لهذا خلق الناس الدولة - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لهذا خلق الناس الدولة

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2016 - 10:25 م
المتهم برىء حتى تثبت إدانته، والإدانة لا بد أن تكون بحكم قضائى بات ونهائى، اتيحت فيه للمتهم حقوق الدفاع عن نفسه، عبر درجات متعددة من التقاضى، وفى ظل ظروف تضمن التجرد والنزاهة فى إصدار الأحكام، وبغير ذلك لا يمكن إطلاق التهم جزافا، ويظل المتهم يحمل صفة «المتهم» وليس الحرامى، وإن كان لصا، ولا القاتل وإن تورط فى القتل فعلا.

إذن لا يمكن تجاوز هذه القاعدة التى يبدو أن رئيس جامعة الأزهر المؤقت، الدكتور إبراهيم الهدهد، وأعضاء مجلس الجامعة، لم يقفوا عندها كثيرا عند إصدار قرار بفصل ثلاثة من الطلاب، فصلا نهائيا لـ«تورطهم»، حسب القرار، فى قضية اغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات، رحمه الله، رغم أن القضية لا تزال تحت التحقيق فى النيابة ولم تحل بعد إلى المحكمة.

استشهاد المستشار بركات، محامى الشعب، كان ضربة موجعة لنا جميعا، ومن حق المجتمع أن يقتص من قاتليه، غير أن المتهمين بالتورط فى القضية أمامهم اجراءات لابد من اتخاذها، وفقا للقانون، قبل أن يكون من حق مجلس الجامعة فصل الطلاب المتهمين بالتورط فى القضية، وبحكم قضائى نهائى، وبغير ذلك نكون أمام استباق للأحداث.

ماذا سيكون موقف جامعة الأزهر، إذا حصل أى من الطلاب المفصولين على حكم بالبراءة، غالب الأمر أن الدكتور الهدهد أو من سيكون وقتها رئيسا للجامعة، سيجبر على إعادة هؤلاء إلى مدرجات الجامعة، بل ويحق لهم طلب التعويض من المحاكم.
دوافع أعضاء مجلس جامعة الأزهر، ربما تكون نابعة من عاطفة جياشة تسبب فيها الألم الناتج عن استشهاد المستشار بركات، وقد يكون وراءها رغبة فى الذود عن الأزهر الشريف ضد اتهامات البعض له بتخريج متطرفين من بين جدرانه، غير أن ذلك لا يعطيهم الحق فى استباق أحكام القضاء، واتخاذ قرارات بالفصل، بذريعة «التورط» فى قضية هى حتى الآن بين أيدى رجال العدالة.

فى الحرب على الإرهاب، خيط رفيع بين تعقب المجرمين والقتلة، فى مواجهات ميدانية من جانب، ولدى سقوطهم فى أيدى رجال الأمن من جانب آخر، فى الحالة الأولى قواعد الاشتباك تعطى للشرطة حق الدفاع عن النفس، وفى الثانية يعطى القانون المتهمين الحق فى الدفاع عن أنفسهم، أمام القضاء العادل الذى سيقول كلمته النهائية فى مصيرهم.

هذا هو الفرق بين أن تحتكم الدول إلى القانون الذى ينظم العلاقة بين البشر ويحدد دور الحاكم والمحكوم، والتصرف مع الخارجين على العدالة، من دون وقوع أى تجاوز للقواعد المنظمة لهذه العلاقة، ممن يفترض أنهم القيمون على الحفاظ عليها وإنفاذها، تطبيقا للقانون.

لدى مصر من القوانين المحلية والمواثيق الدولية الموقعة عليها، ما يضمن إعطاء كل ذى حق حقه، ولا يجب أن يتطوع أحد، ولو بحسن النية، بقرارات قد تجلب العواصف، أو إجراءات تفتح الباب أمام منظمات حقوقية دولية للصيد فى الماء العكر، كما نتهمها، لأننا أحيانا نقدم بأيدينا ما يتسبب فى الكوارث، ونحن نحسب أننا نحسن صنعا.

من خلال عقد اجتماعى، تتم ترجمته فى دستور، اختار البشر الطريقة المنظمة لحياتهم، بالنص على واجبات واضحة، وحقوق مقدرة، ووضعوا حدودا فاصلة بين العمل تحت مظلة القوانين والتشريعات، ومواجهة أى تجاوز أو افتئات عليها، ولهذا خلق الناس الدولة، تحمى ولا تظلم، تضرب بيد من حديد كل مجرم، وتضمن العدل لكل برىء.
التعليقات