن أن يتم بإعلان رسمى من حكومة هذه الدولة، أو من دون إعلان رسمى.
وبهذا التعريف الذى وضعه معهد تمويل الشركات الدولى فإن لبنان فى حالة إفلاس فعلية لأنه توقف عن دفع أقساط الديون منذ مارس ٢٠٢٠، ثم إن مصارف لبنان صارت عاجزة عن رد الإيداعات الدولارية فيها، إلا بسعر صرف متهاوٍ، وإذا كان الأمر كذلك فإن خبراء اقتصاديين يستغربون من انزعاج البعض من تصريحات سعادة الشامى نائب رئيس وزراء لبنان أخيرا بأن بلاده فى حالة إفلاس.
نعود لما بدأنا به وهو: ما هى الخطوة التالية لإعلان دولة ما إفلاسها؟!
يجوز لأى بلد أعلن إفلاسه أن يصدر سندات للمستثمرين مع التزام تعاقدى بدفع المبلغ الأصلى والفائدة لحملة السندات، على أن تضمن الحكومة سداد مدفوعات حاملى السندات عبر عائدات الضرائب.
هذا كلام نظرى، لأنه على المستوى العملى فإن هذه الدولة قد تواجه مشكلة كبيرة فى عدم الاستقرار السياسى أو ضعف الاستثمار أو سوء إدارة أموال المستثمرين، وبالتالى تتوقف أو تضعف التدفقات النقدية، وبالتالى فإن هذه الحكومة أو الدولة لن تكون قادرة على سداد الديون فى الوقت المحدد. وحينما يحدث ذلك، تقوم مؤسسات التمويل الدولية بخفض التصنيف الائتمانى وزيادة معدلات الفائدة، وبالتالى يصعب على هذه الدولة الاقتراض من جديد خصوصا من سوق السندات الدولية.
نقطة ثانية وهى أنه عند الاستثمار فى الديون السيادية يراقب حاملو السندات حالة الاستقرار السياسى والبنية المالية لهذه الدولة لتحديد مخاطر التخلف عن السداد السيادى، ورغم أن الدولة ذات السيادة لا يفترض أن تخضع لقوانين الإفلاس التى تنطبق على الأفراد والشركات إلا أن تداعيات هذه الأزمات تؤثر أيضا على الدولة التى تتخلف عن سداد ديونها السيادية.
إذا حدث هذا التعثر للدولة يصبح حاملوا السندات فى حيرة، لذلك قد يلجأون إلى مراجعة أسعار الفائدة للتعويض عن زيادة مخاطر التخلف عن السداد، وهذه الحالة تعرف باسم «أزمة الديون السيادية».
وعلى ذمة تقرير متميز لموقع مصراوى الأسبوع قبل الماضى، فهذا الأمر شائع فى الحكومات التى تعتمد على الاقتراض قصير الأجل لأنه يخلق حالة من عدم التوافق بين السندات قصيرة الأجل والقيمة طويلة الأجل للأصول الممولة من خلال الديون.
طبعا السيناريو السابق يتغير إذا تمكنت الدولة من التغلب على الظروف التى أدت إلى إعلان إفلاسها رسميا أو عرفيا، خصوصا إذا هبت دولة أخرى لمساعدتها وأفضل نموذج على ذلك، هو حالة اليونان، أو ما عرف وقتها بأزمة الدين الحكومى اليونانى، وهى أزمة مالية عصفت بالاقتصاد اليونانى فى أبريل ٢٠١٠، ووقتها طلبت اليونان من الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى تفعيل خطة إنقاذ تتطلب قروضا ضخمة لتجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد، بعد أن ارتفعت معدلات الفائدة على السندات لمعدلات عالية.
هذه الأزمة هددت استقرار منطقة اليورو وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية للاتحاد الأوروبى، لكن أوروبا قررت فى النهاية تقديم المساعدة لليونان مقابل تنفيذها إصلاحات تقشفية مشددة، وقدمت إليها حزم تمويل استمرت حتى ٢٠١٥.
وهناك نموذج شهير أيضا هو الأرجنتين التى أعلنت الإفلاس فى ديسمبر ٢٠٠١ بعد سياسة اقتصادية تدميرية اتبعها الرئيس فرناندو دى لاروا الذى فر خارج البلاد، وتمكنت الأرجنتين من الحصول على أكبر قرض فى تاريخ صندوق النقد الدولى بقيمته ٥٧٫١ مليار دولار لمدة ثلاث سنوات، ونجحت فى رفع تصنيفها الائتمانى، وعادت مرة أخرى للاقتصاد العالمى.
حينما تعلن الدولة إفلاسها فإن مواطنيها خصوصا الفقراء والطبقة المتوسطة هم الذين يدفعون الثمن، ويصل الأمر إلى العجز عن دفع المرتبات.
والحل الوحيد لمعالجة حالات الإفلاس، أن تكون هناك حكومات وطنية رشيدة تتخذ سياسات اقتصادية فعالة تعالج جذور الأزمات التى أدت إلى إعلان حالة الإفلاس والا تكون منحازة فى سياساتها لاقلية، لكن المشكلة أن ذلك لا يتم بين يوم وليلة، بل يستغرق سنوات للخروج من هذه المأساة. مما يجعل جيلا بأكمله يعانى لعقود.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي