فى تيارنا المدنى الديمقراطى - محمد الهادي الدايري - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى تيارنا المدنى الديمقراطى

نشر فى : الخميس 8 يونيو 2023 - 7:05 م | آخر تحديث : الخميس 8 يونيو 2023 - 7:05 م

لم تكن نتائج انتخابات 12 يوليو 2012 البرلمانية، وخاصة فى شقها الحزبى، مفاجأة للشعب الليبى. فمن ضمن 120 مقعدا خصصت للأحزاب حينها، فاز «تحالف القوى الوطنية» بقيادة الدكتور الراحل محمود جبريل بـ39 مقعدا، بينما لم يتحصل حزب العدالة والبناء، ذراع الإخوان المسلمين السياسية، إلا على 17 مقعدا فقط. ذلك أن د. محمود جبريل، رحمه الله، كان المحرك الأساسى لتيار وطنى يؤمن بدولة مدنية عمادها القانون والمؤسسات، يواكبها مشروع نهضوى للرفع من قدرات البلاد الاقتصادية ليمكنها من تحسين المستوى المعيشى للمواطن والمواطنة فى ليبيا، وعلى أسس سليمة، بعيدا عن الفساد المستشرى فى البلاد وعن أثقال خزينة الدولة بمرتبات لأعداد مهولة من «الموظفين» عديمى الإنتاج. فقد عرف الشعب الليبى الدكتور الراحل من خلال تقديمه فى 2007، إبان النظام السياسى السابق، لمشروع «رؤية ليبيا 2025: مفهوم التنمية المستدامة». لكنهم تعرفوا عن قرب على قدراته السياسية وشخصيته الكاريزمية، بعد توليه رئاسة المكتب التنفيذى (الحكومة) الناجم عن حراك 17 فبراير 2011.
إلا أن أقدار البلاد أدت إلى وجود تيار دأب على «شيطنة» الدكتور الراحل ومحاربته شخصيا، إلى أن انتهى الأمر إلى تصويت المؤتمر الوطنى العام (البرلمان) على قانون العزل السياسى فى 2013 بقوة سلاح المتطرفين الذين لم تروق لهم الشعبية التى كان يمتع بها د. جبريل، ولا إمكانيات «التحالف» فى القيام بمشروع وطنى وديمقراطى، بعيدا عن أجندة الإسلام السياسى ذات التأثير المحدود فى ليبيا. بل وصل الأمر إلى اتهام (التحالف) زورا وبهتانا بتدبير «انقلاب» فى يوليو 2013 والذى أدى إلى تشكيل مجموعة مسلحة تتغطى بعباءة «الثورية» لم تتردد فى أكتوبر 2013 فى اختطاف رئيس الوزراء حينئذ السيد على زيدان.
ثم كان التوجه قبل انتخابات يونيو 2014 النيابية إلى حصرها على الأفراد، وإبعاد الأحزاب من المشاركة فيها. وهو أمر كان أحد أسباب ضعف زخم الأحزاب السياسية وشل قدرتها على المشاركة الفعالة فى الحياة العامة، حيث شكل هذا الإقصاء ضربة قوية إلى دورها وتواجدها، لتخلو الساحة إلى الأجندات والأطماع الشخصية التى سيطرت على السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء، لتبلغ ذروتها فى تفاقم نهب المال العام على يد الكثيرين فى السلطتين، ناهينا عن بروز طبقة من التجار أثرت بطرق فاحشة وملتوية مستفيدة من «إكراميات» محافظ المصرف المركزى الذى أغدق عليهم الاعتمادات لاستيراد بضائع كانت أحيانا وهمية لتسمح لحامليها من تصريف عملة هذه الاعتمادات الأجنبية فى السوق السوداء.
• • •
جاء قانونا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2021 ليؤكدا على منع الأحزاب السياسية من المشاركة فى هذه الانتخابات، برغم تجاوز عدد الأحزاب الجديدة ــ التى تقدمت فى عام 2021 لوزارة العدل بطلب الحصول على ترخيص لممارسة العمل السياسى ــ 200 حزب موزع على كل الأراضى الليبية. بيد أنه ينبغى التنويه بأن بعض الأحزاب الجديدة والفاعلة بذلت مجهودا يذكر مع كل الأطراف الداخلية والخارجية من أجل التأكيد على ضرورة فتح المجال لها كى تكون أساس تنظيم ومستقبل الانتخابات على الصعيد السياسى، شأنها شأن كل الدول التى تتمتع بحياة ديمقراطية عادية. ومن ثم، فإن النتائج الأولية لمحادثات «بوزنيقة» فى المغرب للجنة المشتركة المشكلة من مجلسى النواب والأعلى للدولة أفضت إلى انتخابات برلمانية تئول فيها 60% من المقاعد إلى الأحزاب السياسية و40% للأفراد.
وفى نفس الوقت، يظل الطريق إلى الانتخابات الرئاسية والنيابية صعبا ومعبدا بالمخاطر، خاصة وأن هناك اعتراضات كثيرة ومن أوساط متعددة فى الداخل على نتائج مفاوضات «بوزنيقة». وإذا حلت نهاية الشهر الحالى بدون تجاوز كل هذه المعارضة لقوانين الانتخابات الرئاسية والنيابية، فإن المبعوث الأممى السيد عبدالله باتيلى، بدعم من الأطراف الدولية الفاعلة فى الملف الليبى، سيضطر إلى تشكيل لجنة عليا للانتخابات يتم تعيينها من قبل بعثة الأمم المتحدة، للانتهاء من وضع الأساس الدستورى ومعالجة نقاط الخلاف فى الإعلان الدستورى، والعمل على وضع القوانين الانتخابية اللازمة لإنجاز الانتخابات فى البلاد. كما رشح أن المبادرة الأممية تسعى إلى تكليف اللجنة المقترحة بوضع خارطة طريق بخطوات محددة نحو إجراء الانتخابات، ووضع ميثاق بين الأطراف السياسية لضمان القبول بنتائجها، والتوافق على آليات تأمين العملية الانتخابية، وتوحيد السلطة التنفيذية، واتخاذ إجراءات انتقالية لضمان حيادية الحكومة الموحدة وخلق فرص متكافئة لكل المرشحين.
• • •
فى خضم هذه الأجواء الملبدة بالغيوم، يلوح فى الأفق إصرار داخلى لدى غالبية أوساط الرأى العام فى ليبيا، يقابله تصميم واضح من المجتمع الدولى على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لأسباب أخرى مختلفة. ومن هنا، يقع عبء اضطلاع التيار الوطنى الديمقراطى بدور هام للخروج بالبلاد من الفترة الحرجة التى عانت ولا تزال تعانى منها. ومن نافلة القول إنه ثمة تحديات كبيرة تواجه هذا التيار لا مفر له من مواجهتها، وإيجاد الحلول الناجعة لها. وتعتبر الطموحات الفردية لبعض قيادات هذا التيار أهم عائق لتلبية حاجات وضرورات المرحلة القادمة. فقد رأينا العديد من شخصيات هذا التيار ضمن 98 مترشحا تقدموا للانتخابات الرئاسية التى لم ترَ النور فى عام 2021 بسبب «القوة القاهرة». إذا، يقع لزاما على جموع وقادة أحزاب التيار المدنى الديمقراطى العمل الدءوب من أجل تجاوز الطموحات الشخصية التى بتفرقها تضر بصالح هذه الأحزاب ودورها الإيجابى المنتظر فى قريب الأعوام. إن اتحاد هذه الأحزاب وتوافقها على مرشح رئاسى واحد يتمتع بمصداقية أساسها حسه الوطنى والبرنامج الانتخابى الذى سيقدمه من شأنه مواجهة مرشحين آخرين لاحت حظوظهم الكبيرة من خلال استفتاءات سبقت انتخابات 2021 المؤجلة. ولا يقتصر مفهوم أن الاتحاد فى حد ذاته قوة على المعترك الرئاسى، بل إنه يخص كذلك الانتخابات النيابية، بحيث تظهر إلى حيز الوجود قوائم ائتلافية وتنسيق بين مرشحى هذا التيار.
وفيما تتسم قوة الاتحاد بالضرورة الملحة، إلا أنها وحدها غير كافية، ليكتسى تقديم برامج ذات مصداقية تلبى حاجات ومطالب قطاعات عريضة فى الرأى العام نفس الأهمية القصوى. وفى هذا الإطار، تعتبر محاربة الفساد كأعلى أولويات المواضيع التى ينبغى التركيز عليها على يد التيار المدنى، حيث حافظت ليبيا على ترتيبها من ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فسادا فى العالم، بعدما ذكرت منظمة الشفافية الدولية مؤخرا إن «المسئولين العامين الفاسدين يخدمون أنفسهم بدلا من الشعب الليبى، فى وقت تتصارع النخب مع بعضها البعض على موارد النفط»، وخلصت إلى أن البلاد «لن تستطيع المُضى قدما إلا عندما يوقف القادة حلقة الفساد». وحصلت ليبيا على 17 درجة على مقياس من صفر (فاسد للغاية) إلى 100 (نظيف للغاية) لتحتل المركز 171 عالميا من ضمن 180 دولة، وفق مؤشر مدركات الفساد لسنة 2022 الذى تُصدره منظمة الشفافية الدولية سنويا. وما من شك فى إنه بالإضافة إلى هذه التقارير الدولية، ثمة سخط شعبى كبير وواضح على ظاهرة الفساد الذى يرتكبه المتصدرون للمشهد.
يحتل كذلك ملف الأمن العام والسياسى صدارة الأولويات التى يتوق إليها المواطن والمواطنة فى ليبيا واللذين ينبغى أن يتم التركيز عليهما من قبل هذا التيار. ذلك أن خروقات النظام العام والمساس بأمن وسلامة المواطنة والمواطن معروفة وتحدث للأسف بصورة شبه يومية. وإذا قلت عمليات الخطف والتعذيب عن ذى قبل، فإن المواطن والمواطنة لا يزالان يئنان تحت وطأة تهديدات متكررة لأمنهما. كما أن موضوع اللامركزية هو من ضمن الأولويات التى لا ينبغى إغفالها ويتمتع بزخم كبير وقبول واضح فى البلاد، بالرغم من أن نظام الدولة النهائى القادم، الواحد أو الفيدرالى، هو شأن سيبت فيه دستور البلاد مستقبلا.
وإذا شكلت المواضيع آنفة الذكر عناوين واضحة لبرامج هذا التيار، فإن وضعها فى إطار تنمية متكاملة فى مناحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية سيرفع من قدرته على الإقناع بأنه القادر على القيام بدور طليعى ومحورى فى إنقاذ الوطن من براثن الفساد وضياع مقدراته، والرفع من مستوى التعليم والصحة وخدمات أخرى أساسية يعانى منها الشعب الليبى الآن.
• • •
مرة أخرى، يظل الرهان على هذا التيار عظيمًا، لكن عظمته الحقيقية تكمن فى تفهم قادته، والجموع المشكلة له والتى تلتف حوله، ضرورة تغليب مصلحة الوطن العليا. ولا يسعنا إلا أن نثمن ظهور ائتلاف لأحزاب تنتمى لهذا التيار فى شرق البلاد، ولكى يكون لأى ائتلاف مستقبل واعد، لابد أن يضم كل الأحزاب المدنية فى كافة أرجاء البلاد. ولنا فى تجربة «نداء تونس» التى قادها الرئيس التونسى الراحل، الباجى قائد السبسى، خير مثال لبلوغ تيار المدنية والاعتدال هرم السلطة التنفيذية واكتساح أروقة السلطة التشريعية.
ومن ثم، فإن إعلاء صوت دولة القانون والمؤسسات التى ننشدها كخيار استراتيجى للوطن لابد أن يحتل صدارة اهتمامات تيار المدنية والديمقراطية.
لقد دلل معظم الشعب الليبى بعد 2011، إنه عندما تتاح لهم فرصة ممارسة حقهم الانتخابى، لا يترددون فى تفضيل هذا الخيار الاستراتيجى، بعيدا عن التطرف والعنف «الجماهيرى» أو «الفبرايرى». وعلى الأحزاب والقوى المدنية والديمقراطية أن ترتقى بأدائها إلى مستوى هذه الطموحات فى الأشهر والأعوام القادمة الهامة للخروج من نفق مظلم وبلوغ مستقبل أفضل للوطن.
وزير خارجية ليبيا الأسبق

محمد الهادي الدايري وزير خارجية ليبيا الأسبق
التعليقات