المتحوّلون.. تونس تحت وقع العنف السلفى - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المتحوّلون.. تونس تحت وقع العنف السلفى

نشر فى : الثلاثاء 20 نوفمبر 2012 - 8:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 20 نوفمبر 2012 - 8:40 ص

المتحوّلون أفراد وجماعات وأصناف.. هناك المتحوّل من جنس إلى جنس، وهناك المتحوّل من مذهب إلى آخر (من السنّة إلى الشيعة..) وهناك المتحوّل من دين إلى دين (من الإسلام إلى المسيحيّة..) وهناك المتحوّل من موقع إلى آخر (من موقع الداعية إلى مرتبة وزير..). وهناك أيضا المتحوّل من حزب إلى آخر، وقد شهد المجلس التأسيسى التونسى أحداثا أربكت سيره بعد أن استقال عدد من أعضاء الأحزاب الذين انتخبوا على أساس الانتماء إليها كالعريضة الشعبية، وحزبى المؤتمر والتكتل حليفى النهضة لينضمّوا إلى الكُتل المعارضة بل إنّ ما أثار حفيظة البعض هو انضمام هؤلاء المستقيلين إلى حزب نداء تونس، الأمر الذى ترتّب عليه رفع قضايا لرفت النوّاب الذين مارسوا السياحة الحزبيّة.

 

ولعلّ الطريف فى عمليات التحوّل بعد الحراك العربى أو الثورات، بروز أصوات جديدة تدّعى بطولات سابقة،  توهم نفسها بأنّها من المشاركين فى صنع التاريخ. فمن لم نَعرف له ذكرا صار يُحدّثنا عن أمجاده: صولاته وجولاته فى مجال مقاومة النظام الفاسد، ومن كان يهاب مخالطة من احترفوا توجيه الانتقادات للحكومة بات يسرد علينا تفاصيل وقوفه بوجه الطاغية، ومن كان قابعا فى جحره يستعين بالصلاة والصوم والصبر أضحى اليوم داعية للجهاد ولاستئصال الطاغوت، ومن كانت تدور فى فلك حاشية الرؤساء مقدّمة خدماتها صارت تحدّثنا عن القهر والمعاناة أيّام المخلوع، ومن كانت تخدم النظام بالقلم والجسد باتت تُخبرنا عن انتهاكات اقترفها النظام السابق فى حقّها.

 

الأمثلة كثيرة: حدّث ولا حرج وهى علامة على رغبة الجميع فى احتلال موقع مشرّف بعد الثورة، وفى دخول التاريخ من بابه الكبير ودون دفع الثمن حتى وإن أدّى الأمر إلى اختلاق قصص وأخبار وروايات، أو اصطناع عذريّة جديدة. ولأنّ الثورات افتقرت إلى زعماء فإنّ الجموع أضحت تتنافس من أجل احتلال موقع، واختلاق حكاية علّها تنجح فى تطهيرهم من الأدران.

 

 من الواضح أنّ هذه الأصوات الجديدة تشوّش المشهد السياسى لأنّها تطلب منّا أن نكون بلا ذاكرة، وتريد منّا أن ننسى أو أن نصاب بالألزهايمر،Alzheimer، نصدّق ما تزعمه، ونبارك فعلها ونضفى عليه الشرعيّة المطلوبة. غير أنه يعسر علينا اليوم القبول بتزييف الوعى الجماعى وتزوير التاريخ، والإصغاء إلى جماعات تتهافت من أجل احتكار الكلمة باسم الشعب أو تفرض الوصاية على الآخرين بدعوى أنها تمثل الإسلام أو تزعم أنها تمثل الأغلبية التى اختارها الشعب عن قناعة وإرادة حرة أو تدعى أن الثورة خرجت من عباءتها أو تلح على أنها الأكثر وفاء لأهداف الثورة أو تزعم أنها تنطق نيابة عن الله.

 

إن التحول الحقيقى المنشود هو أن يغير الفرد من نظرته إلى ذاته وإلى الآخرين وإلى الكون وأن يقر بأنه مأزوم وبحاجة إلى علاج من أدوائه: الفقر والجهل والخصاصة والإحباط والتهميش، والخوف، والرياء.. إنه يبحث عن خلاصه لا من خلال نسج الأساطير وبيع الأوهام بل من خلال بناء الذات والقدرات وتعلم المهارات وتبنى القيم، والتدرب على سلوك مغاير يتوافق مع اللحظة التاريخية الراهنة والتحديات المفروضة.

 

إننا نحتاج إلى لحظة مكاشفة، أن نرى الأشياء فى أبعادها المختلفة، أن نحدّق فيها بملء العين ونعترف بقصورنا على الفهم. فقوانين التاريخ تغيّرت، وآليات التفكيك اختلفت وقصائد المدح والفخر والهجاء ما عادت تنفع بعد أن أسقطت الثورات الأقنعة ودفعتنا إلى مواجهة ذواتنا فى لحظة ممارسة العرى. فإمّا أن نرى الأشياء كما هى وأن نسميها بمسمياتها وإما أن نصمت.. أما اللعب على الحبل فما عاد ينفع وأما التحول من موقف أو موقع فما عاد يجدى. 

التعليقات