عوائق تجديد الخطاب الدينى
 13ــ تقصير فى حق السنة النبوية - جمال قطب - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الدينى
 13ــ تقصير فى حق السنة النبوية

نشر فى : الجمعة 17 يونيو 2016 - 8:20 م | آخر تحديث : الجمعة 17 يونيو 2016 - 8:20 م

ــ1ــ


يتفق جميع المسلمين على أهمية السنة وضرورتها باعتبارها «المفتاح المعصوم» لتفعيل القرآن وتطبيق أحكامه، حيث إن السنة النبوية هى «الطريق المعصومة» للتفاعل مع القرآن الكريم، وهى النموذج الأرشد لطاعة الله وعبادته، وهى الطريقة الأقرب لإعمار الحياة وإصلاحها. ولكن مازال أهل الاختصاص (العلماء والدعاة) يظلمون السنة النبوية بالتقصير فى حقها بعدم استخلاصها وتحديدها وصياغتها فى منظومة علمية تليق بها وتساعد المسلم على تصور السنة النبوية وفهمها والتعلق بها.


ــ2ــ


ومن عجائب التصرفات أن يتوهم البعض أن السنة النبوية مجموعة من التعليمات يستطيع هو أن يختار ما يريد فيتعلمه ويترك ما لا يريد، بل ويجهل الإطار العام الجامع للسنة النبوية. ومن أمثلة ذلك: ترى الرجل قد أطلق لحيته قائلا إنها سنة وهو يمسك فى يده سيجارة يدخنها ويحدث بها إتلافا فى صحته وماله، وإفسادا للهواء النظيف حوله. بل ربما لا يعرف عن السنة النبوية أكثر من إطلاقه للحية. ومثال آخر حينما ترى المسلم القادر ماليا الحريص على سنن الصلاة وسنن الصيام وسنة الحج (العمرة)، وربما يكررها سنويا، وأكثر من مرة فى السنة الواحدة. ورغم ذلك كله وقدرته المالية، تراه لا يعرف ولا يريد أن يعرف عن سنن الزكاة شيئا! فلا هو يعرف عن الصدقة شيئا، ولا عن الصدقة الجارية، ولا عن القرض الحسن. بل ربما تراه استسلم للشح فيريد أن ينفق على أبيه وأمه من مقدار الزكاة! هكذا نسمع أسئلة بعض الناس.


ــ3ــ


ونموذج آخر للجرأة على السنة النبوية مثل التنافس على رفع «أذان الصلاة»، فرفع الأذان وإعلانه فى وقته سنة نبوية مؤكدة، ويريد البعض أن يدخلوا البيوت من غير أبوابها، فتراهم يصنعون مآسى، فالبعض يريد أن يؤذن دون استئذان الإمام والمؤذن وهذا خطأ، والبعض يريد أن يؤذن مع أن صوته ليس نديا ولا يصلح للأذان. والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلال أن يؤذن لأن صوته ندى محبوب، والبعض يستعمل مكبرات الصوت مع تقارب المساجد فتحدث ضوضاء تسبب إزعاج. ويتصور البعض «مقارنة ظالمة» بين الأذان وبين صوت المذياع الذى ينقل الغناء والموسيقى والكذب، ويقول: «كل الأصوات عالية، فلماذا اللوم على صوت الأذان فقط؟» وهذه مقارنة ظالمة للأذان، فكلمات الأذان شعار شرعى يحمل اسم الله جل جلاله واسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما يحمل إعلان «الهمم العالية» حى على الفلاح.. وهذه كلمات فوق أن لها ضرورة شرعية، فإنها ذكر الله جل جلاله وتكبيره، فلابد أن تكون بصوت حسن ومن أفواه مدربة ومتقنة، كما ينبغى ألا تتدخل مكبرات الصوت من المساجد المختلفة تداخلا مزعجا ومعجزا يعجز الناس عن أداء السنة وهى سنة ترديد الأذان، فالناس لا يستطيعون الترديد لكثرة الأذانات وارتفاع صوتها وخشونة الحناجر. فلينظر العاقل كم من الأخطاء ترتكب فى حق الأذان ويزعمون أنهم يؤدون السنة النبوية.


ــ4ــ


ومن السنة النبوية إقامة المساجد ثم الإنفاق الدائم لها، ثم تطوع البعض لخدمة المسجد وخدمة المصلين، فالمصلى ضيف الرحمن، والمسجد بيت الله، فكم من الناس مهتم بإقامة المساجد على أصولها؟ أقصد أن تكون واسعة المساحة، وفى أماكن متوسطة للأحياء السكنية حتى يسهل على الجميع الذهاب إليها، وكلما زاد عدد المصلين وجب التفكير فى توسيع المسجد القائم وليس فى استحداث مسجد جديد، فكثرة المساجد وتقاربها يمزق جماعة المصلين ويفتح الباب لاختلافات فقهية لا مبرر لها، كما أنها تشتت الناس بين الآراء المختلفة.. وكم من المصلين يسارع بالمشاركة فى تنظيف المساجد وإعدادها للصلاة وتمكين الراغبين من العبادة والهدوء.


ــ5ــ


مازالت السنة النبوية الشريفة تعانى هجرا وإهمالا وتواكلا خصوصا فى المؤسسات التعليمية والدعوية لدرجة تجعل كثيرا من الناس يفضلون الخروج بعيدا عن ذلك الجدل العقيم المحيط بالحالة الراهنة لـ«النصوص»، وفى ذلك خسارة كبرى للأمة بسبب ابتعادها عن نور النبوة وجهلها بـ«النموذج النبوى المعصوم».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات