السياسات الصحية.. والسياسة.. والإصلاح الصحي - علاء غنام - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسات الصحية.. والسياسة.. والإصلاح الصحي

نشر فى : الإثنين 18 سبتمبر 2023 - 7:20 م | آخر تحديث : الإثنين 18 سبتمبر 2023 - 7:20 م

إن وضع سياسات صحية متكاملة وشاملة لنظامنا الصحى هو جوهر عملية الإصلاح الصحى، وهذا ما أكدنا عليه فى مقال سابق عن الحوار الوطنى فى ملف الصحة الذى نرى أن الحوار فى مشاكله يجب أن يكون عملية مستمرة.
فنظام التأمين الصحى الشامل الذى يعد من الخطط والبرامج الإصلاحية الكبرى ــ على قدر أهميته وقدرته على تحقيق نقلة مستدامة فى الخدمات والتغطية الصحية التى ينتفع بها المواطنون والمواطنات ــ نجد أن تعقيد تنفيذه وتكلفته وتدريج تنفيذه يحول دون قدرته فى بعض الأحيان على تحقيق مكتسبات مجتمعية أو سياسية قصيرة المدى يشعر بها المواطن والمواطنة، لذلك تصاعدت فى الآونة الأخيرة اتجاهات صحية تتبنى حزمة من المبادرات الصحية الرأسية مثل البرنامج القومى لمكافحة الفيروسات الكبدية بالمسح واﻻكتشاف المبكر والعلاج الذى استهدف نطاقا واسعا من السكان فى سابقة لم تحدث من قبل إقليميا ودوليا، مما شجع السياسيين والتنفيذيين على المضى قدما فى هذا الطريق الذى يحقق دعاية سياسية عاجلة وﻻ يتطلب تغييرا هيكليا فى بنية النظام الصحى المعقد المتعثر أصلا.
ثم بدأ مسح للأطفال فى المدارس فى مراحله الأولى فى تسع محافظات ﻻكتشاف نسب حالات الإصابة بين الأطفال بالنحول وقصر القامة والأنيميا والسمنة فى أهم مرحلة عمرية يمر بها الإنسان، ثم توسعت تلك المبادرات فى مبادرة مائة مليون صحة لتشمل عدة أمراض مثل السكر وارتفاع ضغط الدم وخلافه فى حملة واسعة تحتاج إلى تقييم جاد لنتائجها وهكذا أصبحت المسافة بين السياسات الصحية والسياسة متداخلة.
ففى السابق كانت المسوح الصحية تجرى بشكل دورى دون مبالغة وحسب توفر الإرادة والموارد المالية لها، إذ أشارت المسوح الديمغرافية والصحية (DHS) ــ منذ عام 2008 إلى عام 2014 ــ إلى نتائج محددة لها فى مخرجات الحالة الصحية للسكان كمرآة عاكسة لمؤشرات التنمية البشرية وللوضع الوبائى المرضى اﻻنتقالى الذى نمر به والذى يتبدى فى تراجع نسبى لعبء الأمراض السارية وزيادة نسبية فى عبء الأمراض غير السارية ومثل كثير من البلدان فإن متوسط مخرجات الحالة الصحية فى مصر كانت ومازالت تخفى فروقا نوعية داخل الشرائح السكانية الأفقر إلى الأغنى مما يعكس عدم المساواة اجتماعيا واقتصاديا وجغرافيا بين الشعب المصرى، حيث أشارت تلك المسوح السكانية الصحية منذ عام 2008 وإلى عام 2022 إلى أن خطر الوفيات بين الأطفال فى الشرائح الأفقر من السكان أكبر بنسبة 2.5% من الأطفال بالشرائح الأغنى بافتراض تقسيم المجتمع إلى خمس شرائح اقتصادية. كما صنفت مصر من بين أكثر عشر دول فى العالم فى انتشار التبغ الذى يعد من أسباب الوفاة والإعاقة إضافة إلى السمنة وزيادة الوزن وسوء تغذية الأطفال الذى يعد سببا كامنا مهما لمرض الأطفال ووفياتهم حيث قدرت هذه المسوح أن 11% من أسباب وفيات الأطفال فى مصر مصاحبة لسوء التغذية التى تحولت إلى حالات مزمنة دون علاج. هذا ما يعظم من ضرورة المسوح الدورية الصحية وتحليل نتائجها أول بأول كما أن هذه المبادرات تعتبر من صميم عمل وزارة الصحة فى الدولة بشكل دورى غير مرتبطة بطبيعة الحملات المؤقتة.
• • •
هذه المسوح يجب أن تتم كل عامين أو أربعة أعوام لضمان رصد مدى التقدم الذى سوف تحرزه من وراء ذلك لأنها لا تستهدف فقط تحديد حجم المشكلة الصحية وإنما علاجها جذريا، وذلك ما يرتبط بعوامل سياسية واقتصادية هيكلية ويرتبط أيضا بإرادة الدولة فى سد فجوة العدالة اﻻجتماعية فى الصحة، ومن ثم نتمنى أن يتبلور ذلك فى الحوارات الصحية القادمة ــ إذا قدر استمرارها ــ أى أهمية دمج تلك المبادرات الرأسية فى البرنامج الأفقى الأساسى لإصلاح النظام ودمجها على مستوى الخدمات التى سوف تقدم يوميا وروتينيا فى وحدات ومراكز الرعاية الصحية الأساسية ونموذج طب الأسرة الجديد التأمينى لضمان التمويل واستدامته، والذى تمت التوصية به فى الحوار الوطنى الأخير وهو توجه صحيح وإيجابى نثنى عليه.
فضمان استدامة التمويل من خلال التأمين الصحى الشامل الجديد الذى يحظى باحتياطى مالى كما صرح وزير المالية أخيرا بقرابة 74 مليار جنيه إضافة إلى موارد وزارة الصحة المحدودة بطبيعتها فى الموازنة العامة، رغم زيادتها السنوية الشكلية والمعتمدة فى جانب منها على بعض المنح والقروض الخارجية. فضمان اﻻستدامة قضية حيوية للسياسات وليس مجرد سياسة فكل المبادرات التى تبدأ من تكافل وكرامة وتنتهى بالكشف المبكر ورعاية الأم الحامل والمشكلة السكانية وغيرها من البرامج المهمة والأساسية لا ضمان ﻻستمرارها إﻻ عبر نظام طب الأسرة، والرعاية الأساسية من خلال شبكة واسعة لوحدات ومراكز طب الأسرة الممولة تأمينيا.
• • •
وعلى جانب آخر موازٍ للحوار الوطنى، نظمت وزارة الصحة والسكان فى الفترة من 5 ــ 8 سبتمبر الحالى مؤتمرا دوليا بعنوان السكان والصحة والتنمية، حضره قرابة 8 آلاف مشترك إلى جانب عدد كبير من الخبراء والمدعوين من شركاء التنمية والدول الأخرى ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولى. وكانت الجلسة المحورية فيه والتى حضرها السيد رئيس الجمهورية تناقش المشكلة السكانية مع الحضور ووزارة الصحة والسكان، ثم فى جلسة هامة أخرى للوزارة بالشركة مع المكتب الإقليمى لمنظمة الصحة الدولية فى مصر لوضع محاور وأولويات السياسات الصحية واﻻستراتيجية المستقبلية، وهذا ما أشرنا إلى أهميته فى الحوار الوطنى الذى انتهى دون وضع رؤية محددة للإصلاح عدا بعض التوصيات الجزئية.
وفى تلك الجلسة الهامة حددت الوزارة 6 محاور أساسية للإصلاح كالآتى:
ــ تعزيز النظم الصحية نحو التغطية الصحية الشاملة وتعزيز الوصول إلى خدمات الصحة الأساسية ذات الجودة وفق المعايير العالمية من خلال التوسع فى منظومة التأمين الصحى الشامل الجديد.
ــ تعزيز الصحة والرفاه خاصة لكبار السن وتحسين نوعية الحياة.
ــ الوقاية من الأمراض ومكافحتها وذلك من خلال الحد من أعباء الأمراض غير السارية وتعزيز أنظمة الترصد وتعزيز الصحة النفسية والرفاه فى مختلف المراحل العمرية.
ــ تعزيز الوقاية والتأهب واﻻستجابة للأمن الصحى من خلال دعم مرونة النظام الصحى.
ــ تعزيز العدالة الصحية والحوكمة والقيادة والمساءلة وتأسيس ثقافة المشاركة النشطة والشفافية فى صنع القرار.
ــ تعزيز اﻻبتكار فى مجال الصحة الرقمية من أجل التغطية الصحية الشاملة.
• • •
الخلاصة، مما سبق نؤكد أن كل ما هو رأسى يستمر فى إطار تأمين أفقى أشمل يتسم باﻻستدامة واﻻستمرارية والفاعلية وهذا ما سيساهم فى شمول واكتمال السياسات وضمان ما لم يحققه الحوار الوطنى فى ملف الصحة.. لو التزمت وزارة الصحة بتنفيذ هذه المحاور فى مواعيد محددة كما وضعها المؤتمر الأخير للصحة والسكان والتنمية.

علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات