«نظام جديد».. نبوءة ثورة اجتماعية تقلب العالم.. أم مجرد فيلم؟ - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«نظام جديد».. نبوءة ثورة اجتماعية تقلب العالم.. أم مجرد فيلم؟

نشر فى : الثلاثاء 19 يناير 2021 - 6:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 يناير 2021 - 6:20 م

فى فيلمه الجديد «نظام جديد» المثير بتوتره وعنفه وقسوة الدراما فيه، يهتم المخرج والمؤلف المكسيكى الشهير ميشيل فرانكو بصدمة المشاهدين فى حياتهم أكثر من سعيه وراء آهات إعجاب، حيث يعود مرة أخرى بقصة بائسة عن نشوب «ثورة» تكشف عمق رسالتها المرعبة، وتنفذ وسط نظام عالمى قاس ومضطرب ومتخبط، ويقدمها عبر سيناريو متعدد السرد باكتشاف عدة شخصيات من خلفيات اجتماعية متنوعه تفاجئنا بفعلها على الشاشة.
قيمة العمل السينمائى الذى ينافس على الأوسكار بعد اقتناصه جائزة لجنة التحكيم الكبرى بمهرجان فينيسيا، فضلا عن عرضه على شاشة «القاهرة» السينمائى، تحمل عدة أوجه فى مقدمتها أنه يأتى النظام الجديد عندما تكون الديمقراطية على المحك، والسياسة مضطربة للغاية، والنتيجة النهائية غالبا ما تكون غير مرضية ايضا لأنها تشكل ممارسات تجريبية تلقى بظلالها على الجميع، فكل طبقة تم تصويرها فى الفيلم «الأغنياء والفقراء والحكومة والمسلحين» مدانة، المتمردون لا ينتفضون من أجل المساواة فى الحقوق والفرص.. إنهم يريدون فقط المجوهرات الفاخرة وحتى الأثرياء سلوكهم غير سوى.
يقدم لنا المخرج والمؤلف ميشيل فرانكو صورة رائعة لإثارة التوتر خلال أول ثلاثين دقيقة من عرضه، ثم ينحدر الفيلم إلى تعذيب لا هوادة فيه كصورة للفساد البشرى والشر الكامن داخل نفوس من يقومون بالتعذيب، وتكمن إشكالية العمل فى رسالته من خلال تحذيرها من أنه من الأفضل عدم الشكوى لأن الوضع يمكن أن يزداد سوءا وينتهى الأمر إلى تخدير المتفرج حيث إن العالم يتجه أكثر نحو الفوضى، وفى إطار المخاطر والصراع الذى نحن على وشك رؤيته، ليس هناك بصيص من أمل يمكن العثور عليه هنا، وربما يكون الفيلم مقنعا فى رؤيته تلك، وهذا يعود إلى الحبكة الفنية المدهشة.
الفيلم يضع أمامنا المكسيك الحديثة، وبينما نلحظ الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون، تنفجر دراما العمل أمامنا كحكاية تحذيرية مقلقة لمجتمع يتسم بالانقسامات الطبقية المتطرفة؛ فنحن نرى فى المشاهد الأولى حفل زفاف بـ«مكسيكو سيتى» تشارك فيه عائلتان ثريتان فى منزل جميل محاط بجدران يخضع لحراسة مشددة، حيث يقام حفل الزفاف الفخم، فيما تجتاح الاحتجاجات والفوضى والعنف الشوارع فى صورة غير متوقعة، وسرعان ما ينزف الانفجار الصادم للحرب الطبقية داخل الحفلة، ونشاهد كل ذلك من خلال عيون العروس الشابة المتعاطفة والخدم الذين يعملون لصالح عائلتها الثرية، ومن خلال عدد من الصور الجذابة، يتتبع الفيلم انهيار نظام سياسى مع ظهور بديل يعقبه أكثر ترويعا.
خيال مخرجنا صادم حول استنتاج واقع مؤلم فى المستقبل القريب القاتم، انطلق من توقف حفل زفاف المجتمع الراقى بوصول ضيوف غير مرحب بهم يفسحون المجال لانقلاب عنيف، وانتفاضة حرب الطبقات حيث صور الأشخاص من الطبقة الدنيا وهم يبدون مثل البلطجية، والأثرياء ذوى نفوذ ووجاهة.
قد يبدو نهج فرانكو هنا غير مبرر، ومع ذلك فإن تصويره للحرب الطبقية المعاصرة كان مدهشا، حيث يلتقط كل شىء من الرفض للأثرياء إلى عنف المحرومين، ومع تلك القصة هناك قصة اخرى تتعلق بالعروس «ماريان» التى تجسدها نيان جونزاليز، ففى لقطات قصيرة شبه سيريالة فى عشوائيتها للمذبحة القادمة من هرج ومرج فى المستشفى، والجثث ملطخة بطلاء أخضر لامع ودماء حمراء متوهجة (تلك الألوان التى تشير للعلم المكسيكى)، يتم إبعاد مرضى المستشفى قسرا من قبل المتظاهرين الذين استولوا على جناح استقبال، قبل اقتحام حفل الزفاف، يأتى شخص يدعى «رولاندو» إلى المنزل نيابة عن زوجته المريضة، والتى كانت تعمل لدى العائلة الثرية لسنوات عديدة؛ كانت واحدة من هؤلاء المرضى الذين تم إخراجهم من المستشفى، والطريقة الوحيدة لإجراء الجراحة التى تحتاجها لإنقاذ حياتها هى نقلها إلى عيادة خاصة تطلب الدفع مقدما، وترفض الأسرة مساعدته وتطرده، فيما تحاول «ماريان» اللحاق به لمنحه المال الذى يحتاجه، لتجد نفسها فى خضم انقلاب عنيف، بينما يتم اقتحام المنزل وإطلاق النار على الناس ونهب المكان بحثا عن الأشياء الثمينة؛ ويتم اختطاف «ماريان» من أجل الحصول على فدية، بينما يفرض الجيش الأحكام العرفية وتستغل العناصر الفاشية فى وقت قصير الفوضى لفرض حكومة شمولية ستنتصر على الأغنياء والفقراء على حد سواء.
قدم طاقم الممثلين أداء جذابا وحيًّا، ومشاعر موحية بالكثير، وفى مقدمتهم نانيا جونزالز من جسدت دور ماريان ومدى صدقها فى تعاطفها مع الفقراء ومونيكا ديل كارمن بتعبيرات آلامها فى شخصية مارتا، ودييجو بونيتا بشخصية دانيال، وفرناندو كواتيلى، وايليجو ميلينديز الذى جسد رولاندو، والذين وظفهم المخرج وكاتب السيناريو ميشيل فرانكو فى انفجار العنف لتوضيح وجهة نظره التى تتناول بشكل مباشر العيوب المنهجية فى النسخة الحالية من الرأسمالية، حيث تؤدى إلى نوع جديد من الإقطاع وانه إذا لم تكن النوايا حسنة لجعل الأثرياء والأقوياء يفكرون فى حق الاخرين فى الحياة كما يقترح «نظام جديد»، فهناك دائما خوف.
وأنا أشاهد الفيلم الرائع فنيا بنظرته الساخرة والمستوحى من موجات الاضطراب المدنية التى يشعر بها العالم، تساءلت متأثرا بنهايته: هل هذا بالفعل ما ينتظر المجتمعات فى أماكن كثيرة بالعالم ويمكنها ان ينقلب رأسا على عقب بحسب ما يتوقع فرانكو، وأعود لأقول إنه مجرد فيلم حول كيفية حدوث ثورة، فلنعش واقعنا ونسعد به !!.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات