قل (أحداث يناير) ولا تقل (ثورة يناير) - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قل (أحداث يناير) ولا تقل (ثورة يناير)

نشر فى : الإثنين 20 يونيو 2011 - 9:49 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 يونيو 2011 - 9:49 ص

 خير ما فعلته الحكومة أنها لم تترك لنا أى مجال للشك فى نواياها، فهى لم تناور، ولم تحاول إخفاء موقفها من ثورة يناير. فقد أقرت بمنتهى الصراحة فى أهم وثيقة حكومية وهى موازنة الدولة أن ما جرى فى يناير، فى أروع أيام مصر على طول تاريخها، هو مجرد «أحداث» لا أكثر ولا أقل.

والغريب أن مشروع الموازنة فى أول إصدار أخرجته وزارة المالية فى بيان صحفى جاء فيه بالنص «أنه تم إعداد موازنة الدولة 2011/2012 فى ظل ظروف طارئة تمر بها مصر وهى ثورة يناير المجيدة». ولكن فى مشروع الموازنة الذى تم اعتماده جاءت نفس المقدمة إلا أنه تم تغيير كلمة «ثورة يناير المجيدة» وسمتها الحكومة «أحداث يناير».

وربما يكون إعلان الحكومة عن أن ما جرى فى يناير فى شوارع مصر بطولها وعرضها هو مجرد «أحداث» يريحنا كثيرا من البحث عن أسباب واقعية للإحباطات التى جاءت بها موازنة الدولة للعام المقبل، التى كان من الممكن أن ننظر إليها على اعتبار أنها «موازنة الثورة»، وبالتالى نحملها أكثر مما تحتمل، ونأمل فيها بقدر يفوق ما يستطيع صانعوها أن يقدموه. ولكن خيرا فعلت الحكومة بإعلانها المفضوح عن رؤيتها للثورة.

أما وهى موازنة «أحداث» فلا يصدمنا كثيرا أنها لم تنصف القطاع العريض من الأسر التى حلمت بأن الثورة ستخرجهم على وش الدنيا ولا تجعلهم كما كانوا قابعين تحتها. فموازنة «أحداث يناير» لم تجد فى خزائنها ما يسعفها لكى تعطى لهؤلاء الناس أكثر من 7.5 مليار جنيه، سيستفيد منهم 1.9 مليون بنى آدم يعملون فى الحكومة والقطاع العام. ولكن لحسن الحظ أنها وجدت فى نفس الخزينة 2.5 مليار جنيه لتمنحهم لبضع مئات من المحتاجين من كبار المصدرين لكى تعينهم على مواصلة مهمتهم القومية فى زيادة صادرات مصر. خاصة إذا كانت إحدى المهام القومية لهؤلاء هى الاستيراد من إسرائيل عبر اتفاقية «الكويز» قطن وزراير، وسوست، وشماعات، لتصنيع الملابس فى مصر، وإعادة تصديرها إلى الشقيقة أمريكا معفاة تماما من الجمارك. ما أصعبها من مهمة قومية.

وربما من حسن الطالع أن يكون مبلغ دعم الصادرات 2.5 مليار جنيه، والذى استمات عليه بعض رجال الأعمال، هو ذاته ما كان مقررا فى الموازنة لضرائب جديدة يدفعها المتعاملون فى البورصة على جانب واحد فقط من أرباحهم وهى التوزيعات، حتى دون المساس بالأرباح التى يحققها المضاربون الذين يبيعون ويشترون الأسهم بغرض تحقيق الأرباح دون الرغبة فى أى استثمار حقيقى. إلا أنهم استماتوا على المليارين والنصف مليار حتى نجح نفر قليل منهم فى لى ذراع الحكومة، وإجبارها على إلغاء هذه الضريبة. وسيكون على أولى أمر الموازنة أن يفكروا فى تدبير قيمة هذه الضريبة الملغاة من أناس آخرين ليس لهم القدرة على لى الأذرع.

ولإنها موازنة «أحداث» وليست «ثورة» فلم يملك واضعوها الاقتراب من أصحاب الياقات السميكة التى تحمى أقفيتهم من أى ضربات مباغتة. فعندما قررت الحكومة فرض ضرائب جديدة على المليارات التى يحققها بعض أصحاب الأعمال، لم تستطع أن تزيدها إلا بمقدار 5%. لكى يصبح الحد الأقصى للضريبة على من يحقق أرباحا من 10 ملايين جنيه فما أكثر حتى لو كانت بالمليارات لا يزيد على 25%. بينما تفضلت الحكومة مشكورة ورفعت حد إعفاء الموظفين بحيث من يحصل على 1000 جنيه فى الشهر وجب عليه أن يدفع ضريبة تساوى 20%.

ولذلك لا يبدو مستغربا أن أصحاب الدخول الذين يحصلون على قوت يومهم من التوظف يدفعون ضرائب للموازنة مقدارها 15 مليار جنيه العام المقبل، بينما كل الضرائب التى سيدفعها أصحاب النشاط الصناعى والتجارى لن تزيد على 5 مليارات جنيه.

ولأن «أحداث يناير» هى التى حكمت صانع الموازنة فليس من المستغرب أن يعيد لنا ملف الخصخصة مرة أخرى. بل ويضع تقديرا لحصيلته تبلغ نصف مليار جنيه. دون أن يفتح حوارا مجتمعيا حقيقيا حول ما إذا كان الشعب يريد إسقاط الخصخصة بعد كل الفساد الذى كشفت عنه التحقيقات مع أطراف النظام السابق، أم يريد الإبقاء عليها.

ولا عجب أيضا ألا يجد مهندس الموازنة أى غضاضة فى أن يجمد الضريبة العقارية ليفلت أصحاب القصور والفيللات، والمنتجعات، وهواة تسقيع الأراضى من دفع ما كان قد تم تقديره فى حدود ما بين 3 إلى 4 مليارات جنيه فى السنة على أقل تقدير.

ولأن الثورة وناسها لم يمرا على خاطر صانع قرار الموازنة فقد أغدق فى عطائه لأصحاب المصانع الذين يستقطعون نحو ربع دعم المنتجات البترولية الذى وصل هذا العام إلى 99 مليار جنيه. بينما تبيع هذه المصانع منتجاتها فى الداخل والخارج بالأسعار العالمية دون أى تدخل من الدولة.

ولأن الموازنة وضعها من يرون أن ما جرى فى يناير لا يعدو أن يكون مجرد «أحداث» فقد يكون أمرا طبيعيا أن يزيد هؤلاء من موازنات مثل الإعلان والدعاية والاستقبالات لتصبح 146 مليون جنيه. وطبعا كلنا يذكر كم كان يذهب من هذه الملايين للصرف على إعلانات فى الجرائد ووسائل الإعلام للترحيب بقدوم الرئيس بزيارة مشروع، أو افتتاح كوبرى، أو محطة صرف صحى. وما كان يصرف أيضا بعد ذلك على شكره لتشريفه بالزيارة. وليس بقليل ما كان يصرف على إعلانات لتهنئته بالعيد الصغير، والكبير، وما بينهما من عيد ميلاده، أو ضربته الجوية، أو عودته من رحلة علاجية. فإذا كنا قد زدنا من هذا البند فى الموازنة الجديدة فهنيئا للرئيس الجديد، ورفاقه من الوزير وحتى المحافظ.

ولأنها موازنة «أحداث يناير» وليست «ثورة يناير» فافعلوا ما شئتم لحين يأتى يناير جديد يضع فيه الموازنة أصحاب الثورة ذاتهم، وقتها فقط سيكون العدل، وليس غيره هو من يضبط أرقامها. ولن يكون لفريق لى الأذرع مكان فيها.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات