هل يتخوّف الغرب من هجرة يهودية معاكسة؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يتخوّف الغرب من هجرة يهودية معاكسة؟

نشر فى : الأحد 18 فبراير 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الأحد 18 فبراير 2024 - 7:40 م
مع وصول اليمين المتطرف للحكم فى إسرائيل، وشروع نتنياهو فى تمرير قانون الإصلاح القضائى، وارتفاع وتيرة العنف فى الضفة وقطاع غزة، بات التيار العلمانى فى إسرائيل يشعر بتهديد جدى لحقوقه وحرياته، وأن أبناءهم وبناتهم سيكونون وقود الحروب التى سيشعلها اليمين. فى ضوء ذلك، نشر موقع 180 مقالا للكاتب مالك ونوس، تناول فيه ارتفاع عدد اليهود الذين هاجروا لأوروبا، حتى أواخر العام الماضى، إلى أكثر من ربع مليون فرد، وبروز مظاهر لكراهية اليهود فى الغرب (معاداة السامية) تمثلت فى رسم صليب معقوف (شعار النازية) على المنازل، فهل هجوم حماس كشف لنا أن ما نراه من تعاون ودعم بين الغرب وإسرائيل ما هو إلا محاولة لإخفاء التوجس التاريخى المُتبادل... نعرض من المقال ما يلى:

لم يكن لعملية «طوفان الأقصى» أن تحوز تلك الرمزية الطاغية والمُكثفة، والمقصود بها تحرير أراضٍ محتلة، لو لم يتوغل الفلسطينيون فى الأراضى التى تقع تحت سيطرة المحتل ويُحرّروها لفترة قصيرة، حتى لو كانت ساعات محدودة. لذلك، ونتيجة التأثير الكبير والعميق لهذه الرمزية على وعى الجانب الإسرائيلى، والذى يعرفه قادة الغرب حق المعرفة، سارع قادة هذا الغرب إلى الزحف تباعا إلى تل أبيب لطمأنة الإسرائيليين أنهم لن يُتركوا وحدهم فى «لحظة وجودية». هنا قفز السؤال الكبير إلى أذهان وألسنة كثيرين: هل يخاف الغرب من عودة اليهود من إسرائيل إلى دول الغرب، خصوصا دول أوروبا التى كانت قد لفظتهم مرّات عدة عبر التاريخ؟

• • •

أكدت عملية «طوفان الأقصى» أن دولة الكيان الإسرائيلى ليست سوى قاعدة متقدمة للغرب الأمريكى والأوروبى، وهى القلعة الاستعمارية التى أراد هذا الغرب إيجادها فى المنطقة بعدما زال احتلاله عنها، فى أواسط القرن الماضى. وإذا كان هذا الكلام قد صُنّف سابقا فى خانة ما تسمى «اللغة الخشبية»، فإنّ ما بدر من الغرب على مدى أكثر من مائة وثلاثين يوما يؤكد صحته، ولا سيما لجهة تلمس مدى التزام الغرب بضمان أمن هذا الكيان راهنا ومستقبلا، مهما كانت تبعات مثل هذا الالتزام. وهو التزام يريد له أيضا قتل إرادة التحرير لدى الشعب الفلسطينى، والتى ظنّ كُثر أنها تلاشت قبل 7 أكتوبر الماضى.
من هنا تتأكد القناعة أن الغرب نجح من خلال «زرع» إسرائيل فى المنطقة العربية، فى تحقيق هدفين؛ أولهما، أنه جعل له موطئ قدم، يكون بمثابة القاعدة العسكرية والسياسية الاحتياطية المتقدمة التى يُمكن التعويل عليها عند الحاجة (تهديد مصالح الغرب). وثانيهما، التخلص من عامل مجتمعى إشكالى، أساسه التوجس التاريخى الدائم للشعوب الأوروبية من اليهود، والذين حامت حولهم، عبر التاريخ، تُهَم جعلتهم منبوذين داخل مجتمعاتهم.
ومن تلك المشكلات التى بقيت راسخة فى أذهان الشعوب الأوروبية، وساهمت فى تكوين النظرة المتوارثة إزاء اليهود وممارساتهم، مسألة الربا التى برعوا فيها وتسببوا عبرها بأزمات مالية وكوارث اقتصادية لأفراد وعائلات وقطاعات اقتصادية. وهنالك تهمة لا تغادر ضمير أوروبا، وهى تسببهم بقتل المسيح، والتى على أساسها بات تصديق كل التهم الملصقة بهم أمرا مفروغا منه. كما بقيت قصص مؤلمة لا تبارح خيال الشعوب الأوروبية على الرغم من امتدادها فى التاريخ البعيد، ومنها اختطاف اليهود أطفالا مسيحيين وقتلهم لاستخدام دمائهم فى طقوسهم السرية، ومنها صناعة نوع من الخبز الذى يحضر فى مناسبة دينية محددة. كذلك اتهامهم بالتسبب فى نشر مرض الطاعون عبر رمى ميكروبات فى الآبار فى دول أوروبية كثيرة للتأكد من إصابة أكبر عدد منهم بالمرض، إضافة إلى اتهامهم بالتسبب باندلاع حروب بين الدول الأوروبية المسيحية.
وبدءا من الألفية الثانية أدت التوترات بين المسيحيين واليهود إلى إجبار اليهود على ارتداء ثياب وشارات محددة تميزهم عن غيرهم، كعقوبة عما يتسبّبون به من مشكلات، وبلغ الأمر فى عدد من المجتمعات الأوروبية حد قتل بعضهم وطردهم من هذه الدول، بدءا من القرن الثالث عشر الميلادى، وعلى مدى قرون لاحقة. فقد سجل التاريخ وقائع طردهم من إنجلترا وفرنسا وإسبانيا والمجر والنمسا والبرتغال.. ونابولى وميلانو (فى إيطاليا)، وهو ما أدى إلى تنقلهم بين هذه الدول ثم العودة بعد زوال أسباب طردهم. غير أن هجراتهم المتتالية كانت لها وجهتان رئيستان هما بولندا والمغرب، الدولتان اللتان استقرت فيهما نسبة كبيرة منهم فلا يعودون إلى الأماكن التى طردوا منها. وقد استمر هذا التوتر حتى ظهور هتلر، والمجازر التى اقترفتها جيوشه بحق معارضيه فى ألمانيا والدول الأوروبية التى احتلتها، ومن بينهم اليهود.

• • •

فى بداية السنة المنقضية، بدأ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وحلفاؤه فى التيار الدينى اليمينى المتطرف، يعدون العدة للتغييرات القضائية التى تساعد نتنياهو فى الهروب من المحاكمة بسبب الفساد. وقد توجس إسرائيليون خيفة من هذه التعديلات، ورأوا فيها تقوية للتيار الدينى، وبالتالى دخول دولة الاحتلال فى قلاقل وتوترات تصل حد دفعها نحو شفير حربٍ أهلية. وهذا أجبر كثرا على مغادرة الكيان بعدما لمسوا كيف يدعو التيار الدينى إلى العنف فى مواجهة الشعب الفلسطينى وشن الحروب الدورية على قطاع غزة والهجمات الدائمة فى الضفة الغربية، بينما لا يخدم أعضاء هذا التيار فى الجيش بموجب القانون الذى يُعفى المتدينين من الخدمة، وبالتالى لا يحاربون ولا يقدمون الضحايا فى هذه الحروب. لذلك رأى التيار العلمانى أن أبناءهم سيكونون هم وقود الحروب التى سيأمر المتطرفون الدينيون بشنها. علاوة على ذلك، رأى هؤلاء العلمانيون بفوز التيار الدينى فى انتخابات الكنيست وتشكيلهم أغلبية الحكومة، ثم ضلوعهم بمهمة دعم التغييرات القضائية التى قاد نتنياهو لواء إقرارها، تهديدا للديموقراطية وانقلابا على نظام الحكم عبر زيادة نفوذ السلطة التنفيذية وقوتها، مقابل إضعاف نفوذ السلطة التشريعية والقضاء. كما رأوه بمثابة إعلان قيام الديكتاتورية، وبالتالى التضييق مستقبلا على الحريات، فما كان من كثر منهم سوى الشروع بالهجرة، خصوصا إلى أوروبا.
وقد أفادت سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية أنه بعد عملية «طوفان الأقصى»، وبعد شنّ دولة الاحتلال الحرب الجارية على غزة، وصل عدد الإسرائيليات والإسرائيليين الذين غادروا دولة الاحتلال، حتى 17 ديسمبر الماضى، إلى 370 ألف شخص. ومن هنا يمكن إرجاع سبب مسارعة قادة الدول الأوروبية إلى زيارة دولة الاحتلال للتضامن مع قادتها، أنه محاولةً للحد من ظاهرة الهجرة العكسية من الكيان إلى أوروبا. وفى هذا السياق، صنّف محلّلون ازدياد مظاهر الكراهية لليهود فى بعض الدول الأوروبية، وبين تعبيراتها رسم شارة الصليب المعقوف على منازلهم ومتاجرهم لإخافتهم ومنعهم من القدوم إلى هذه الدول، لأن المصير ذاته سيكون بانتظارهم، وهو الأمر الذى استدعى صدور بيان عن مفوضية الاتحاد الأوروبى يُندّد بتزايد معاداة السامية فى أوروبا، ويُحذّر من أن يهود أوروبا «يعيشون مجددا فى الخوف»!

النص الأصلى:

التعليقات