ليس دفاعا عن أحمد مكي - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليس دفاعا عن أحمد مكي

نشر فى : الأحد 21 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 21 أبريل 2013 - 10:03 ص

اتفقت .. واختلفت مع «القاضي/الوزير» أحمد مكي في رأي هنا ومسألة هناك. وذلك من طبيعة الأمور وسنن الله في خلقه، إلا أنه هالني أن أسمع من البعض (ومنهم مسؤولين وقانونيين للأسف) ما ساقوه من أسباب دعتهم للمطالبة بإقالة الرجل. وكانت فيما سمعت تركز على نقطتين:


١ـ أن الأحكام في قضايا مسؤولي النظام السابق، وكذا قضايا قتل المتظاهرين، والمنظورة أمام «محاكم الجنايات» لم تأت بقصاص واجب ومحاسبة عادلة، 
٢ـ  أن القاضي الذي نظر طلب إخلاء سبيل مبارك بعد انقضاء مدة حبسه الاحتياطي، إلتزم (بنص القانون) الذي يضع حدا أقصى للحبس الاحتياطي في مثل تلك القضايا (١٨ شهرا). وهو النص الذي أكدته نصوص الدستور الجديد. فقضى بإخلاء سبيله «مالم يكن محبوسا على ذمة قضايا أخرى»،
والناظر «بإنصاف» الى هاتين النقطتين/السببين والتي ركزت عليهما التصريحات الرسمية والمؤتمرات الصحفية وهمزات ولمزات مواقع التواصل الاجتماعي، لا يملك إلا أن يضرب كفًا بكف. إذ بدت الإشارات، وكأن القائلين بها ينتظرون من الوزير؛ الذي هو جزء من السلطة التنفيذية، ومعين من رئيسها أن يتدخل في أحكام القضاء ويصدر تعليماته لهذه الدائرة أو تلك بما يجب أن يكون عليه حكمها. بل وأن يطلب من القاضي الذي نظر في استمرارحبس مبارك «احتياطيًا» أن يخالف صحيح القانون ونصوص الدستور الذي لم يجف حبره بعد(!) وهو أمر جد غريب. ففضلا عن حقيقة أن هذا أو ذاك ليس بسلطة الوزير «دستورا أو قانونا»، إلا أن الأخطر أن حديثا مثل هذا، خاصة عندما يصدر من مسؤولين أو محسوبين سياسيا على النظام القائم، ربما يدفعنا «معذورين» الى أن نقرأ فيه كيف يفهم هؤلاء المعنى الحقيقي لاستقلال القضاء، وكيف أن فهمهم للديموقراطية (التي أساسها الفصل بين السلطات) يشوبه كثيرٌ من الخلط. وكيف أنهم، بمقولات شعبوية يسوغون الخطوات الأولى على طريق استبداد لا شبهة فيه. غافلين، أو محاولين صرف أنظارنا عن أن الخطأ لم يكن خطأ قضاة «محاكم جنايات» لا يملكون غير الالتزام بما لديهم من قوانين «جنائية لا سياسية» وبما في ملفات الدعوى من أوراق وأدلة ثبوت. وإنما الخطأ، الذي لا يريدون أن يعترفوا به كان في إهمال أصحاب القرار السياسي «بحسن نية أو بدونها» لما تستوجبه مراحل الانتقال الديموقراطي من ضرورة المحاسبة «السياسية» لرموز النظام السابق، كما تقضي بذلك أصول «العدالة الانتقالية»، وكماتُعلمنا تجارب السابقين. ويذكر من يذكر كم بُح صوتنا سواء في المقالات أو الحوارات أو حتى «داخل القصر» في التنبيه لذلك دون فائدة (بعض التفاصيل أشرت اليها في هذا المكان ـ ٣ مارس ٢٠١٣)

•••
أيًا ما كانت «ميكيافيلية» التصريحات والمواقف الرديئة من هنا وهناك والتي شهدناها واستمعنا اليها على مدى الأيام الماضية، فقد كان لافتا أن مشروع القانون الذي واكب الحملة «الممنهجة» لإهانة القضاء، والذي يقتصر (إن صح ما نشر) على مواد أربعة ليس قانونا للإصلاح المؤسسي للقضاء، كما أنه ليس قانونا «للتطهير» الذي هتف به المساقون الى الشوارع. إذ لا أفهم المنطق وراء افتراض أن الفاسدين «لو صح التعبير» هم بالضرورة من تخطوا سن الستين. كما أنه لا يمكن لأي ذي عقل أن يربط بين مسألة السن والأحكام التي صدرت ولم تعجب الناس..!! ما هي القصة إذن؟ المعنى هذه المرة «ليس في بطن الشاعر».
ثم أنني أستغرب أن يلتفت المشرعون (بعد ثورة) عن مشروع قانون «حقيقي» يحقق استقلالا وإصلاحا «حقيقيا» لمؤسسة القضاء، حارب القضاة «وحاربنا كلنا معهم» مبارك لإقراره منذ مؤتمر العدالة الأول ١٩٨٦ خاصة وأن اللجنة التي وضعت لمساته الأخيرة قبل أشهر كانت برئاسة المستشار حسام الغرياني الذي يقولون أنهم يقدرونه.
رحم الله يحيي الرفاعي، صاحب الرسالة الشهيرة (ديسمبر ٢٠٠٢)، وأطال الله في عمر طارق البشري، هادئ الصوت «قاطع الحكم»، وصاحب التاريخ الطويل في التأصيل الفكري لقضية استقلال القضاء. والذي حذرنا قبل يومين من «محاولة من النظام الحالي للسيطرة على القضاء» (الشروق ١٩ أبريل ٢٠١٣) وغيرهما كثيرون على قائمة طويلة للذين ناضلوا من أجل استقلال «حقيقي» للقضاء؛ سواء من شيوخ ابيض شعرهم مثل محمد أمين المهدي (الذي أوقف عام ٢٠٠٠ مكافأة حكومية لأعضاء محكمة الأحزاب حرصًا على استقلالهم)، أو شباب مثل محمود حمزة الذي «سحله» رجال الشرطة أمام نادي القضاة أيام معركتهم الشهيرة مع نظام مبارك (٢٠٠٦)، وهي بالمناسبة إحدى المعارك التي مهدت الطريق أمام ما جرى في ٢٥ يناير
•••

تبقى إشارة واجبه الى أن هذا المقال ــ كما يقول عنوانه ــ ليس دفاعا عن المستشار مكي، بل دفاعا عن قيمٍ ديموقراطية «مجردة» يعرف القاصي والداني كم هي ضرورية ولازمة إن كنا حقا جادين في بناء مجتمع يلبي أحلام شبابه الذين ضحوا بأرواحهم في يناير ٢٠١١، وفشلنا بأنانيتنا أن نقتص لهم. ثم أنه بعد ذلك تحذيرٌ (أشرنا اليه هنا من قبل، ولن نمل تكراره) من خطورة ترويج البعض المستمر لزعم «فساد مؤسسة القضاء»؛ هكذا بالمطلق. وما صاحب ذلك من استخفاف ببعض أحكامه، أو إهدار لبعضها الآخر. دون أن ينتبه إلى أن هناك بالضرورة فارقا بين القضاء «كمؤسسة» والقضاة «كأفراد». وأن «أفراد» القضاة، مثلهم مثل أى جماعة «بشرية» كما أن فيها الصالح فمن الطبيعى أن يكون فيها الطالح. ولكن ما كان ينبغى لهذا أن يصبح «تعميما» نرى مظهره فى حصار أو مسيرات «موجهة»، أو يصبح «تبريرا» لإهدار بعض أحكام قد نرى فيها حَيفا أو تعطيلا لمسيرة تلبستنا فلا نتصور لها بديلا. كما لا ينبغى لنا أبدا أن نستخف بآثار لا بد أن تترتب على إسقاط مهابة منصة «وميزان عدالة» لو شاع بين الناس اهتزازه لما اطمأنوا أبدا للجوء اليه. ولعمد كل منهم إلى أن يأخذ حقه «أو ما يتصور أنه حقه» بيديه، ولسقطت «الدولة» التى هى بالتعريف مؤسسة لتنظيم حياة الناس. ولفشل الحاكم أيا من كان هذا الحاكم فى إدارة أمور بشر يتجاوز تعدادهم التسعين مليونا.
•••
وبعد ..
فقد كانت نقطة الخلاف الأولى مع «القاضي» أحمد مكي، ومحور نقاشاتي الدائمة معه، أنني كنت أراه حسن النية حين يعتقد أن النظام «جاد وصادق» في مسيرته نحو الديموقراطية «التي نعرف»، والتي تقوم على «استقلال حقيقي» للسلطات، ديموقراطية لا تعرف «إمارة» في غير زمانها وسياقها. كان الرجل دائما «متفائلا»، وكنت أخرج دوما من نقاشاتي معه متمنيا أن أكون «أنا المخطئ» .. ومازلت.
أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات