«همـــا طفلانــا الآن» - عادل سليمان - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 7:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«همـــا طفلانــا الآن»

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2022 - 8:05 م | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2022 - 8:05 م
كلمة أخذت عقلى ورق لها قلبى، نطق بها صديق جوابا عن سؤال كيف نُبر آباءنا ونقدم لهم كل مشاعر الحب والوفاء؟ وخاصة وهم فى خريف العمر. صديقى هذا، والذى يطل علينا من حين لآخر فى مقهى «ليل الثقافى» على نيل المنيا الساحر. له آراؤه التى تنطق بالحكمة، وخاصة عن علاقة الأبناء بالآباء، عن علاقة تتبدل فيها الأدوار فيصبح الآباء، أطفالا للأبناء. وعليهم «الآباء الحاليين» تقديم مشاعر البر والرحمة، كما قُدم لهم. صديقى هذا وإن طل علينا، يملأ المكان ودا وحبا. كنت أحسده على كل هذا الحب، والذى يغمر قلبه ويفيض على من حوله. حتى رواد المقهى كان يبادلهم حبا، بحب. فهو سريع الائتلاف مع الناس، سريع المحبة لهم. الكل كان يسعد لمجيئه، حتى عامل المقهى والذى لا يجيبك من قريب، كانت تتغير معاملته لنا فى حضوره.
• • •
وبالرغم من الالتزام الدينى، والذى كنا نلمسه فى شخصية صديقى. إلا أنه لم يكن أبدا متشددا. بل كان مستنيرا، وقارئا نهما فى كثير من المعارف. يؤمن بقبول الآخر، ويؤمن بالحق فى الاختلاف. وأن الإيمان علاقة بين العبد وربه بدون رقيب، ولا تفتيش فى الضمائر. وأن رسالة السماء دائما تدعو إلى الخير والحق والجمال. وكان يحدثنا وصوت أم كلثوم ينساب كالحرير فى «أقبل الليل» فيُطرب له وعندما كنا نسأله عن الغناء والموسيقى، وهناك من يحرمهما، كان يقول إن الإمام أبى حامد الغزالى فى «إحياء علوم الدين» يقول «من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج». ثم يضيف لنا أن كل ذلك ينسحب على كل الفنون، والتى تسمو بروح الإنسان. فلهذا لم يكن مستغربا أن نرى صديقنا يصف روعة المكان الذى يجمعنا ولا نشعر به، ويقول إن للنهر جمالا وسحرا، وللأماكن أسرار لا تكشف إلا لعين عاشق. حتى الليل الموحش الذى يلفنا، يتأمل نعم سكونه وروعة نجومه، ودعاء كروانه. وبالفعل كنا نسمع فى ليلته دعاء الكروان، والذى كان يتلاشى دعاؤه فى ضجيج ليالينا. وكأنه يدعو له، فى ليلته نشعر بالسكينة والطمأنينة، وأن فى دنيانا القاسية يوجد من يحمل الخير لكل الناس. رقة مشاعره تجعلك تسأل عن كل هذا الرضا الذى يسكن قلبه، ويُشرق من وجهه؟ تأخذك الحيرة، أهو القرب من الله. أم هو البر بالوالدين. وكنا نعلم كم كان بارا بهما. حتى فى فقده لأمه كان صابرا يدعو لها بالرحمة، ولأبيه بالصحة والستر. وكان يقول إن كان الله أخذ قلبى مع فقد أمى، فقد ترك عقلى، مع أبى.
• • •
صديقى يسكن فى شقة صغيرة، ولكن عندما تزوره تأخذك الدهشة؛ شقة جميلة تراها العين متسعة، وعندما كنت أحدثه عن ذلك كان يقول إن الضيق فى الصدور. وإن الأماكن تتسع لعين راضية. إحدى الحجرتين سماها «جنة الأبرار» شارك فيها أطفاله الكبار «أباه وأمه» والصغار «الابن والابنة»، الابن يشارك الجد والابنة تشارك الجدة «قبل رحيلها».
• • •
كان يقول إنه يجد نفسه فى تلك الحجرة، وأنه يشعر أن السعادة فى وجوده مع أطفاله «الكبار والصغار» أما عن زوجته، فكان يقول إن الله أعطاها عقلا راجحا، تعامل أطفاله الكبار «أباه وأمه» كأطفالها الصغار، دائما تردد «كما تدين تدان»، تريد ما تقدمه هنا، تقدمه زوجة أخيها لأبيها وأمها هناك. وتقول إنها تنتظر من يقدم لها وهى فى خريف العمر، كما قدمته هى فى ربيع العمر. ثم تأتى نصيحة صديقنا، بأن علينا نحن الأبناء الإمساك بنعمة وجود آبائنا بيننا، وتقديم أجمل مشاعر الحب والعطف. فنحن نعيش فى ظلال من رحمة الله بوجودهما. وعلينا القرب منهما، ورعايتهما بالحنان، فالجنة تحت أقدامهما أما غير ذلك فهو الندم فى وقت لا يجدى فيه الندم. وأخيرا كان يحدثنى عن أجمل هدية كانت تجود بها السماء له فى كل ليلة، حيث يسمع من يناديه فى جوف الليل، ويكون مصدره حجرة الأبرار فيلبى النداء بسعادة كبيره ليسقى طفله «الكبير» والده ثم يكون موعده مع الله عندما تغار النجوم، وتنام العيون فيدعو الحى القيوم. ثم يخلد إلى النوم فيسمع النداء الثانى وكان فى الغالب من الأم قبل الرحيل للاستعداد للصلاة، حيث السَحر وينابيع الفجر توشك أن تنهمر.
عادل سليمان معد برامج بتلفزيون الصعيد
التعليقات