نحن والقبيلة - محمد الهادي الدايري - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحن والقبيلة

نشر فى : الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 7:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 أبريل 2021 - 7:25 م
يثير وجود القبيلة كأحد المكونات الرئيسية فى المجتمع الليبى نقاشا يتسم أحيانا بالحدة، حيث أثار كتاب صدر منذ سنوات عن أستاذ أكاديمى من الشقيقة تونس، الدكتور الراحل المنصف وناس، حول «القبيلة والغنيمة» فى ليبيا حفيظة الكثيرين فى أوساط أكاديمية ومجتمعية الذين اعتبروه اختزالا وتبسيطا بل وتجنيا على القبيلة. إلا أنه لا يخفى على أحد أن انخراط القبيلة فى أمور الدولة والخلافات التى تنشأ بينها يؤدى هو الآخر إلى وجود ردود فعل داخل بلادنا أقل ما يقال عنها أنها تعارض تدخل القبيلة فى شئون الدولة من حيث المبدأ. كما أنه عند البحث عن حلول لأزمة ليبيا الحالية، تحتل القبيلة موقع الصدارة، إذا لم «تحتكر» الحل فى منظور البعض داخليا وخارجيا، دون غيرها من مكونات أخرى قد تؤثر على مجريات الأمور فى هذا الصدد.
***
ولنأتى أولا على «الغنيمة»، لنلاحظ أن القبيلة لم تستأثر بالوصول إلى عوائد الثروة، ولكن مجموعات مصالح متشابكة من متقلدين لمناصب عليا فى الدولة والسلطة السياسية، مع أوساط أعمال تمكنت فى العقود التى تلت ميلاد ليبيا الحديثة من الظفر بجزء كبير من أموال طائلة وفرتها الدولة الريعية. وإذا انتمى بعض هؤلاء إلى قبائل معينة تمكنت أحيانا من مساعدتهم فى الوصول إلى مواقع صنع القرار السياسى والاقتصادى، فإن الانتماء إلى الحزب الواحد أو المكونات السياسية الجديدة التى وجدت طريقها إلى النور بعد انتفاضة 2011 أو إلى السلطة التشريعية حتى على أساس فردى، قد وسع من نطاق نهب المال العام والتكالب عليه. وقد استفحل الأمر باعتماد بعض هذه الأوساط المختلفة على مجموعات وميليشيات مسلحة قبلية وجهوية وعرقية ارتدت جميعها عباءة «الثورة» حتى تتمكن هى الأخرى من «شرعنة» نهبها هى، وجشع هؤلاء الحلفاء سياسيا.
أما بالنسبة للمشهد العام، وخاصة السياسى منه، فلم تعد القبيلة تستأثر فيه بحيز كبير فيه، حيث ظهرت القيادة السياسية وحزبها الواحد كأحد المؤثرين الأساسيين إبان النظام السابق، متجاوزين فى كثير من الأحيان القبيلة والمكونات الجهوية، خاصة عندما كان الأمر يتعلق بالأمن السياسى وتوجهات السياسات العامة الداخلية والخارجية. ولا يختلف الأمر فى العقد الذى تلى 2011، حيث يتلازم وجود القبيلة جنبا إلى جنب مع مكونات حزبية وتيارات سياسية جديدة، ومع مجتمع مدنى نشط يبذل جهودا حثيثة ملحوظة فى التواجد والتأثير على المشهد العام فى ليبيا. فمن الجدير بالذكر أن رياح التغيير والحرية التى جاءت مع حراك عام 2011 أدت إلى ظهور أوساط ومكونات مؤثرة لم تعهدها ليبيا الحديثة منذ الاستقلال.
***
وعودة للقبيلة، فإن مجريات التاريخ والنظرة الفاحصة إلى دورها، تفوق بكثير التقييم السلبى السائد عادة فى أوساط أكاديمية، التى تأثرت بالاستشراق والمستشرقين، وأخرى مجتمعية تنادى عادة بالحداثة وترى فى القبيلة خصائص مجتمع تقليدى ومحافظ. بيد أنه، وعلى مر العصور، كان للقبيلة دورا متميزا فى التصدى للتهديدات الخارجية، سبقت حتى الاستعمار الإيطالى فى القرن الماضى لتجابه السلطة المركزية العثمانية. ومثل النضال ضد المستعمر الإيطالى أحد معالم الوحدة الوطنية، لتتصدره على حد سواء قبائل الجنوب والشرق والغرب الليبية. ومن ثم، لا يمكننا إلا أن نشيد بالتعبئة المجتمعية وتصدى الليبيين للمستعمر الغاشم الذى قادته قبائلهم. إذا، يقع لزاما علينا أن نثمن للقبيلة دورها الطليعى فى الدفاع عن الوطن والذود عن حماه.
وفضلا عن ذلك، تكمن أحد ملامح الحضور القبلى فى اضطلاع القبيلة برأب الصدع حتى بين أبناء القبيلة الواحدة فى ظل نشوب خلافات بينهم، ووساطة تقوم بها لحل خلافات بين قبائل أخرى، أحيانا أخرى. ومن هنا، لا يوجد أدنى شك فى قيام القبيلة بدور هام وطليعى فى المصالحة الوطنية، وهو دور مشهود لها سابقا وننتظر إنجازه فى الفترة القادمة لتجاوز جراح وآلام الكثيرين فى ليبيا، بعد فترة صراع مسلح حاد. صحيح أن قوى مجتمعية ستشارك هى الأخرى فى هذا الاستحقاق الوطنى الهام جنبا إلى جنب مع القبيلة، لكنه لا يمكن الاستهانة بالخبرة التراكمية والمعرفة العميقة التى يتمتع بها المكون القبلى فى الوساطة وبالتالى فى مصالحة وطنية تشكل أحد الدعائم الأساسية للخروج من الأزمة الحالية التى لا يمكن حلها فقط من خلال تقاسم للسلطة السياسية وهو ما حدث أخيرا. كما أن الأزمة لن تنتهى بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية فى المنظور القريب. حتى إنهاء الميليشيات وتوحيد المؤسسة العسكرية لن يكتبا لهما النجاح بدون رافد مجتمعى يقود مصالحة وطنية شاملة، لأن أوجه الخلافات العميقة كانت سياسية وأمنية ــ وأخرى تتعلق بالثروة هيمن عليها البعضــ بين أطراف ومجموعات تجاوزت سلطة القبيلة.
***
لا يمكن إذا اختزال الحل السياسى فى القبيلة، كما يعتقد البعض، ولا تصور استحواذها على القرار السياسى والاقتصادى والعسكرى، بل إن أطرافا سياسية وجماعات مسلحة ومنظومات فساد مالى تجاوزت القبيلة وتشكلت من أفراد وجماعات لا يأتمرون بالضرورة بتوجيهاتها، بل يقودونها هم بدلا من أن تقود. ولم تختلف تشكيلات المجتمع المدنى المؤثرة على المشهد العام فى استقلالها عن القبيلة. وبالتالى، وجدت القبيلة نفسها إلى جانب قوى أخرى تتنافس جميعها على التأثير على صنع القرار السياسى والاقتصادى والأمنى، حتى وإن لجأت وللأسف بعض هذه القوى، بما فيها القبيلة، إلى إعلاء صوت السلاح على صوت الحوار والعقل، لتحقيق أهداف سياسية وأخرى للظفر بعوائد الثروة. وهو نهج مرفوض أساسا ومن جميع هذه القوى.
وباختصار، نظل جميعا على اختلاف فى الاصطفاف وراء هذا التنظيم السياسى أو ذاك، أو مع الانخراط فى نشاط هذه المنظمة أو تلك من منظمات المجتمع المدنى، لكننا سنتمسك بقبيلتنا الفتية فى مواجهة الخطر الخارجى الذى ما زال يحدق بنا، ونصبو فى نفس الوقت إلى إشراك التجمعات القبلية فى إصلاح ذات البين بيننا، بعد أن افترقنا بحدة، خاصة وأن وضع هذا المشروع الوطنى موضع التنفيذ سيتطلب بعضا من الوقت.
محمد الهادي الدايري وزير خارجية ليبيا الأسبق
التعليقات