قمة الصين- آسيا الوسطى.. فرصة جديدة لقيادة النظام العالمي! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قمة الصين- آسيا الوسطى.. فرصة جديدة لقيادة النظام العالمي!

نشر فى : السبت 20 مايو 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : السبت 20 مايو 2023 - 6:45 م

يبدو أن القيادة الصينية برئاسة شى جين بينج عازمة على المضى قدما فى السياسة الخارجية النشطة التى بدأ الزعيم الصينى التخطيط لها قبل سنوات، ويبدو أن ٢٠٢٣ هى سنة التنفيذ الفعلى! إذ تسعى سياسة الصين الخارجية الجديدة أن تكون أكثر اعتمادا على الأدوات السياسية، بجانب الأدوات الأخرى ولا سيما الاقتصادية، وأن تكون أكثر إصرارا على الحضور لمزاحمة بل واستبدال مناطق النفوذ التقليدية للولايات المتحدة، مستغلة حالة الاستقطاب السياسى فى الأخيرة التى أبطأت وبشدة من الوجود الأمريكى على الساحة العالمية، وكذلك مستغلة لحالة الاستنزاف الروسى على الساحة الأوكرانية وحالة القلق والتعثر الاقتصادى الأوروبى جراء ذلك!
ورغم أن الصين نفسها شهدت هى الأخرى تراجعا فى معدلات النمو، إلا أن الإرادة الصينية السياسية واضحة فى تشكيل نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب وقائم على قيم ثقافية وسياسية واقتصادية مخالفة لتلك التى قام عليها النظام العالمى قبل أكثر من ثلاثين عاما أى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ١٩٩٠/١٩٩١.
فبعد أن عضد الرئيس الصينى من سلطته على الحزب الشيوعى ولجانه المركزية، وكذلك على كل مفاصل الدولة، العام الماضى، مستبعدا كل من يشك فى ولائه من قيادة الحزب، فقد بدأ دبلوماسيته النشيطة بتلك الوساطة التاريخية التى قامت بها بكين بين السعودية وإيران وكذلك بزيارته الهامة إلى روسيا قبل أسابيع والتى ظهرت فيها بكين مهيمنة ومساندة لموسكو أكثر منها شريكة لها! وبعد هذه الزيارة أخذت الصين فى التصرف باعتبارها وسيطا للسلام العالمى وهو ما ظهر بعد ذلك فى محادثات الرئيس الصينى مع نظيره الفرنسى وكذلك فى مباحثاته مع ممثلى الاتحاد الأوروبى فى بكين الشهر الماضى!
ومع تصاعد التوترات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فإن الصين وعن طريق وزير خارجيتها تشى جانج أعلنت عن استعدادها لوساطة جديدة هذه المرة بين إسرائيل وفلسطين على غرار تلك التى قامت بها بين الرياض وطهران، صحيح أنه لم يحدث الكثير من التطورات فى هذا الملف حتى الآن، لكن التحليلات المتاحة والمطلعة على مصادر دبلوماسية صينية تقول إن الصين تسعى بقوة فى هذا الملف لإنهاء غيابها الذى امتد لسنوات طويلة عن لعب دور وساطة سياسية مباشرة بين أطراف الصراع المعقد فى منطقة الشرق الأوسط!
• • •
وبالتوازى مع قمة الدول السبعة الكبار التى تستضيفها مدينة هيروشيما اليابانية من الجمعة ١٩ مايو وحتى الأحد ٢١ مايو والتى من المتوقع أن تكون بها لهجة دبلوماسية شديدة السلبية بخصوص روسيا والصين على هامش موقف الأخيرة ومناوراتها العسكرية بالقرب من تايوان، قامت الصين بدعوة دول آسيا الوسطى (كازاخستان، أوزبكستان، قرقزستان، تركمنستان، وطاجيكستان) إلى قمة بمقاطعة شنشى شمال غرب الصين يومى الخميس والجمعة ١٨ و١٩ مايو، لتقوم بتوقيع سبع وثائق بين ثنائية وثلاثية ومتعددة متفقة على نحو ١٠٠ اتفاقية تجارية وتكنولوجية وأخرى لها علاقة بالبنية التحتية!
أمام القمة، تحدث الرئيس الصينى ــ بحسب وكالة رويترز ــ مؤكدا على دعم بلاده للتنمية فى دول آسيا الوسطى، وعلى التزام الصين بتحديث بنيتها وبزيادة حجم التبادل التجارى بينها وبين الصين، مؤكدا أن هذا كله من شأنه تحقيق الاستقرار فى المنطقة! كذلك فقد تحدث الرئيس الصينى عن دعم بلاده للأمن الداخلى والخارجى لدول الإقليم مع دعم منظومتها الدفاعية، وزيادة الاستثمارات فيها لمضاعفة فرص العمل والقضاء على البطالة من خلال التزام الصين بتقديم دعم فنى ومالى يقدر بنحو ٤ مليارات دولار للدول الخمس، بالإضافة إلى تنشيط العلاقات التجارية التى قد بلغت العام الماضى وحده ٧٠ مليار دولار بين الصين وهذه الدول!
بالتوازى تحدث وزير الخارجية الصينى أمام قادة الدول المذكورة مؤكدا على سعى بلاده لإقامة «مجتمع» برؤية مستقبلية مشتركة بين هذه الدول وبين الصين، منوها لبدء العمل فى الخط «دال» وهو خط الغاز الطبيعى الذى سيربط بين الصين ودول وسط آسيا! هذا الخط سيكمل الخطوط الثلاثة الأخرى التى تربط بين الصين وكل من تركمنستان وكازاخستان بطول ١٩٠٠ كم وتنقل نحو ٥٥ مليار متر مكعب من الغاز سنويا!
الملفت فى هذه القمة، ليس فقط الإصرار الصينى على إعادة تشكيل النظام الدولى بتحدى الولايات المتحدة والغرب، ولكن الملفت أيضا أن هذه المساحة تحديدا «وسط آسيا» كانت شبه محتكرة لصالح روسيا لعقود، وهكذا فإن الصين صراحة لا تتخطى الولايات المتحدة فقط، ولكنها عمليا تنهى نفوذ وطموح الدب الروسى الذى من الواضح أن مستنقع أوكرانيا قد استنزفه تماما، ولكن وبدلا من أن تذهب المكاسب للغرب وحده، رأت الصين أن هذه فرصتها للحصول على مكاسب عالمية هى الأخرى!
كذلك من الملفت للنظر فى اللهجة الدبلوماسية التى تستخدمها الصين أنها أصبحت تؤكد فى كل المناسبات على تحدى الهيمنة الغربية، واتهام النظام الدولى العالمى بعدم العدالة، وبالقيام على التكتلات الاقتصادية والسياسية والأمنية التى تدعى الصين أنها تسعى لإزالتها وإقامة نظام دولى جديد ليس فقط متعدد الأقطاب، ولكن أيضا قائما على العدالة والانفتاح والمساواة!
واتساقا مع هذا المبدأ، فإن الصين أعلنت عزمها على مقاطعة مؤتمر قمة العشرين المزمع إقامته فى الهند فى سبتمبر المقبل، لأن الأخيرة اختارت أن تعقده فى الجزء الهندى من إقليم كشمير وهو ما ترفضه الصين تحت دعوى أنه سيقام فى أرض متنازع عليها وهو ما يتعارض مع مبادئ السلام الدولى الذى تدعى الصين السعى لإرسائها!
• • •
رؤية الصين للنظام العالمى الجديد الذى تطمح فى قيادته واضحة، فهى تريد إعادة تشكيل النظام الجديد ليس فقط عبر تغيير طريقة قيادة المؤسسات العالمية وصنع القرار بها، ولكن عبر تغيير قيم النظام الدولى نفسه والذى ظل منذ نهاية الحرب الباردة قائما على المنظومة القيمية الغربية بالأساس، ولا تكتفى الصين فقط بتكثيف استخدام أدواتها الاقتصادية والتجارية لتحقيق هذا التغيير، ولكنها بوعى وتصميم وتخطيط ــ يبدو موفقا حتى الآن ــ تسعى أيضا لملء الفراغات الاستراتيجية التى تركتها روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، بحيث إن الرؤية فى بكين أن تكون هى المستفيد الأول والأخير من الحرب الأوكرانية، لكن هل تتمكن من تحقيق ما تطمح إليه؟
يبدو أن الإجابة ليست فقط عند بكين ولكنها قد تكون عند واشنطن أيضا، ولكن وحتى تنتهى انتخابات الرئاسة الأمريكية نهاية العام القادم، فلا يبدو أن واشنطن ستقدم إجابات شاملة وهو ما يصب فى المصلحة الصينية على كل حال!

مدير برنامج التعاون الدبلوماسى الأمريكى اليابانى، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.