زلازل الرئاسة وتوابعها - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زلازل الرئاسة وتوابعها

نشر فى : الخميس 19 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 19 أبريل 2012 - 8:00 ص

لو أن أحدا تنبأ منذ أسابيع قليلة بما شهدته انتخابات الرئاسة من مفاجآت متلاحقة لاتهم بالهزل فى موضع الجد أو الحماقة وربما بما هو أقسى من ذلك، ففى مدة زمنية وجيزة تلاحقت مفاجآت حصول والدة واحد من أبرز المرشحين وأكثرهم ضجيجا وأسخاهم إنفاقا على الجنسية الأمريكية بما يفقد ابنها شرطا من شروط الترشح، وتراجع جماعة الإخوان المسلمين كدأبها منذ نجاح الثورة عن موقفها المعلن بعدم التقدم بمرشح فى انتخابات الرئاسة، ثم أتت ثالثة الأثافى بإقدام عمر سليمان نائب الرئيس السابق على الترشح بعد أيام من تأكيد اعتذاره عن عدم الترشح لأسباب فهم منها أن تقديره لما يتطلبه هذا الترشح هو سبب اعتذاره. وهكذا تغيرت خريطة الانتخابات فجأة، وبدا أن خيوطها قد تعقدت على نحو لا يستطيع معه أحد أن يحل عقدتها.

 

●●●

 

بدا «الشيخ» حازم أبوإسماعيل أكثر المرشحين صخبا وإنفاقا كما سبقت الإشارة، وتصرف مؤيدوه بالصخب نفسه وكأن مصر لو حرمت من رئاسته سوف تكون فى حكم العدم، وفى هذه الظروف أثيرت مسألة الجنسية الأمريكية لوالدته فأنكر الرجل، وأمعن فى إنكاره، حتى ظننت أن المسألة برمتها لا تعدو أن تكون جزءا من عملية تشويش على مرشح بدا قادرا على الحصول على تأييد قطاع من المصريين، ثم يتضح أنه ليس فى الأمر تشويش وإنما هى حقيقة واقعة تفضى إلى استبعاده كمرشح للرئاسة، لكنه مع ذلك لا يستسلم فيعقد مؤتمرا صحفيا فى عرينه (مسجد أسد بن الفرات) الذى يثير مجددا قضية الخلط بين الدين والسياسة. يقف الرجل خلف مكبر الصوت فى المسجد ليخبر أنصاره بأنه سيطلعهم على الحقائق كاملة، لكن أى مبتدئ فى تحليل الخطاب السياسى يدرك أنه لا يقول أى شىء له معنى، كما أن قارئى الوجوه سهل عليهم أن يروا فى قسمات وجهه أثناء حديثه ما يشير إلى وجود مشكلة حقيقية. يتابع الشيخ إصراره على عدم الاستسلام فيرفع قضية أمام القضاء الإدارى ليحسم الموضوع فلا تحسمه، وإنما تصدر حكما غريبا يلزم وزارة الداخلية بتسليم الشيخ ما يدل على جنسية والدته، فلا هى حسمت مصريتها الخالصة ولا أمريكيتها المكتسبة.

 

يعتبر أنصار الشيخ الحكم انتصارا ساحقا، وكانوا قبلها قد أعلنوا أنه لا انتخابات بدونه، وأثناء نظر القضية تجمهروا أمام المحكمة فى أخطر سوابق الضغط على القضاة بل وإرهابهم بشتى السبل ومنها دق الأرض تحت أقدامهم بما يصدر صوتا مرعبا وكأنهم يتأهبون لواحد من الفتوحات الكبرى، ولا يمكن لنا أن نتوقع أن يحكم قاضٍ فى قضية فى مناخ صحى وهو يرى ويسمع أنصار أحد طرفيها يظهرون عدم تقبلهم لأى حكم فى غير صالحه، وبعد صدور الحكم جاب هؤلاء الأنصار الشوارع مرددين هتافاتهم وأهازيجهم حتى الساعات الأولى من الصباح، ولا أدرى ماذا هم فاعلون بعد صدور قرار لجنة الانتخابات الرئاسية لغير صالحهم.

 

●●●

 

أما جماعة «الإخوان المسلمين» فقد أصبحت بسلوكها منذ ثورة يناير «حديث المدينة»، وإذا استبعدنا من سلوكها ما لا يتصل مباشرة بموضوعنا لوجب علينا البدء بمبدأ «المشاركة لا المغالبة» الذى لم يجبرهم أحد على التمسك به خاصة وقد فعلوا كل ما من شأنه ذبح هذا المبدأ قربانا لسلطة يسعون للانفراد بها. فى البدء كان الحديث عن عدم ترشحهم فى الانتخابات البرلمانية إلا فى 35% من الدوائر الانتخابية، ثم قفزت النسبة إلى 50% حتى يمكن لهم تأمين الحصول على نسبة الـ35% من المقاعد، ثم انتهى الأمر إلى التقدم بمرشحين فى جميع الدوائر سواء ممن ينتمون إليهم ـ  وهذا ما حدث فى الأغلب الأعم ـ أو من المتحالفين معهم، ثم نمر بسرعة على سلوكهم فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور الذى غلبت عليه فكرة الاستئثار، ونصل أخيرا إلى تراجعهم عن فكرة عدم تقديم مرشح للرئاسة ينتمى إليهم بحجج واهية كالقول بأن الثورة مهددة، أو أنهم لم يمكنوا من تشكيل الحكومة وغير ذلك من الحجج المردودة، وهكذا برز خيرت الشاطر مرشحا للإخوان فى الانتخابات، ونسى هؤلاء أن مرشحهم يقدم باعتباره رجل اقتصاد «شاطر» تقدر ثروته بالمليارات مع أن ثورة يناير قد قامت فى واحد من أهدافها لتحطم الزواج بين الثروة والسلطة، ولأن الإخوان كانوا يدركون أن الشاطر لديه مشكلة تتعلق بسلامة وضعه القانونى فقد تقدموا برئيس حزب الحرية والعدالة كمرشح احتياطى يمثل الجماعة حال استبعاد الشاطر، وقد كان.

 

●●●

 

ثم وقعت المفاجأة الكبرى بتقدم عمر سليمان للترشح بعد أن أكد غير مرة أنه لا يفكر فى هذه المسألة، وجاء الترشح بعد أيام قليلة من آخر نفى من جانبه لنيته فى الترشح. وقد أثار هذا التطور دهشة البعض وامتعاض الكثيرين نظرا لارتباط الرجل بالنظام السابق رئيسا للمخابرات العامة ثم نائبا لمبارك فى أيامه الأخيرة، والأهم من ذلك ضلوعه فى سياسات وقضايا لا يمكن للثوار أن يقبلوها كدوره فى بيع الغاز لإسرائيل وإدارة العلاقات معها بصفة عامة، وتعاونه الأمنى مع أجهزة مخابرات خارجية على رأسها الأمريكية فى قضايا تتضمن انتهاكا فاضحا لحقوق الإنسان، وقد تصرف الإخوان إزاء واقعة ترشحه بنوع من الهستيريا، مع أن آخر رؤساء وزارات مبارك كان مرشحا منذ البداية دون أن يهز هذا شعرة واحدة للإخوان، ولم يكن من تفسير لهذا الموقف سوى أنهم يشعرون بخوف حقيقى منه ربما لأنه يملك من المعلومات الموثقة أكثر مما ينبغى، كما أنه لم يترك مجالا لشك فى أن هدفه الرئيسى من الترشح هو «خلع العمامة الإخوانية» عن رأس الوطن، ووصل الأمر إلى أن شرع الإخوان فى مجلس الشعب قانونا خاصا به يغلق الباب أمام فرص ترشحه فى عودة لتقليد ممجوج مارسه النظام السابق طويلا.

 

●●●

 

أوقفت لجنة الانتخابات الرئاسية عرض هذا السيرك باستبعادها عددا من المرشحين كان من بينهم هؤلاء الثلاثة الكبار الأول لازدواج جنسية والدته والثانى لعوار فى وضعه القانونى والثالث لخطأ مضحك يتمثل فى عدم اكتمال التوكيلات المطلوبة فى إحدى المحافظات، لكن تداعيات قرار اللجنة قد تكون أخطر مما نتصور، فقد تقدم طعون فيه يستغرق نظرها وقتا، أو يلجأ أنصار أحد المستبعدين كما هددوا من قبل إلى الشارع طالما أنه لا انتخابات دون وجوده، وغير ذلك من التداعيات، لكن دلالات ما وقع أكثر من أن تحصى فى سطور قليلة كهذه، فهناك أولا ما ظهر فى هذه التطورات من خلط واضح بين الدين والسياسة، وهو خلط يجب أن يتوقف إذا كنا نريد بناء ديمقراطية حقة، وقد بلغ هذا الخلط مبلغه لدى الإخوان المسلمين الذين لا أدرى كيف قبلت الجهات المسئولة تأسيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عنهم رغم منع القانون إنشاء أحزاب على أساس دينى. لكن الأخطر أن الجماعة قد نسيت هذه القضية (أى وجود واجهة سياسية لسلوكها) ورشحت خيرت الشاطر بقرار من مجلس شورى الإخوان ومكتب الإرشاد، وفى حالة السلفيين لم يجد الشيخ حازم أبوإسماعيل أفضل من المسجد للحديث لأنصاره. وهناك ثانيا سلوك الاستئثار المنسوب إلى جماعة الإخوان وحزبها منذ حصلا على أكبر عدد من المقاعد بين المتنافسين فى انتخابات مجلس الشعب، فهم يشكلون الجمعية التأسيسية للدستور بما يعكس غلبتهم عليها إلى الحد الذى تتفق معه جميع القوى المدنية ضدهم، وتنجح للمرة الأولى فى استخدام آليات قضائية للحد من اندفاعهم فى طريق الحكم الشمولى، وأخيرا وليس آخرا يتقدمون إلى انتخابات الرئاسة بعد طول تمنع، ويبدو لى أن ثمة تباينا هائلا بين القدرة التنظيمية العالية للإخوان نتيجة عقود الملاحقة الأمنية التى تعرضوا لها وبين النضج السياسى الذى ينبغى أن يتميز به سلوكهم، فقد بدوا مرتبكين متناقضين فى قراراتهم، غير قادرين على حساب مردودها السلبى على درجة تأييد الرأى العام لهم، وهو ما حدث فعلا، ثم يأتى ثالثا غياب التسامح فى سلوك عدد من القوى السياسية، وهو أول متطلبات الديمقراطية، وتجلى ذلك فى موقف السلفيين الرافض لفكرة استبعاد مرشحهم، ولا يدرى المرء ماذا يحدث لو كان قد خاض الانتخابات وخسرها، وتبقى أخيرا قضية الإرهاب الذى مورس على القضاء إبان الأزمة، ولا شك أن القاضى لا يمكن أن ينفصل وهو يمارس رسالته عن مناخ الإرهاب الذى يحاصره، وقد آن الأوان لحماية القضاة والقضاء من هذه الأعمال وإلا فقدنا «رمانة الميزان» التى قدر لها أن تلعب أدوارا تاريخية فى التصدى للممارسات الاستبدادية للنظام السابق.

 

●●●

 

أظهرت الأيام الماضية أن كل شىء ممكن الحدوث فى الساحة السياسية المصرية، ولذلك يجب ألا يندهش البعض منا من وقوع مزيد من المفاجآت قبل الانتخابات الرئاسية التى وصل البعض إلى درجة الحديث عن النزول إلى الشارع والقيام بثورة ثانية إذا لم تسر الانتخابات كما يشتهى فى استمرار للتقليد السخيف المتمثل فى احترام القانون إن حقق مصلحتى وامتهانه إن حدث العكس. المهم أن تتكاتف القوى الديمقراطية من أجل حماية مسار الثورة وطابعها الديمقراطى، وإذا كان نفر من أساتذة القانون الدستورى والنشطاء السياسيين يتقدمهم الدكتور جابر جاد نصار قد نجحوا فى استصدار حكم بوقف قرار تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ردا على استخفاف الإخوان بالقوى السياسية فإن قوى المجتمع الحية قادرة دون شك على أن تكون إذا توحدت خير ضمان للثورة ومستقبلها.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية