التردي الإسرائيلي.. والفلسطيني! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التردي الإسرائيلي.. والفلسطيني!

نشر فى : الثلاثاء 20 أكتوبر 2009 - 9:23 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 20 أكتوبر 2009 - 9:23 ص

 ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تضغط بشدة على محمود عباس والسلطة الوطنية الفلسطينية وعلى بعض الدول العربية، بهدف تأجيل التصويت على تقرير جولدستون، الذى اتهم إسرائيل بصفة رئيسية، وحماس بدرجة محدودة، بارتكاب جرائم حرب فى غزة.. مستندة إلى حجة فارغة، وهى أن التصديق على التقرير سوف يعطل المفاوضات ويفسد الجو بين نتنياهو وعباس..

ولكن أى مفاوضات؟

فلم تكن هناك مفاوضات أو نية لإجراء مفاوضات سرية أو علنية بين الطرفين، ولم ينجح اللقاء الذى استدعى فيه «محمود عباس» على عجل إلى واشنطن للقاء نتنياهو بحضور أوباما، حيث رفض نتنياهو بشكل قاطع تجميد الاستيطان، وهو شرط أضعف الإيمان الذى تمسك به أبومازن، وكانت صدمة لإدارة أوباما الذى ظن أنه يستطيع إقناع نتنياهو إذا تراجعت السلطة عن تأييد تقرير جولدستون وعن عرضه على مجلس حقوق الإنسان، ومن هنا زايدت الأصوات الفلسطينية التى تقلل من شأن التقرير بدعوى أنه يساوى فى الإدانة بين إسرائيل وحماس. وكانت تلك من أهم الأسباب التى حملت حماس على تأجيل اتفاق المصالحة وإثارة نعرات الخلاف مع فتح من جديد.

ولكن الآن بعد أن أقر مجلس حقوق الإنسان تقرير جولدستون وتوصياته التى سوف تدفع به إلى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وربما المحكمة الجنائية الدولية.. وبعد أن أمضى المبعوث الأمريكى ميتشيل ثمانية أشهر فى جولات مكوكية لم تسفر عن شىء.. فإن موقف إدارة أوباما التى جاءت محملة برؤى وسياسات جديدة فى الشرق الأوسط، أو هكذا هُيئ لأوباما، حين حاول أن يوثقها فى خطابه التاريخى بجامعة القاهرة، يوشك أن يتبخر دخانا فى الهواء.

وقد استبقت إسرائيل أى خطوة أمريكية، فأعلنت أنها حصلت على وعد أمريكى باستخدام الفيتو (حق النقض) إذا أصدر مجلس الأمن أى قرار ضد إسرائيل بناء على تقرير جولدستون.

يستطيع العرب أن يفرحوا كثيرا لحالة الخوف التى قد تنتاب القيادات الإسرائيلية التى يمكن أن تتعرض لإجراءات قضائية أو محاكمات خارج حدود إسرائيل. ولكننا رأينا كيف أن الدول العربية نفسها تسامحت وتنازلت عن حقوقها فى محاكمة بعض مجرمى الحرب الإسرائيليين من أمثال بن اليعازر وزير الإسكان الإسرائيلى الذى صدرت ضده أحكام لتورطه فى قتل 65 ضابطا وجنديا مصريا. وسمح له مع ذلك بزيارة مصر برفقة نتنياهو ومقابلة رئيس الدولة. ومن ثم فإذا تنازلنا عن حقوقنا، فليس من المتوقع أن تكون الدول الأخرى أكثر صرامة وحزما فى التعامل مع مجرمى الحرب الإسرائيليين. كما رأينا كيف أوشك الفلسطينيون فى أجواء الاستسلام العربى وتحت ضغط أمريكى أن يطلبوا تأجيل البت فى تقرير جولدستون لولا ثورة الغضب الفلسطينية.

ومع ذلك تظل جدوى التقرير معلقة بقدرة العرب على تحريك التقرير فى حملة لعرضه على محكمة الجنايات الدولية فى حالة امتناع إسرائيل عن إجراء تحقيقات خاصة تتسم بالشفافية كما طالب التقرير. أو طرحه للمناقشة فى دورة خاصة تدعى إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ويمكننا أن نتوقع إزاء ذلك، ألا تقف إسرائيل مكتوفة الأيدى لإبطال مفعول التقرير والحد من أضراره. كما أن واشنطن لن تسكت على تحركات من شأنها إثارة غضب إسرائيل بوضع التقرير وتوصياته موضع التنفيذ، مع أن بوسعها لو أرادت أن تستخدم قوتها الناعمة فى الضغط على إسرائيل، أن تمتنع عن استخدام الفيتو لصالح إسرائيل فى مجلس الأمن.

وفى النهاية، وأيا كانت النتائج، فالأمر يتوقف على ما سوف يتركه التقرير فى الضمير العالمى وفى الدوائر المتعاطفة مع إسرائيل، من آثار سلبية، تكشف عن الوحشية التى يتعامل بها الاحتلال الإسرائيلى مع الفلسطينيين.. والتى حدت بقاض محترم لا مطعن فى نزاهته ــ وهو يهودى ــ أن يصدر تقريرا بمثل هذه الصرامة والشفافية.

قد يكون انتصار العرب بحصول التقرير على أغلبية الأصوات فى مجلس حقوق الإنسان، رغما عن إرادتهم وتدبيرهم، نظرا لغياب التنسيق بين الدول الأوروبية وعدم تصويت روسيا والصين، وفقدان حكومة نتنياهو للتعاطف الدولى بسبب موقف العناد والرفض.. ولكن ليس هذا وحده هو السبب، فقد ساد اقتناع دولى عام بأن إسرائيل لا تسعى للتوصل إلى تسوية. كما أن الانقسام الفلسطينى سوف يضعف من تأثير تقرير جولدستون، مهما تكن درجة التردى التى وصلت إليها السياسة الإسرائيلية.

على أن هذا التردى لا ينبغى أن يعفينا أو يعمينا عن درجة التردى الفلسطينى، الذى تشتعل فيه نيران الخلافات كلما خبا أوارها بفعل جهود المصالحة المصرية، فلأول مرة يصدر عن مصر مثل هذا التصريح الغاضب الكاشف الذى اتهم حماس صراحة بأنها تسوق الذرائع بهدف التسويف والمماطلة..

ولكن أى دور لعبه تقرير جولدستون فى تأجيل توقيع حماس على اتفاق المصالحة؟

هناك اعتقاد شائع فى عدد من الدوائر بأن حماس سوف تظل تثير العراقيل أمام المصالحة لأسباب لا علاقة لها بالاختلاف على المصالح الفلسطينية، بل تماشيا مع مصالح إيرانية أو بإيعاز من دول عربية يهمها استمرار الخلافات الفلسطينية بين فتح وحماس. ولكن مثل هذه الحجج لا تبدو مقنعة. والأرجح هو أن تمرير تقرير جولدستون قد أعاد ترتيب الأولويات فى الداخل الفلسطينى لغير صالح أبومازن وفتح.

يعنى بعبارة أخرى أنه قد يعيد تأجيج الصراع على السلطة بشكل أو بآخر. وذلك هو سبب نكوص حماس الأخير عن توقيع اتفاق المصالحة والمطالبة ببحث شروط جديدة.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات