الدوران فى حلقات مفرغة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدوران فى حلقات مفرغة

نشر فى : الإثنين 18 يونيو 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 يونيو 2012 - 8:20 ص

بدا الطريق إلى صندوق الاقتراع هذه المرة بعيدا وطويلا وشاقا على عكس المرة السابقة، حين ازدحمت الصفوف أمام اللجان. أما فى هذه المرة فلم يكن هناك ما يدعو إلى الوقوف فى طوابير لا وجود لها.. وحين تبرمت من موقع لجنة الانتخابات فى الدور الثانى الذى كان علىّ أن أصعد إليه، أخذنى الجندى الشاب بلطف من يدى إلى المكان.. فى المرة السابقة كانت نسبة الناخبين المشاركين فى التصويت تقترب حسب تقديرى من الأربعين فى المائة. أما فى انتخابات الإعادة فقط هبط حماس الكثيرين. وإذا وصلت النسبة إلى ما بين 25 و30 بالمائة فسوف تكون الانتخابات قد حققت أهدافها!

 

لم يكن هذا الهدوء غير العادى بسبب حرارة الصيف أو نتيجة الاشتباكات والخروقات والبطاقات المسودة التى ضبطت فى بعض اللجان بين أنصار مرسى ورجال شفيق.. حيث سادت أجواء متوترة بين الطرفين إلى درجة حاولت معها حملة مرسى عقد مؤتمر صحفى بالمخالفة لفترة الصمت الانتخابى. وشهد ميدان التحرير مظاهرات ضد أحمد شفيق. وكان الشعور العام بالحيرة والتردد بين الناخبين الذين لم يقر قرارهم على أحد المرشحين، هو السمة الغالبة لعشرات الناس الذين علت وجوههم نظرات ترقب ورغبة فى الانصراف سريعا إلى بيوتهم بعد أن أدوا واجبهم.

 

ولكن كان يكفى أن تبرز الصحف عشية يوم الانتخابات تصريحات خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذى هدد فيه بأن الثورة القادمة ستكون أكثر عنفا فى حال فوز أحمد شفيق، وحذر الدول الأجنبية من التسرع فى الاعتراف بشفيق فى حال انتصاره على مرسى. وقال فى تصريحاته الملتهبة التى بدت موجهة لترويع الناخبين أن مصر بإمكانها أن تختار الطريق السهل فى التحول إلى نظام جديد إذا انتخبت مرسى. متعهدا بإجراء انتخابات نزيهة خالية من العيوب القانونية. وسوف يمكن لمرسى فى حالة فوزه أن يشكل حكومة ائتلافية!

 

وكانت قد سبقت هذه التصريحات اجتماعات بمكتب الإرشاد للإخوان لمناقشة اقتراحات تستهدف انسحاب المرشح الإخوانى محمد مرسى بعد حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب وعدم دستورية قانون العزل السياسى. ولكن الأغلبية رأت أن فكرة انسحاب مرشحها محمد مرسى سوف تكون انتصارا للرأى القائل بأن الانتخابات الرياسية سوف تصبح بذلك استفتاء على فوز شفيق.

 

من هذه الإشارات ما لا يخفى على القارئ أن ثمة مخاوف عميقة تلبست جماعة الإخوان المسلمين. وشعر حزب الحرية والعدالة بأن الاحكام التى أصدرتها المحكمة الدستورية أخذته على حين غرة، أو أنها استهدفته بالذات. ولم يكن يخطر ببال قياداته أن يقدم المجلس العسكرى فى هذا التوقيت على تنفيذ القرارات التى أصدرتها المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب. وبدت هذه الشكوك واضحة بشكل خاص فى تعليق الكتاتنى فى موقعه على الـ«فيس بوك» على حكم المحكمة، والذى رأى أنه يضع علامات استفهام حول توقيت صدوره وتزامنه مع الحملات التى وجهت إلى البرلمان خلال الشهور الماضية، وبعد التوافق على تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.

 

مع دخول مرحلة الإعادة يومها الثانى، وما يتوقعه كثيرون من انخفاض نسب التصويت وهبوط عدد الأصوات التى تذهب إلى التيار الإسلامى بشقيه حزب النور وحزب الحرية والعدالة.. لابد أن تسأل قياداته نفسها عن أسباب التراجع الذى طرأ على حجم تأييدها، وعمن يعتبر مسئولا عن إفساد الجزء الأول من المرحلة الانتقالية.. هل هو تخبط السياسات التى انتهجها المجلس العسكرى؟ أم الضغوط والصفقات التى حاول التيار الإسلامى أن يعقدها على حساب القوى والأحزاب الليبرالية والمدنية؟ إذ لا يعقل أن تنقلب المعادلة رأسا على عقب بعد سنة ونصف السنة من الفوز الذى أسكر الجميع. وهو ما حمل الاتحاد الأوروبى والمتحدثة بلسان الخارجية الأمريكية على المطالبة بتوضيح أسباب حل البرلمان والحصول على مزيد من المعلومات لفهم الآثار المترتبة عليه. واعتبرته صحيفة «الواشنطن بوست» بمثابة تهديد لعملية التحول الديمقراطى.

 

ومع كل ذلك سوف يحبس المصريون أنفاسهم فى انتظار ما تسفر عنه نتائج الانتخابات الرياسية وهل يكون شفيق أم مرسى هو الرئيس القادم؟ وقد انتقلت السلطة التشريعية الآن إلى المجلس العسكرى، ولن يكون من السهل أن يتنازل المجلس عن السلطة التشريعية كاملة للرئيس القادم، قبل أن يثبت أقدامه وتجرى انتخابات لاختيار مجلس شعب جديد، وتتشكل الجمعية التأسيسية للدستور لمباشرة نشاطها.. بغير ذلك، سوف نظل فى أوضاع قلقة. وحينئذ سوف يقاس مدى قدرة التيار الإسلامى على انتهاج سياسات متوازنة تبتعد عن اتهامات التكويش والاستحواذ ويستكمل حزب الحرية والعدالة مسئوليته التاريخية فى إنجاز التحول الديمقراطى. وإلا فسوف نظل ندور فى حلقات مفرغة لا نهاية لها!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات