حديث العشوائيات - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حديث العشوائيات

نشر فى : الإثنين 21 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 مايو 2012 - 8:00 ص

فى الوقت الذى كانت تتوالى فيه وعود المرشحين للرياسة بالقضاء على العشوائيات وإحلال المناطق السكنية المتدهورة، كان رؤساء الأحياء والمسئولون عن الإدارة المحلية فى المدن الكبرى مثل القاهرة يبذلون أقصى ما فى وسعهم لتحويل الأحياء السكنية العريقة والشوارع الأنيقة إلى أحياء للصفيح جنبا إلى جنب، لكى ترتفع مكانها المبانى الأسمنتية الشاهقة التى تخلو من لمسة الجمال والنظافة.. لتجد مدينة القاهرة نفسها خلال السنوات الأخيرة معدومة الخضرة منزوعة الجمال قبيحة العمارة.. جرى هدم معظم الفيللات والبيوت السكنية الصغيرة فى أحيائها المتناثرة. وضاقت شوارعها ومداخلها لحساب المتاجر والمولات والدكاكين.. وقبل كل شىء لحساب عشرات الألوف من أماكن انتظار السيارات. بعد أن تجاهل المسئولون ما تقتضيه اللوائح والقوانين من إلزام أصحاب العمارات بإقامة جراجات لساكنيها.

 

ويبدو أن كل من يستطيع استباق المتغيرات القادمة، أو يظن ذلك، سارع إلى هدم ما يريد هدمه وبناء ما يريد بناءه قبل أن يأتى التطوير المزعوم على أيدى الرؤساء الجدد.

 

فقد استيقظنا ذات يوم من الأسبوع الأخير قبل الصمت الانتخابى، على هدير معدات الهدم وقطع الأشجار فى أحد شوارع المهندسين الهادئة. ولم يكن الشارع الصغير الذى نقطن فيه هو الوحيد. فقد تكررت مذابح الأشجار التى كانت تميز منطقة المهندسين. واجتاحها وباء هدم الفيللات والمنازل الصغيرة لتقام بدلا منها عمارات ضخمة متعددة الطوابق. بدون جراجات وبدون مرافق. بل وبقى بعضها بدون سكان حتى الآن.

 

رؤساء الأحياء لا يعرفون شيئا عما يجرى فى أحيائهم. فما أيسر أن تتفق مع أحد المقاولين ليتولى ذبح الأشجار العتيقة الضخمة التى تظلل جانبى الشارع. وتتحول أوراقها وأغصانها وأخشابها إلى بضاعة مزجاة يذهب عائدها إلى تجار الردش والروبابيكيا. وكان استئصال شجرة قبل ذلك أو تقليم أغصانها يحتاج إلى إذن أو موافقة من الإدارة المحلية. ولكن حالة الفوضى المنفلتة أصبحت تسمح لكل شخص أن يغير ويبدل فى مرافق الشارع وجمالياته. لم يعد الانفلات أمنيا بل أصبح عقاريا ومعماريا وأخلاقيا.

 

وربما أكثر ما يساعد على نشوء العشوائيات بطريقة سرطانية تدمر النظام فى الأحياء السكنية القديمة عدم وجود قاعدة تمنع استخدام المناطق السكنية فى منشآت تجارية أو خدمية إلا بموافقة. وقد انتشرت عادة استيلاء المدارس الخاصة على المبانى والفيللات القديمة فى الأحياء السكنية مثل الزمالك والمهندسين وجاردن سيتى، فضلا عن المبانى الحكومية والمؤسسات الحزبية.

 

ومعظم البرامج التى وضعها المرشحون لتطوير العشوائيات والارتقاء بمستوى الإسكان هى مجرد أفكار عامة لا تراعى طبيعة التطور المجتمعى، ويكفى مثالا على ذلك ما ذكرناه عن إحدى المؤسسات التعليمية الغنية التى تتبعها مدارس للتعليم الأجنبى واللغات تبدأ من الكى جى إلى الدبلومة الأمريكية.. تتوزع فصولها فى عدة مبانٍ وفيللات متناثرة فى قلب القاهرة وتتبعها سيارات لنقل التلاميذ والتلميذات. تزدحم الشوارع الضيقة بهذه المدارس والتى غالبا ما تكون بدون فناء، ويضطر التلاميذ إلى التجمع خارج أسوارها فى الشارع، عرضة لحوادث الطريق!

 

ماذا تفعل الأحياء ورؤساء الأحياء للحفاظ على النظام والنظافة والتنسيق الحضارى فى المناطق التى تتبعهم؟

 

لا شىء.. فقد اجتثت الأشجار من الشوارع، وارتفعت سقالات البناء مكانها. وتكدست أكوام القمامة والردم والتراب أمام أبنية قبيحة غير مكتملة. ولا توجد مجالس محلية ــ إن وجدت ــ لمراقبة ما يحدث أو معاقبة المخالفين والزامهم بإزالة المخالفات. ولم أسمع من أحد من المرشحين من طافت بذهنه أو تضمنت برامجه

خططا لإصلاح المحليات وإعادة النهوض بالمجالس المحلية أو تفعيل الإدارة المحلية وفرض رقابة عليها لتكون مسئولة عن إزالة العشوائيات وعدم انتهاك الطبيعة وقطع الأشجار.

كل واحد ينتهز فرصة الفراغ السياسى والحكومى ليفعل ما يشاء، إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات