الأهلية السياسية للجميع والمسئولية كذلك - ريم سعد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأهلية السياسية للجميع والمسئولية كذلك

نشر فى : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص

عندما سألت الفلاح الذى أعرفه منذ زمن وبيننا مودة وثقة عن سبب تصويته بنعم فى الاستفتاء الأخير على مشروع الدستور، بدا عليه بعض الحرج وهو يخبرنى أنه كأمى لا يقرأ ولا يكتب لم يكن باستطاعته قراءة الدستور ولم يكن باليد حيلة، سوى أن «يمشى ورا الناس اللى بتفهم» وأن يفعل كما قالوا له. تطابق حديث الرجل وطريقة وصفه لنفسه مع الأقوال التى ترددت عبر السنتين الماضيتين من أفراد من قوى سياسية، رأت فى الأمية سببا رئيسا فى سيادة الخيارات «الظلامية» ، لأن الأمى لا حول له ولا قوة ، وبالتالى فهو عديم الإرادة سهل الانقياد.

 

تقديرى أن حرج الرجل لم يكن بسبب أميته وإنما لأنه لم يكن صادقا تماما معى ــ لم يكذب لكنه فقط قرر أن يريحنى ويعطينى إجابة نموذجية اقتبسها كما هى من خطاب نخبوى سائد اختزل السبب الرئيس للقرار غير المستقل للناخب فى مسألة الجهل بالقراءة و الكتابة. ربما قدر الرجل أن الأمية سبب مقبول ولن يثير نقاشا قد يكون مزعجا أو محرجا لكلينا ويعفيه من الدخول فى تفاصيل، خاصة تتعلق بتفاهمات معقدة تحكمها علاقات قوى وتبادل منافع فى مجتمع ريفى ذى لمحات قبلية.

 

•••

 

الحوار بشكله الحالى حول دور الأمية فى الاتجاهات التصويتية مزعج وضار لعدة أسباب. أولا، وقبل كل شىء، فالمساواة بين المواطنين من حيث الأهلية السياسية مسألة مبدأ والتشكيك فى جماعة ما على أساس الصلاحية الانتخابية لأفرادها مرفوض مبدئيا، كما أنه يفتح طريق الإقصاء بلا نهاية. فكل فصيل سياسى أو اجتماعى لديه آراء قاطعة فى آخرين، وبإمكان هذا الطرف أو ذاك سرد أسباب لإقصاء هذه المجموعة أو تلك أو الانتقاص من حقوقها الانتخابية والسياسية (كما يحدث مثلا مع مزدوجى الجنسية).

 

إلى جانب المبدأ فالحقيقة أنه لا دليل على العلاقة السببية بين الأمية فى حد ذاتها وبين الانقياد وغياب الإرادة، ولو أخذنا التصويت بـ«نعم» فى الاستفتاء الأخير كمؤشر، فصحيح أن المناطق التى اكتسحتها الـ«نعم» هى مناطق ذات نسبة أمية مرتفعة لكن الأمية هى واحدة فقط ضمن صفات عديدة تتميز بها تلك المجتمعات الريفية الفقيرة التى يسود سكانها إحساس عميق ــ وفى محله ــ بالتهميش والتجاهل من قبل السلطات الرسمية بأنواعها ــ لذلك فلا سبب مطلقا لثقة أو أمل فى علاقة مجردة مع صندوق الانتخاب وتصبح العلاقات الاجتماعية المباشرة هى العصفور الذى فى اليد.

 

•••

 

الأمية بالطبع مصيبة والقراءة شىء رائع لكن فيما يخص موضوعنا هذا، فهى واحدة فقط ضمن وسائل معرفة عديدة ومتنوعة ومتاحة لمن يسعى لها. ونستطيع أن نزعم أن الغالبية العظمى ممن أدلوا بأصواتهم، إما أنهم حددوا اختيارهم وفق انحيازهم لفصيل سياسى معين، أو بنوا قرارهم على مصادر شفاهية سواء كانت مناقشات مع من حولهم أو عبر وسائط الإعلام المرئية والمسموعة خاصة برامج التليفزيون والتوك شو.

 

الأمى هو فقط شخص لا يعرف القراءة و الكتابة لكنه ليس معتوها ولا أبله، وهو لم يكن مسلوب الإرادة حين أدلى بصوته بل كان يعرف تماما ما يفعل، ولذلك فإن إلقاء اللوم على الأمية يوفر عذرا مريحا لكثير من الناخبين الذين اختاروا التفريط فى استقلال قرارهم. واحترام الناس لا يتأتى فقط بالمناداة بالأهلية السياسية للجميع وإنما أيضا بالتأكيد على وجهها الآخر وهو المسئولية.

التعليقات