لغة الجسد.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لغة الجسد..

نشر فى : السبت 18 سبتمبر 2010 - 10:35 ص | آخر تحديث : السبت 18 سبتمبر 2010 - 10:57 ص

 فى ظل الغموض والتكتم الشديدين اللذين تحيط بهما أجواء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية فى شرم الشيخ، وما تضفيه تصريحات المسئولين الفضفاضة والمتكررة على لسان جورج ميتشيل.. لا يبقى أمام المراقب المهتم بما يجرى أمام أو خلف الكواليس غير البحث عما تقوله لغة الجسد: فى تعبيرات الوجوه، وحركات اليدين، ونظرات العينين، والابتسامات الزائفة، واللفتات الحائرة، لتكتب سطور أغرب مفاوضات للسلام من نوعها فى العصر الحديث.. لا أحد يعرف فحواها ولا مرجعيتها ولا بنودها إلا ما ذكرته التصريحات فى عناوين عامة مبهمة، تتحدث عن قيام الدولة الفلسطينية التى توصف بأنها مستقلة ذات سيادة ومترابطة، إلى جانب الدولة اليهودية. وقد حرص الجميع على «تمييع» الحديث عن الاستيطان وتجميده أو تمديده حتى لا يكون سببا فى وقف المسرحية وإطفاء الأنوار.

يجلس نتنياهو منتفخ الأوداج فى مقعد فاخر بأحد فنادق شرم الشيخ الفاخرة. يبدو كأنه الشخصية المحورية صاحب الصفقة أو صاحب الكلمة الفاصلة فيها. تعلو وجهه ابتسامة صفراء خبيثة سرعان ما تنكمش إلى تعبير صارم لا يقبل المساومة. وقد عكست إحدى اللقطات التليفزيونية التى تكشف كل شىء، نقاشا بدا ساخنا بينه وبين الرئيس مبارك. أشاح فيه مبارك بيده مرتين على الأقل وهو يدير وجهه فى الاتجاه الآخر. وكأنه يسفه حجة إسرائيلية حول الاستيطان.

لا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا قالت هيلارى كلينتون وما لم تقله، وما هو دورها فى الضغط على إسرائيل أو على الفلسطينيين. ولكن الحميمية التى بدت عليها وهى ترحب بصديقها نتنياهو، تعبر بوضوح عما بين الجانبين من أسرار مدفونة فى بئر عميقة.. وكأنها تقول له: دعنا نواصل اللعبة إلى نهايتها لننتزع ما نستطيع انتزاعه. ولا يبدو أنه كان من المطلوب من وزيرة الخارجية الأمريكية أن تفعل غير ذلك، أن تؤكد حضورها الجسدى فى جلسات المفاوضات المباشرة. فلم ينسب لها قول أو فعل أو مشاركة بالرأى فى الحوار.. فيما عدا بعض ابتسامات وعبارات مجاملة فى هذا الاتجاه أو ذاك، نال الرئيس عباس نصيبه منها، وهو يبدو شديد الحبور والسعادة، خالى البال، وليس فى موقف زعيم مناضل يوشك أن يفقد كل شىء: حياته ووطنه وتاريخه. ولاتحمل ملامح وجهه علامات هم أو حزن أو خوف من الوقوع فى المصيدة الكبرى التى نصبوها له، وما يضمرونه من خطط استيطانية واحتلالية فى الضفة والقدس..

هناك اتفاق على فرض السرية الكاملة على هذه المحادثات. وهى ليست المرة الأولى التى تجرى فيها مفاوضات من هذا النوع بين أبومازن وإسرائيل فى نطاق من السرية الكاملة. فقد جرت مفاوضات مماثلة بين أبومازن وأولمرت قبل عامين. وقيل إن الطرفين توصلا إلى نتائج تحتفظ مصر وأمريكا بملفاتها. وشهدت شرم الشيخ نفس الوجوه، ونفس الأماكن، ونفس الترتيبات.. ثم انتهى كل شىء دون نتيجة تذكر.

فى هذه المرة يظهر جورج ميتشيل فى «الكادر» بعد كل لقاء بين أبومازن ونتنياهو أو كلينتون وأبومازن ليؤكد أن المحادثات دخلت مرحلة الجد والبحث فى القضايا الجوهرية. أما ما هى هذه القضايا وماذا توصلوا فيها، فلا ميتشيل يعرف ولا أبومازن يعرف. غير أن الصحف الإسرائيلية تعرف وتؤكد أن المحادثات لم تتطرق إلى مشكلة الاستيطان. لأن لدى الأمريكان حلولا تلبى مطالب نتنياهو بعدم التجميد وتحول دون إغضاب الجانب الفلسطينى، وأن المحادثات تناولت حتى الآن فى جولتها الثالثة بالقدس قضايا أهم من وجهة النظر الإسرائيلية، هى مصير المجند الإسرائيلى جلعاد شاليط!!

لا تنبىء لغة الجسد، كما تعكسها الصور واللقطات التليفزيونية، أى نوع من التفاهم أو التقارب. ومن الواضح أن ستار التكتم والحذر، يخدم العجز الأمريكى عن ممارسة الدور الإيجابى الذى يتوقعه الفلسطينيون والعرب. أى أنه ستار للفشل أكثر منه ستار للنجاح!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات